المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
هل يعود اليمين المتطرف إلى إسبانيا بعد نصف قرن من دفن الفاشية؟
أندبندنت عربية – تشتهر فالنسيا، موطن شاطئ كوستا بلانكا، بطبق البايلا الشهير الذي تتميز به إسبانيا، ولكنها اكتسبت هذا الأسبوع شهرة من نوع مختلف.فلقد شهدت هذه المنطقة الشرقية في إسبانيا إقامة تحالف بين “الحزب الشعبي”People’s Party المحافظ وحزب “فوكس” Vox اليميني المتطرف والذي سيتولى السلطة المحلية في ائتلاف مع الأول في 10 مدن يوم السبت في أعقاب الانتخابات البلدية الشهر الماضي. وهذا تحالف يمكن أن يتكرر حال إجراء انتخابات عامة مبكرة في يوليو (تموز) المقبل.
استطلاعات الرأي كانت قد أشارت إلى أن “الحزب الشعبي” هو الأوفر حظاً للفوز في هذه الانتخابات، بيد أنه لن يتمكن من تولي السلطة بمفرده ولا بد له من مساعدة “فوكس” صانع الملوك [نظراً إلى قدرته على التأثير في تشكيل الحكومات والسياسات].وقدم خوسيه ماريا لانوس، وهو رئيس “فوكس” في فالنسيا، توضيحاً لنوع الخطاب الذي يمكن أن نتوقعه من هذا الحزب عندما أصر على أن “العنف ضد المرأة غير موجود”.أما ألبرتو نونيز فيخو، زعيم الحزب الشعبي الذي يحاول رسم صورة معتدلة [لحزبه]، فقد سعى على الفور إلى النأي بنفسه [عن هذا الموقف]، وغرد قائلاً إن “العنف ضد المرأة موجود بالفعل”.
وأضاف أن “الحزب الشعبي لن يتراجع خطوة إلى الوراء في الكفاح ضد هذه الآفة”.وكان “فوكس” قبل خمس سنوات فقط، معزولاً من دون أي أثر سياسي يذكر، لكن بوسعه الآن أن يساعد قريباً في إدارة دفة الحكم في الدولة التي تتمتع برابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.يمكن أن يكون “فوكس”، مثل حزب القانون والعدالة في بولندا وحزب أخوة إيطاليا الذي يحكم في روما، الحلقة الأخيرة في سلسلة من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تزداد سطوة في أوروبا.ربما تستعد إسبانيا لفتح الباب أمام اليمين المتطرف العائد بعد نصف قرن تقريباً من وفاة الجنرال الفاشي فرانسيسكو فرانكو في عام 1975 بعد عهد ديكتاتوري مديد.
بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء الاشتراكي، كان قد دعا إلى انتخابات مبكرة بعد أن انهار ائتلافه اليساري الحاكم في الانتخابات المحلية والإقليمية في 28 مايو (أيار) الماضي.ودعا سانشيز إلى الانتخابات في محاولة للتغلب على “الحزب الشعبي” و”فوكس”، اللذين فازا في صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية.يراهن رئيس الوزراء الإسباني على أن بوسعه أن يوحد أصوات معسكر اليسار، في الوقت الذي يسلط فيه الضوء أيضاً على الخطر المتمثل في الانضمام المرجح لليمين المتطرف إلى الحكومة المقبلة إذا فاز “الحزب الشعبي” بغالبية الأصوات على المستوى الوطني.
“الحزب الشعبي” فاز بالغالبية في عدد قليل من الحكومات المحلية أو الإقليمية، لذا سيتعين عليه الاعتماد على “فوكس” لكي يستطيع أن يحكم في عدد من المجالس البلدية. في المقابل، كان أداء “فوكس” جيداً، إذ زادت حصته من الأصوات من 3.6 في المئة في عام 2019 إلى 7.6 في المئة في عام 2023.وقد حذر سانشيز من أن ترك “فوكس” جاهزاً للتسلل إلى السلطة من شأنه أن يحول إسبانيا إلى نسخة طبق الأصل للولايات المتحدة في عهد ترمب أو للحقبة الشعبوية في البرازيل خلال حكم الرئيس السابق جايير بولسونارو.أطاح الرئيس الأميركي جو بايدن ترمب بعد ولاية واحدة، كما تغلب الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على بولسونارو في انتخابات العام الماضي.
