مساعى داعش لتفادي أخطاء الجماعات المتطرفة
اندبندنت عربية – أطلقوا عليه اسم “الشبح،” وخلال السنوات القليلة الأولى التي تلت صعود أبو بكر البغدادي في عام 2010 إلى سدة الحكم على ما سيصبح لاحقا داعش، كان البعض حتى في المراتب العليا للتنظيم تساورهم الشكوك في وجوده فعلا.يقول خبراء مكافحة الإرهاب إن ظهور البغدادي عام 2014 كزعيم لدولة الخلافة المزعومة في الموصل كان عن قصد، باعتبار ذلك طريقة لصرف الأنظار عن البعثيين السابقين المتشددين الذين هيمنوا على مجلس التنظيم المكون من ثمانية أعضاء. لكن ذلك أيضاً كان دليلا على أن داعش سعى لتفادي الأخطاء السابقة للجماعات المتطرفة. ويرى المتخصصون أن داعش قد استعدَّ أيضا للنهاية الحتمية للبغدادي بوضع هيكل تنظيمي لمنع حدوث أي فراغ في القيادة بسرعة، وأنشأ شبكة دولية تشبه نموذج الشركة المانحة لحقوق الامتياز (او Franchise ) أكثر من النظام الهرمي المتدرج من الأعلى إلى الأسفل.
يقول نوار أوليفر، وهو خبير عسكري في معهد عمران للأبحاث في اسطنبول “إن خسارة شخصية بارزة أو قائد ليس نهاية كل شيء بالنسبة للتنظيم، وهم سيتكيفون، ولديهم هذه القدرة على إعادة تشيكل التنظيم بسرعة.”غير أن وفاة البغدادي هي بلا شك ضربة لداعش، لسبب واحد، وهو أن كثيراً من المقاتلين والتنظيمات في عموم إفريقيا وآسيا قدموا الولاء أو “البيعة” له شخصيا، وليس لتنظيم داعش ككل. ومن شأن هذا أن يعقّد جهود التنظيم للحفاظ على علاقاته مع المجموعات التي تمتد من أبو سياف في الفلبين إلى بوكو حرام في نيجيريا.
وبالنسبة إلى أتباعه، يشكل موت البغدادي خيبة أمل أخرى في قائمة طويلة من الهزائم التي تشمل خسارة مساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا.يقول إتش أي هيلير، وهو زميل مساعد كبير في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن أعضاء التنظيم و”منذ أن خسروا الأرض، أصبح من الصعب عليهم جدًا الترويج للخطاب القائل بأنهم دولة، تختلف عن أي مجموعة متطرفة موجودة.” وأضاف هيلير أنه “بعد رحيل البغدادي، حتى كشخصية رمزية، فإن أي شخص يحل محله سوف يجد عقبات كبيرة إذا تعهد بإعادة إقامة الخلافة من جديد.”
لكن خبراء مكافحة الإرهاب الذين يحاولون أن يستشِفُّوا التحركات التالية لداعش يقولون مكانة البغدادي تراجعت من حيث الأهمية في التنظيم منذ فترة طويلة وبات يلعب فقط دور القائد الرمز ومتحدثا عرضيا بإسم التنظيم بدلاً من قائد عملياته.ومع أن مقتله على ما يبدو على أيدي القوات الخاصة الأميركية، التي اقتحمت مخبأه في شمال غرب سوريا في نهاية الأسبوع، كان ضربة لداعش، يشير الخبراء إلى أن التنظيم سيتجدد كما فعل بعد خسائر سابقة.
ويعتبر داعش تنظيما فريدا من نوعه، تأسس على فكرة تطفو في سحب الفضاء الإلكتروني. وتتضمن رؤيته النموذج الجهادي “افعلها بنفسك” والذي يمكن استنساخه ونشره بسهولة.تقول أماندا روجرز، وهي أستاذة متخصصة في دراسات الشرق الأوسط بجامعة كولغيت: إن داعش “منظمة مرنة وقابلة للتكيُّف بشكل جيد وقد تعلّمَت من أخطاء المجموعات الأخرى. لقد أخفى البغدادي هويته عن عمد، ثم أدمج نهج الشبح كله في هيكل داعش. لقد بذلوا جهدا جادا لاستثمار الجاذبية الشخصية في التنظيم، وليس في الشخصية الرمز. هكذا أصبحت داعش عبارة عن فكرة ‘معدية’ تنتشر بسرعة”.
ويُعتقد أيضًا أن الجماعة تحتفظ بخزينة هائلة من الذهب الذي نُهب من العراق وشمال سوريا، ويمكن استخدام هذا الذهب لتمويل عمليات مستقبلية وتهريب القذائف. ويقدر تقرير للأمم المتحدة بأن المجموعة تحتفظ بمبلغ 300 مليون دولار (233 مليون جنيه إسترليني) دون أن تحتاج لصرف أي دولار منها كمصاريف في تقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين عند إدارة منطقة معينة.وفيما يتعلق بقدراتها العسكرية، فإنها لا تزال قوة فعالة تشن هجمات شبه يومية في كل من العراق وسوريا، وتعيد تأسيس نفسها في ليبيا وتشن عمليات في أراض جديدة مثل سريلانكا.
