نمو السلفية و التغلغل في أوساط اللاجئين
العربى الجديد – عكس التقرير السنوي للاستخبارات الاتحادية الألماني “بي أف في” حجم المخاوف الأمنية من نمو القاعدة السلفية وتوسعها جغرافياً، خصوصاً في ظل محاولات التغلغل في أوساط اللاجئين والمهاجرين. التقرير الذي ألقى الضوء على العلاقة بين ما سماه “انتشار معاداة السامية واليهود ونمو الحركة السلفية في ألمانيا”، مشيراً إلى أن “أعداد السلفيين تضاعف خلال 5 سنوات. فمنذ عام 2013 ارتفع العدد من 5500 شخص، اعتبروا أنفسهم جزءاً من الحركة السلفية إلى نحو 11 ألفاً”.
ورصدت وزارة الداخلية الألمانية أن “برلين وهامبورغ ومقاطعات في الشمال والشرق الألماني تشهد سرعة في الانتشار”. وكانت صحيفة “دويتشه فيله”، نقلت عن مصادر استخباراتية قراءتها لهذا التطور باعتباره “منذراً لأنه في بيئة مسلمة تصل إلى نحو 5 ملايين في عموم ألمانيا، احتمالية ان يقوموا بالتجنيد بينهم كبيرة، رغم أنهم لا يشكلون من عموم مسلمي البلد سوى 0.22 في المائة”.
الثابت أيضاً، بحسب المصادر الأمنية للصحافة الألمانية، أن “مدناً أسرع من أخرى في توسع القاعدة السلفية، فبرلين وهامبورغ تشهدان نمواً سريعاً في المنضوين”، وفقا لما ذكرت “تاغ شبيغل” مشيرة إلى أنه “في العاصمة الألمانية برلين اليوم ما يقارب الألف من السلفيين، والأمر ليس فقط زيادة في الأعداد، بل توسع جغرافي على نطاق المدينة. وبات مسجد الصحابة فيها يتجه لتوسيع نفسه بمسجد جديد، ويقوم بجمع تبرعات لأجل هذا الأمر”.
وكانت صحيفة “برلين زايتونغ” أكدت أن “عقبات تواجه سلفيي برلين في توسيع انتشار مساجدهم، فسلطة حماية الدستور (الاستخبارات)، تعتبرهم جماعة عنيفة وخطيرة وتهدد الأسس الديمقراطية. وقد تراجع بعض ملاك العقارات عن التأجير والبيع لهم”. ولفتت أغلب المواقع والصحف إلى أن “تكلفة التوسعة ستصل إلى نحو 800 ألف يورو”.
وينشط أعضاء السلفية في برلين، الذين يصنّف جهاز الاستخبارات الألمانية نحو 460 منهم في خانة “العنيفين”، في مجالات دينية واجتماعية مختلفة، ويحظى بعضهم بعلاقات متشعبة مع جمهور من المهاجرين واللاجئين، ويقومون بحملات تبرّع بالطرق على المساكن والمحلات التجارية وفي صلوات الجمعة، ويرتدون لباساً يميزهم عن غيرهم. وأثارت الجماعة مخاوف عدد من السياسيين المحليين، كعضو البرلمان، أندرياس غيسل، من الحزب الاجتماعي الديمقراطي، يسار الوسط، محذراً من أن “60 من 130 منهم عادوا إلى المدينة بعد أن غادروا إلى مناطق النزاع”. ويبدو أن ما خصصته ألمانيا سنوياً منذ عام 2015 لمحاربة التشدد باسم “مشروع وقف التطرف”، بواقع 2 مليون يورو سنوياً في برلين “لم ينتج شيئا كثيرا”، وفقاً لغيسل.
غيسل يبدو اليوم أكثر اهتماماً بعملية “منع انتشار التشدد بين المراهقين والطلاب”، ويرى مشكلة كبيرة في “تسرب كثيرين من التعليم، وعودة الجهاديين من مناطق الحروب، ومن الواجب أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نحارب التمييز وسياسة التهميش والعزل التي تؤدي إلى التشدد”؟ ويرى في تعقيبه على التقرير الأمني، بحسب صحيفة “برلينر مورغن بوست” أن “مسألة التشدد بين الشبان المسلمين الألمان لا يجب التعامل معها بشكل متأخر، بل من البداية في العمل الاجتماعي والمدارس التي يجب إشراكها في برلين، من خلال ضخ المزيد من الأموال لعمل شامل في المدارس والسجون وعلى الإنترنت”.
