تنتهج الجماعات المتطرفة فى أوروبا عدة طرق لاستقطاب وتجنيد الشباب واستخدام عوامل الفقر والتهميش والأنعزال والبطالة لإقناع الشباب بالأفكار المتطرفة . واستطاعت تجنيد عدد غير قليل من الشباب للسفر إلى مناطق الصراعات . وأجرى معهد أبحاث السوق (أي. بي. اس. أو.أس) دراسة تحت عنوان ” ما يقلق العالم” كشف فيها أن مصدر قلق آخر للألمان يتمثل في تنامي ظاهرة التطرف في المجتمع .و كشفت الدراسة أن (21%) من المجتمع الألمانى ينتابه الخوف من تنامي التطرف في بلده وأن ذلك يشكل موضوعا مثيرا للقلق في ألمانيا. فقط بريطانيا تتقدم على ألمانيا (22%) فيما يخص زيادة نسبة القلق من التطرف. ورغم ذلك تبقى ألمانيا وبريطانيا في مقدمة الدول التي يزداد فيها القلق حيال هذه الظاهرة. وفقا لـ”DW” فى 2 فبراير 2019.
تراخى الإجهزة الأمنية فى معالجة التطرف
كشفت مجلة “لوبوان” الفرنسية فى 10 أكتوبر 2019 أن منفذ الهجوم على محافظة الشرطة في باريس كان يتردد على أحد المساجد في مدينة لغونيس بمنطقة فال-دواز بضواحي باريس، يؤم الصلاة فيه إمام مغربي مسجل على قائمة “إس” المخصصة للأشخاص الذين يشكلون خطرا على أمن البلاد.و أشارت إلى أنه مغربي يبلغ من العمر 35 عاما. وسبق له أن مارس الإمامة في ثلاثة مساجد أخرى في منطقة فال-دواز، اثنان منهما يصنفان ضمن المساجد التابعة للسلفيين. وفي 2015، عندما كان يشرف على مسجد في سارسيل بضاحية باريس، أصدرت بحقه السلطات الفرنسية قرارا بضرورة مغادرة التراب الفرنسي، وفقا لطلب الاستخبارات.إلا أن هذا القرار لم ينفذ . كما حصل من ولاية منطقة فال-دواز على بطاقة إقامة صالحة حتى 2020، لأنه “أب طفل ومتزوج”.
وتحدثت “بوريانا آبرغ” النائب في البرلمان السويدي ورئيسة بعثة السويد في مجلس أوروبا، عن التطرف المتغلغل في ضواحي المدن السويدية التي تعيش حالة انعزال عن المجتمع بعيدا عن أي اندماج وتحولت إلى بؤر للمتطرفين الإسلاميين وتؤثر بشكل كبير على باقي المسلمين، وتساءلت عمّن يموّل هذه المجموعات، وهنا أشارت إلى أن أموال التبرعات تأتي خصوصا من تركيا حيث هناك ارتباط كبير بين بعض السياسيين السويديين وتركيا وكذلك أموال الجريمة المنظمة وفقا لـ”العرب اللندنية ” فى 18 مارس 2019 .
استغلال المساجد والجاليات المسلمة
يهدف تمويل المساجد في أوروبا إلى محاولة استغلال الجاليات الإسلامية فعلى سبيل المثال يعمل على مشاريع قطر الـ 22 في فرنسا مؤسسة (مسلمو فرنسا) أو ما يسمى “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا” سابقًا، وهي منظمة تتبنى أيديولوجيا الإخوان المسلمين. وأكبر مشاريع مؤسسة قطر الخيرية يقع في مدينة (مولوز) شرق فرنسا، وهو الأبرز في أوروبا، حيث يتمثل المشروع بمركز النور الإسلامي الذي يشتمل على: جامع بطابقين، وفصول دراسية، ومكتبة، ومطعم، وحوض سباحة غير مختلط، بالإضافة إلى مركز طبي لاستقطاب أكبر عدد من الجاليات المسلمة . وفقا لـ”العربية” فى 26 سبتمبر 2019 .