وقال سانشيز للمشرعين الاشتراكيين الأسبوع الماضي إن “إسبانيا ليست محصنة ضد هذا الاتجاه الرجعي، غير أن بمقدورنا في إسبانيا أن نوقفه، من أجل أبنائنا وبناتنا”. وحث الإسبان على اتخاذ القرار ما إذا كانوا يريدون رئيس وزراء يقف إلى جانب بايدن أو إلى جانب ترمب، وإلى جانب لولا أم بولسونارو.ألبرتو نونيز فيخو، زعيم الحزب الشعبي، هو من غاليسيا، تلك المنطقة التي تهطل فيها أمطار كثيرة في شمال غربي إسبانيا ويشتهر سكانها بكونهم مترددين جداً في اتخاذ القرارات. فلا يمكنك أن تعرف ما إذا كانوا سيصعدون الدرج أم سيهبطونه، بحسب قول مأثور وشائع هناك.
وفيخو إما أنه لم يتخذ قراراً بعد في شأن إبرام صفقة مع “فوكس” بعد الانتخابات العامة أو أنه لا يريد أن يقول شيئاً بخصوص ذلك.الرجل كان قد أشار الأسبوع الماضي إلى أنه سيسعى إلى الحصول على غالبية مطلقة متجنباً الإجابة عن أسئلة حول أي تحالف محتمل مع اليمين المتطرف.يمكن القول إن فيخو محافظ معتدل، وهو حاول أن يأخذ بالحزب الشعبي إلى الوسط سياسياً بعد أن اتخذ رؤساء الوزراء السابقون الذين قادوه نبرة أكثر تشدداً.
وفيخو، الذي يتلقى دروساً في اللغة الإنجليزية استعداداً لحضور المؤتمرات الدولية في حال أصبح رئيساً للوزراء، ناطق باللغة الغاليسية. وهذا يجعله محبباً، إلى حد ما لدى القوميين من أبناء إقليمي الباسك وكتالونيا.وقد حاول تبني نبرة أكثر ليونة تجاه كتالونيا، معترفاً بارتكاب أخطاء في الماضي، وذلك في إشارة إلى إرسال حكومة المحافظين السابقة مئات من رجال الشرطة لإحباط عملية استفتاء استقلال كتالونيا غير القانوني قبل خمس سنوات.إلا أن محللين يعتقدون أنه ما من خيار للزعيم المحافظ سوى أن يعقد صفقة مع “فوكس” إذا فشل، كما هو متوقع، في الفوز بغالبية في الانتخابات العامة.
إذاً من هو حزب “فوكس”؟
لقد تم تأليفه قبل عشر سنوات على يدي سانتياغو أباسكال، زعيم الحزب والعضو السابق في مجلس بلدي عن “الحزب الشعبي”، الذي أصيب بخيبة أمل من الحزب الذي كان ينتمي إليه بسبب انجرافه إلى الوسط سياسياً وتورطه في سلسلة من فضائح الفساد ويحمل أباسكال ترخيصاً لمسدس سميث أند ويسون من أجل حماية نفسه أثناء إقامته في إقليم الباسك الذي كان يعاني في ذلك الوقت تهديد منظمة إيتا الإرهابية. ويروق لأباسكال هذه الأيام أن يصور نفسه على أنه سياسي جاد.يبدو للوهلة الأولى، أن إغناسيو غاريغا فاز دي كونسيكاو، وهو الأمين العام لـ”فوكس”، نجم صاعد من المستبعد أن يكون في صفوف حزب يميني يصفه معارضوه بالمتطرف الذي يحرص أشد الحرص على تخليص إسبانيا من المهاجرين.