ما يقلق الألمان في تعاطيهم مع السلفيين هو أنهم يقيمونها، أمنياً وسياسياً وإعلامياً، كـ”حركة راديكالية تهدف إلى تغيير المجتمع وفق ما يؤمن الأعضاء فيها، وهم لديهم فهم للدين كالطريق الذهبي ويكفرون غيرهم من المسلمين”، بحسب عرض الصحافة الألمانية، ومن بينها “تاغ شبيغل”.ويؤكد رئيس مكتب برلين لحماية الدستور (الاستخبارات الألمانية) ، بيند باليندا، على أن “السياسيين مضطرون لاتخاذ إجراءات حاسمة لمحاربة التشدد، فنحن نرى السلفيين ينشطون أكثر”. وعلى الرغم من ذلك يرى هذا الأمني مشكلة في “القدرة على وقف الانتشار السريع للسلفية في العاصمة الألمانية”.
تقرير الاستخبارات الألمانية، الذي عرضه رئيس الجهاز، هانس جورج ماسن مع وزير الداخلية هورست سيهوفر، توسع في شرح تقييم كثافة وجود “الحركات الإسلامية المتشددة على الأراضي الألمانية باتت تضم في صفوفها نحو 25800 شخص، ومن بينهم 2000 مستعدون لتنفيذ هجمات”.
ويرى الساسة الألمان المنشغلون بقضايا دمج المهاجرين واللاجئين أن “وجود هذه البيئات المتشددة بين مجتمعات الهجرة المسلمة يعتبر عائقاً كبيراً أمام إمكانية اندماج القادمين كلاجئين والمقيمين في المدن الألمانية”. وهو أمر يجمع عليه سياسيو الاجتماعي الديمقراطي والاتحاد الاجتماعي المسيحي (بافاريا) والحزب الليبرالي. بالإضافة إلى المخاوف الأمنية التي تقيّمها الاستخبارات الألمانية، باعتبارهم “من جهة مؤيدي فكر القاعدة وتنظيم داعش”، مضيفة أنه “على الرغم من أن السلفيين هم الأكثر انتشاراً بالاعتماد على مقولة (العيش على نهج السلف الصالح)، ونشر خطاب ديني يهدف إلى فرض قانون شريعة ينهي العيش وفق مبادئ الحرية والديمقراطية، لمصلحة نظام أوتوقراطي بانتهاج تبشير ودعوة بعمليات دعائية، فإن مجموعات إسلامية أخرى تعمل بما لا يتوافق مع أنظمة المجتمع الألماني”.
وفي هذا السياق يرصد التقرير الأمني الألماني أنه “رغم وجود موقف سياسي من السلفيين يعارض الإرهاب، مؤكدين على سلمية الدين وأنهم لا يدعون للعنف، فيجب ملاحظة أن السلفية في توجهاتها السياسية لا تستثني العنف لتحقيق أهدافها”.وما تخشاه الاستخبارات الألمانية في تحذيرها من الحركة السلفية “نشاطها بين اللاجئين والمهاجرين الجدد من خلال حملات “تبشيرية” (دعوة) تقوم بها في صفوفهم، وبشكل ممنهج ومنظم أيضا لضم غير مسلمين إلى الإسلام وفق عقيدة محددة، وهو منطلق أولي لخلق التشدد والانتشار السريع الذي نجده اليوم في ألمانيا”.
وذكر التقرير أيضاً أن “الراديكالية الإسلامية المهاجرة، تحت ذريعة القيام بأعمال إغاثية، حاولت خلال عام الوصول إلى اللاجئين والمهاجرين الجدد. وقام أعضاء السلفية في ألمانيا بزيارات متعددة إلى معسكرات اللجوء عارضين مساعدتهم، لم يكن الهدف فقط هؤلاء البالغين من اللاجئين والمهاجرين، بل حتى هؤلاء الذين بلا مرافقين من المراهقين، والذين بسبب ظروفهم الخاصة وأعمارهم أكثر المجموعات عرضة للتبشير السلفي”.
وفي مشاكل الأمن الألماني مع ما يسمى “الجهاديين”، أو “المجموعات المحاربة”، التي تعدد انخراطها في عدد من مناطق الحروب في مناطق عربية وإسلامية، أن “البيئة السلفية هي أهم البيئات الإسلامية في ألمانيا التي تعمل على تجنيد أشخاص للجهاد، فكل من شارك في الأعمال الجهادية تقريباً كانوا على علاقة بتلك البيئة”.