تطور وسائل الاتصال على الإنترنيت
يعد تطوّر وسائل الاتصال والتنقل عبر البلد، بالإضافة إلى نقص الموارد البشرية في الأجهزة الأمنية، وقلة الاستقرار السياسي الداخلي سببا مهما فى نشر التطرف . وترى الباحثة في شؤون الإرهاب “يوليا إيبنر” التطرف على الإنترنت يتعلق مصطلح “الماكنات” بماكنات البحث على الإنترنت. فالأمر يتعلق في جوهره بالكيفية التي يحاول بها المتطرفون استغلال التقنيات الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي لتجنيد أعضاء جدد والدفع بهم إلى التطرف. فالفضاء الافتراضي يساهم بشكل كبير في تسريع ديناميكية التطرف. وللأسف تنجح الجماعات المتطرفة أيضا في استخدام ماكنات البحث على الإنترنت لخلق فقاعات صدى أو غرف صدى تجري فيها عمليات التطرف بشكل تلقائي. وفقا لـ”DW ” فى 11 سبتمبر 2019 .
العزلة والانفصال التهميش المجتمعى
يقول المؤرخ كريستيان أوست هولد أن “الناس كائنات مجتمعية تسعى للحصول على اعتراف المحيطين بها”. ويتابع المؤرخ قائلا: “عندما يشعر بعض الناس بأنهم ليسوا جزءا من المجتمع يبتعدون عنه ويصبحون هدفا لتأثير الدعاة السلفيين الذين يقولون لهم: “لستم أنتم المسلمون المشكلة، المشكلة هي في المجتمع الكافر من حولكم”. وفقا لـ”قنطرة” فى 19 سبتمبر 2019 .ويرى “أوليفر روي” في كتابه “الجهاد والموت”، أن الجهاديين المعاصرين الذين شنوا هجمات إرهابية في أوروبا تحديدا، لم يدفعهم الفكر المتطرف في حد ذاته للانضمام إلى الجماعات الإسلامية المتطرفة بقدر ما دفعهم إلى الانضمام إليها إنكار القوانين والقيم في المجتمع، الذي تطور لديهم بعد سنوات من العزلة الاجتماعية والانفصال عن الواقع والتمرد. وفقا لـ”BBC” فى 4 مايو 2019 .
كتب جون هورغان وماري بيث ألتير في دورية “العلوم السلوكية للإرهاب والعداء السياسي” عن مسار أو منحنى التطرف، وقالا إنه يتكون من ثلاث مراحل، أولا الانضمام إلى الجماعة المتطرفة ثم الانخراط في أنشطتها ثم الانشقاق عنها. ويستحيل أن نفهم أسباب الانشقاق من دون أن ندرس العوامل التي أدت إلى الانضمام في المقام الأول.ذكرت صحيفة “ليكو” البلجيكية، أن “التشدد الديني في أوروبا يعبّر عن آيديولوجية تستغل الثغرات في الديمقراطية الغربية، كما أنها آيديولوجية لها حلفاء بالأهداف نفسها من اليمين المتطرف والراديكالية القتالية التي لا ترى في التطرف الديني سوى أنه نتيجة للتهميش الاجتماعي”. وفقا لـ”الشرق الأوسط” فى 2 يوليو 2018
تنامى ظاهرة البطالة
ويوضح ” هيربرت رويل ” وزير اداخلية ولاية شمال الراين ويستفاليا إن “الهزيمة العسكرية التي لحقت بتنظيم “داعش” لا تعني أن خطر (3100) متطرف سلفي في أكبر ولايات ألمانيا من حيث السكان قد تلاشى”. وتابع الوزير: “لا يزالون يمارسون نشاطهم ويستغلون كل القنوات ليوقعوا بالشباب في شباكهم. ولهذا السبب من المهم استخدام ذات المنصة لمكافحة تطرف الشباب”. وفقا لـ”قنطرة” فى 19 سبتمبر 2019.وعبرت الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت بلداناً أوروبية، كاليونان وفرنسا وبلجيكا، عن حالة استياء تملكت المواطنين جرّاء تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة، وكما أن تلك الاحتجاجات كانت تعبيراً عن حالة الاستياء، فإن انزياح الشارع باتجاه الشعبوية واليمين المتطرف شكّل تجسيداً لحالة الإحباط والتخبط التي أحدثتها الضائقة المالية. وفقا لـ”يورونيوز” فى 19 يونيو 2019.