في البداية، هاجرت والدة الأمين العام إلى برشلونة في عام 1958 من غينيا الاستوائية التي كانت في ذلك الوقت المستعمرة الإسبانية الوحيدة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.ليس غاريغا راديكالياً متصلباً حليق الرأس، بل هو كشخص طبيب أسنان لطيف وأب لأربعة أطفال.ينحدر غاريغا من نسخة “فوكس” الجديدة التي باتت أفضل من سابقتها.في عام 2016، حاول سلفه، خافيير أورتيغا سميث، أمين عام “فوكس” سابقاً، أن يغزو بمفرده جبل طارق ويستعيده لإسبانيا من خلال نشر علم ضخم بلون ذهبي وأحمر في المنطقة التي تعتبر من أقاليم ما وراء البحار البريطانية، ثم سبح مبتعداً عن الصخرة.
يعتقد محللون أن “فوكس” يدخل حالياً مرحلة جديدة، إذ إنه يبتعد عن كونه حزباً غايته الاحتجاج، كان قد برز بسبب المعارضة التي قوبلت بها حملة الاستقلال الكتالونية، وهو الحدث الذي أدى إلى إثارة أكبر أزمة في السياسة الإسبانية منذ عقود.يصر غاريغا على أن “فوكس” أخذ في التغير من حزب احتجاج إلى حزب “ناضج”.وقال لـ”اندبندنت” إنه “لدينا القدرة على المساعدة في تقرير شكل وطبيعة ما يصل إلى ست حكومات إقليمية. المشكلة هي أن لكل شخص موقفاً مختلفاً. إن قائد كل منطقة يتخذ موقفاً مختلفاً، وكذلك يفعل فيخو”.وأضاف “بالطبع، نحن على استعداد لإبرام صفقة حتى نتمكن من تغيير الحال السياسي ووضع حد لحقبة سانشيز”.
يصر غاريغا على أن “فوكس” جاهز من أجل المشاركة في الحكومة، وأن تخفيض الضرائب سيكون أول إجراء يتخذه إذا فاز في الانتخابات في يوليو (تموز).واعتبر أن “سانشيز قد قاد حملة قوامها الخوف”. وتابع “كلما زاد من شيطنتنا، انجذب إلينا مزيد من الإسبان. إنه فقط يخفي الحقيقة”.وقال غاريغا إن “فوكس” يرغب في “الدفاع عن حدود أوروبا” وعن “سيادة إسبانيا… نريد حماية أنفسنا من الهجرة غير الشرعية وحماية سيادتنا”.ورأى أن “كثيراً من وسائل الإعلام تتلاعب برسالتنا. نحن ضد الهجرة غير الشرعية. نحن مع استقدام العمالة من الخارج. وإذا حدث ذلك بشكل قانوني، فمن الواضح أننا نؤيده”.
قال حزب “فوكس” إنه سيصلح الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لم يجعل هذا حجر الزاوية في سياساته لأن إسبانيا كانت دائماً دولة مؤيدة لأوروبا.ونظراً إلى وجود جنرالات متقاعدين ومصارعي ثيران بين أعضائه، فإن الحزب يدعم هدف تعزيز قوة الشرطة وتخليص نظام التعليم مما سماه غاريغا “الناشطين الذين يلقنون أطفالنا”.وسيلغي الحزب ما يسمى ـ “قانون التحول الجنسي”، الذي طبقته الحكومة الحالية في فبراير (شباط)، والذي سمح للشخص بتحديد جنسه ذاتياً من سن 16 سنة من دون الحاجة إلى تقييم نفسي أو طبي.كما سيكبح “فوكس” النزعة الانفصالية في كل من كتالونيا وإقليم الباسك ويدعم قيام دولة مركزية.
اعتمد رئيس الوزراء سانشيز، نهجاً معتدلاً مع الأحزاب المؤيدة للاستقلال في كتالونيا مما أدى إلى تراجع التأييد للنزعة الانفصالية.وقد تنطوي الأحداث الأخيرة التي شهدتها منطقة قشتالة وليون على ما يوحي بالشكل الذي ستكون عليه إسبانيا فيما لو تحقق سيناريو سانشيز الكابوسي وحكم البلاد ائتلاف من حزبي “الشعب” و”فوكس”.وكان الحزبان اليمينيان قد أقاما تحالفهما الأول [في منطقة قشتالة وليون] في إسبانيا في فبراير من العام الماضي بعد الانتخابات في المنطقة الشمالية.وقد اقتحم مئات المزارعين الغاضبين الأسبوع الماضي المباني الحكومية وراحوا يحطمون النوافذ بالعصي وذلك بعد خلاف حول خطة لتخفيف صرامة قواعد الاتحاد الأوروبي في شأن مرض السل لدى الأبقار.