ويلحظ تقرير الاستخبارات الألمانية أن “التطور في الأعداد والانتشار يتم رصده في صفوف الشيشان الروس الذين هاجروا إلى ألمانيا، وبعض من جمهوريات أخرى في شمال القوقاز، وهؤلاء يتركزون في مناطق شرق ألمانيا وشمالها. وتلك المجموعات ترتبط بشكل وثيق بشبكات عابرة للبلدان الأوروبية جميعها”. ويمضي التقرير الأمني إلى اعتبار “ما يميز هذه الفئة عن غيرها من المسلمين الآخرين أنها تخلط بين الدين وعناصر أخرى مرتبطة بالبنى الاجتماعية التي يصبغها طابع روابط عشائري تقليدي، وقامت بنسج علاقات وثيقة مع اسلاميي منطقة الشرق الأوسط في ألمانيا بسبب ما يرونه مشاركة ناجحة لجهاديي شمال القوقاز في سورية والعراق”.
وما يهتم به الأمنيون الألمان في تقريرهم، إلى جانب الاهتمام بقضايا ترتبط بالطبيعة الديمقراطية لمجتمعهم، هو ما يسمونه “تزايد نطاق معاداة السامية وانتشار الصورة العدائية ضد اليهود في ألمانيا من خلال بروباغندا إسلامية، إذ رُصد منذ عام 2017 زيادة في الفعاليات التي تجري في الفضاء العام وتحمل عداء لاسرائيل واليهود، ولا يستثنى من ذلك أيضاً ساحة وسائل التواصل الاجتماعي والهجوم الجسدي على يهود ألمانيا”. وفي ذات السياق يحذر التقرير من أن “تلك التحركات والتطورات تشكّل تحدياً حقيقياً للسلام والتسامح والتعايش في المجتمع الألماني”. وفي السياق أيضاً يذكر التقرير جماعة “ميلي غوروش” (الرؤية القومية) التركية في ألمانيا وانضمام نحو 10 آلاف مواطن إليها “وهذا يعني تحدياً آخر لعملية الاندماج، ليس فقط في ألمانيا، بل في كل أوروبا، لمعارضة الجماعات الإسلامية الاندماج في المجتمعات الأوروبية”.
وكان وزير الداخلية الاتحادي، هورست سيهوفر قد عقب على هذا التقرير، بعد أزمة عميقة شهدتها الحكومة الائتلافية الألمانية بسبب سياسة الهجرة، والتي ما تزال تخيم على أجواء العلاقات الداخلية في البلاد، بأنه “يجب التسريع بترحيل الاسلاميين، فليس لدينا شيء تحت السيطرة في أي مكان”. ويعيد كثيرون خلافات ألمانيا حول سياسة الهجرة، والمطالبة بالترحيل أسرع، واعتبار دول بعينها “آمنة”، إلى “مخاوف حزبية وسياسية وأمنية حول وضع المجتمع الألماني مستقبلاً”.
ومن جانبه يعلق الطبيب النفسي المتطوع في ميادرة “حياة”، الألماني من أصول فلسطينية أحمد منصور على القضية المرتبطة بالتوجه المتشدد للشباب في ألمانيا أن “مسألة التوجه نحو التشدد تبدأ مبكراً، حين يجري تهميش الشبان المسلمين في الحياة اليومية، وتجب إثارة الانتباه إلى ذلك في وسائل الإعلام وعلى الشبكة العنكبوتية التي يجتمع فيها هؤلاء”. منصور يرى أيضاً ضرراً “في غياب متخصصين حقيقيين حول الإسلام على شاشات التلفزة الألمانية”.
بدورهم، يرى الليبراليون، والحزب الديمقراطي الحر، في اتساع السلفية في ألمانيا “ضرورة لتعزيز سلطات مكتب حماية الدستور (الاستخبارات) لمحاربة بنى الجريمة، وما يوفر من أموال لمشاريع محاربة التطرف ليست سوى نقطة في بحر كبير”، حسبما يذكر مقرر شؤون السياسية العدلية فيه، هولغر كريستل.
يعيد متخصصون ألمان بداية تأسيس الحركات الإسلامية، بصيغتها الموصوفة بالتشدد والرافضة للنظام والحياة الألمانية، إلى فترة التقسيم بين شرق ألمانيا وغربها. ومنذ الثمانينيات، بحسب دراسة نشرت نتائجها ، فإن بداية انتشار الفكر السلفي كان مع بناء مسجد النور في منطقة نيوكولن، في الجزء الجنوبي من برلين.
وربطت سلطات الادعاء الألمانية بين توسع الحركات الإسلامية وبين زيادة “أعداد المحاكمات والاتهامات على خلفية الإرهاب في ألمانيا، إذ شهد عام 2017 ما يقارب 900 قضية اتهام رفعتها النيابة وفق قوانين الارهاب، فيما لم يتخط الرقم في 2016 الـ330 حالة”، بحسب ما خلصت إليه “دي فيلت” في أكتوبر/تشرين الأول 2017، استناداً إلى أرقام مكتب المدعي العام الاتحادي.
رابط مختصر … https://eocr.eu/?p=1255