التفسير الخاطئ للدين و الفقر
أعدَّ “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” دراسة لقراءة الأسباب الاجتماعية والسيكولوجية والتعليمية التي تدفع الشخص للانضمام إلى تنظيم متطرف. وتوصل الباحثون من خلال مقابلات مباشرة مع “متطرفين” سبق لهم الانخراط في تنظيمات إرهابية، إلى عدة نتائج؛ من أهمها أن الفقر والحياة على هامش المجتمع ، وعدم فهم النصوص الدينية فهمًا صحيحًا، وتدنِّي المستوى التعليمي، وسوء الأحوال الاقتصادية، وفقدان أحد الوالدين أو كليهما، كلها من أهم العوامل التي تلعب عليها التنظيمات الإرهابية لاستقطاب مجندين جُدُد. وفقا لـ”مرصد الأزهر” 25 يونيو 2019 .
التمييز والعنصرية
ويخلص الخبير الاستراتيجي الأميركي “أنتوني كودرسمان” إلى أن انتشار التطرف الإسلاموي من أسبابه الرئيسية تفاوت الطائفية والعنصرية والعنف والقمع وفشل الأنظمة، علاوة على اختلال الديمقراطية والهياكل السياسية المدنية، وفشل سيادة القانون ونظام العدالة والقانون الأساسي والنظام الاجتماعي، والفقر وتضخم الأزمات، كما يرتبط التطرف بالتمييز والغربة وفقا للعرب اللندنية فى 23 فبراير 2019 .
الخلاصة
تستغل الجماعات اليمينية والإسلاموية المتطرفة الثغرات في الديمقراطية الغربية لتوسيع نفوذها واستقطاب عدد كبيرمن الجاليات المسلمة لنشرأفكارهم .وتحاول الحكومات الأوروبية التصدي لظاهرة التطرف والإرهاب بمكافحة الإرهابيين وعزل المتطرفين ووضعهم تحت الرقابة. ولكن كل ذلك يبقى غير مجد لأنه مجرد تعامل مع أعراض المرض فقط ، فقد يدفع الجماعات المتطرفة إلى وجود رغبة لديهم في الإضرار بالمجتمع.
وكان الأحرى بتلك الحكومات الأوروبية أن تبدأ بمواجهة مصدر التطرف والذي هو مجمل الحركات الإسلاموية واليمينية المتطرفة في أوروبا وعلى رأسها جماعة الإخوان وحركة الهوية . وفى ظل تراخى بعض الحكومات الأوروبية فى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات المتطرفة ، فبات من المحتمل أن يؤدى ذلك إلى ارتفاع منسوب نشاطات التيارات المتطرفة التي تسعى لعزل الشباب ومنعهم من الاندماج في المجتمع . وتغذية روح الكراهية والعنف عبر الخطاب المتشدد . ماينذر بتصاعد المواجهات بين الجماعات الإسلاموية وبين أنصار اليمين المتطرف .
التوصيات
لذلك ينبغى تشجيع المتطرفين على التفكير في الأسباب التي دعتهم للانضمام إلى االجماعات المتطرفة وكيف أثر انضمامهم إليها على طريقة تفكيرهم، وعلى نظرتهم للأخر. مساعدة المتطرفين في خوض تجارب اجتماعية جديدة، ومساعدتهم في البحث عن الأمور المشتركة بينهم وبين الأخرين . ضرورة التركيز على تحليل الدوافع التي تقود الفرد للانضمام للجماعات المتطرفة . لمنع تلك الجماعات من الاستقطاب والتجنيد للمزيد من الأفراد . التصدي للتطرف عبر الإنترنت في محاولة للتوصل لآلية لمنع انتشار التطرف والإرهاب باستخدام الإنترنت.
رابط مختصر:https://eocr.eu/?p=1132