واتهمت الشرطة المحتجين في سالامانكا، وهي مدينة أنيقة جامعية في شمال إسبانيا اعتاد أهلها على إقامة الحفلات وتناول الطعام في الخارج. وقد أصيب 11 من عناصر الشرطة كما اعتقل مزارع [جراء الاحتجاجات].انتشرت أنباء هذه الفوضى على مستوى وطني لأن “فوكس” اقترح أولاً تقليل شدة القواعد حول مرض يزعم المزارعون أنه يهدد سبل عيشهم.وسرعان ما تم إسقاط الخطة بعد ضغوط من قبل الحكومة الإسبانية وبروكسل اللتين تطبقان قواعد صارمة للسيطرة على المرض، بيد أن المزارعين قاموا بأعمال شغب احتجاجاً على ذلك.وفي يناير (كانون الثاني) من هذا العام، تورطت إسبانيا في خلاف حول حقوق الإجهاض بعد أن اقترحت حكومة منطقة قشتالة وليون قيوداً [عليها].
في إطار الإجراءات الجديدة، ارتأى “فوكس” أن تمنح النساء اللاتي يسعين إلى الإجهاض فرصة الاستماع إلى نبضات قلب الجنين، وإجراء فحص بالموجات فوق الصوتية رباعي الأبعاد، وهذا تم تصميمه من أجل إظهار حركة الجنين، ومن ثم تلقي المشورة النفسية. وكل ذلك يهدف إلى الحد من عمليات الإجهاض.وبعد أن هددت الحكومة الإسبانية برفع قضية أمام المحاكم لانتهاك حق المرأة في الإجهاض الذي ينص عليه القانون، تم إسقاط المقترحات الجديدة.وقال مسؤول حكومي في مدينة فالادوليد (بلد الوليد) [عاصمة قشتالة وليون] طلب عدم الكشف عن اسمه، إن “ما فعله فوكس منذ انضمامه إلى الحكومة هو خلق المشكلات. هذه مشكلات رئيسة للحزب الشعبي”.
وأضاف “يمكن أن يعطي هذا فكرة واضحة عن الكيفية التي قد تكون عليها حكومة ائتلافية تضم ’الحزب الشعبي ‘ و ’فوكس ‘ في المستقبل. كان هناك الكثير من التوتر”.ورأى لويس أوريولز، المحلل السياسي من جامعة كارلوس الثالث في مدريد، أنه على رغم اتخاذه أداة للتخويف كالبعبع، فقد رضي بعض اليمينيين في إسبانيا بإمكانية أن يلعب “فوكس” دوراً في الحكومة.وقال في مقابلة مع “اندبندنت” إن “من المحتمل أيضاً أنه إذا لعب ’فوكس ‘ دوراً في الحكومة، فسوف يؤدي ذلك إلى عودة النزعة الانفصالية في كتالونيا”.واعتبر كاس مود، وهو خبير بالتطرف ومؤلف كتاب “أيديولوجية اليمين المتطرف”، أن “فوكس” لن يمثل تهديداً للديمقراطيات الليبرالية في أوروبا.
وأشار لـ”اندبندنت”: “أولاً وقبل كل شيء، سيكون ’فوكس ‘ شريكاً صغيراً وسيكون مديناً لـ ’الحزب الشعبي ‘ إلى حد كبير، لا سيما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية”. وأضاف “ثانياً، ينتمي ’فوكس ‘ إلى مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، مع حزب القانون والعدالة البولندي وحزب أخوة إيطاليا، من بين أحزاب أخرى، وهي أحزاب موجودة في السلطة وتحظى بقبول إلى حد كبير من جانب الاتحاد الأوروبي، ولا سيما لأنها تناهض بوتين”.
رابط مختصر .. https://eocr.eu/?p=10447