ويقول التقرير الأممي الذي صدر حديثاً إن “داعش لا يزال يتطلع لاكتساب مكانة عالمية. ويقتضي نهجه في القيادة المتبعثرة والمفوضة عن بعد منح أعضاء راسخين في تنظيم داعش مسؤولية دعم أفرع التنظيم الصغيرة أو أعضاءه الجدد”.وسيقرر مجلس شورى التنظيم المكون من ثمانية أعضاء، والذي يُعتقد أنه يسيطر عليه أعضاء حزب البعث العراقي السابق المرتبطون بنظام صدام حسين، من سيكون الزعيم المقبل لداعش.
يقول كريستوفر غريفينز، وهو متخصص في مكافحة حركات التمرد مع التركيز على الشبكات الأفريقية المتطرفة إن هذه التنظيمات “لا يزال بإمكانها الاستمرار.” وأضاف أنها “ستكون قادرة على الاختيار، حيث ستقول ‘لقد رحل البغدادي وسنمضي قدما. ‘ القاعدة أيضاً لم تمت مع أسامة بن لادن. بالعكس، أصبحت هذه المجموعات أكثر فعاليةً. هذه التنظيمات استمرت في النمو وتكثيف عملياتها.”
من جانب آخر ساد الصمت معظم وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للجهاديين حول نبأ مقتل البغدادي، بينما انتظر أنصاره على الأرجح تأكيدا رسميا من التنظيم. في غضون ذلك قال الرئيس دونالد ترمب إن البغدادي مات جبانا، حتى أنه أصاب كلبا في عملية تفجير نفسه.
لكن خبراء مكافحة الإرهاب يقولون إنه وفقًا لإيديولوجية داعش، فإن تفجير حزام انتحاري يوفر تذكرة مباشرة إلى الجنة. كما حذروا من أن سخرية ترمب من طريقة موت البغدادي قد يشجع أنصار الأخير على السعي للانتقام ونفخ روح جديدة في التنظيم.تقول آن سبيكهارد، مديرة المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف، إن “قتل البغدادي قد يؤدي إلى تجديد التنظيم في الواقع”. وقد أمضت سبيكهارد سنوات في سوريا والعراق تجري مقابلات مع أعضاء سابقين في داعش. وتضيف أن قتل البغدادي “سوف يعيد لم شملهم” لأنه “إذا كنت غاضباً أو تشعر بالأسى أو خائفًا، فلا خيار لديك غير محاولة القتال.”
إن اليأس السائد في جميع أنحاء العالم العربي، وكذلك في المناطق الخارجة عن سيطرة القانون المنتشرة في أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، ستغذي في النهاية إعادة إحياء داعش أو أنها ستؤدي إلى ظهور نسخة جديدة من التنظيم. فقد جاء مقتل البغدادي في عام يشهد احتجاجات وانتفاضات ضد الفساد وسوء الإدارة والكفاءة ووحشية الأنظمة الحاكمة في السودان والجزائر والعراق ومصر ولبنان، وكلها بيأت صالحة لتجنيد دواعش جدد.
في هذا الإطار يقول توبياس شنايدر، وهو زميل باحث في معهد برلين الدولي للسياسات العامة إن “داعش هو أحد التجليات الفظيعة لمشكلة أكبر، وهي الانهيار الجوهري للحكم في المنطقة”. وأضاف شنايدر أنه “لا توجد هناك طرق مشروعة للتغيير، ولا يوجد مجال للإصلاح. إذا تخيلت نفسك شاباً أو امرأة شابة في الشرق الأوسط، فلا يبدو أنه هناك طريق شرعي لتحقيق تطلعاتك.”
ويتمتع داعش بنظامٍ من المراسلين سيغنيه عن ضرورة اجتماع الأعضاء الثمانية في نفس المكان. وفي حالة سقوط عضو واحد أو أكثر من أعضاء مجلس الشورى، فإن لداعش عضويْن اثنين على لوائح الانتظار مستعدين دائما لملئ الفراغ، كما هو الحال بخصوص المناصب الرفيعة في أي تركيبة قيادية.
شكّل موت أسلاف البغدادي، بما في ذلك القتل المثير لأبي مصعب الزرقاوي في العراق عام 2006 ومقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة عام 2011، انتكاسات للجهاديين، لكنها فشلت في نهاية المطاف في إنهاء الجماعات أو إضعاف زخمها أو حتى إدخالها في صراعات مدمرة حول الخلافة.
قالت مذكرة صدرت عن مجموعة صوفان الاستشارية التي أسسها العضو السابق في إف بي آي المكلف بملاحقة القاعدة علي صوفان “إن ضربات قطع الرؤوس أي قتل زعيم جماعة نادراً ما يُؤدي إلى نهاية هذه الجماعات، التي غالباً ما تنجح في البقاء بعد الاغتيالات التي تستهدف شخصياتها القيادية.”تعمل التنظيمات المرتبطة لداعش في إفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأقصى كجهات حائزة على حقوق الامتياز أكثر منها كأذرع تجارية، إذ سيتعيّن على كل منها أن تقرر ما إذا كانت ستحتفظ بعلامة داعش أو تتحول إلى القاعدة أو تستقل تماما.
رابط مختصر … https://eocr.eu/?p=1825