“الذئاب الرمادية” ظهير أردوغان لنشر التطرف في أوروبا
العرب اللندنية – برلين – بدأت وكالة الاستخبارات الفيدرالية الألمانية تحقيقا في أربعة جنود يشتبه في انتمائهم إلى “الذئاب الرمادية” المرتبطة عضويا بالحركة القومية في تركيا، الحليف السياسي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم.وتبين أن أحد الجنود “ضعيف في ولائه للدستور الألماني”، بينما شارك الثلاثة الآخرون في جهود “راديكالية”، حيث رمزت إليهم هيئة أجهزة الاستخبارات باللون “البرتقالي”، أما اللون “الأحمر” فيؤكد الانتماء إلى المتطرفين.
وقالت المتحدثة باسم حزب اليسار في الشؤون الداخلية بالبرلمان الألماني (بوندستاغ) أولا جيلبيك إنّ “هناك منذ فترة طويلة مجموعة قطاع طرق يمينية متطرفة تسيطر عليها المخابرات التركية”.وأضافت جيلبيك أنها “تعتبر الجماعات الفاشية التركية تهديدا كبيرا لألمانيا، وهو ما لم يتضح فقط من هجماتها الوحشية، ولكن من خلال تدريبها على الأسلحة النارية وممارساتها الرياضية التنافسية”.
وتقدر السلطات أعداد المنتمين إلى منظمة “الذئاب الرمادية” المتواجدين على الأراضي الألمانية بـ18 ألف عضو، وهو ما يمثل 3 أضعاف حزب “أن.بي.دي”، أخطر حزب نازي في ألمانيا، فيما ترجح تقارير إعلامية وجود أكثر من 8 آلاف عضو في المنظمة يعملون لصالح الاستخبارات التركية بمن فيهم الجواسيس الموجودون داخل سفاراتها في أوروبا.
ولا يقتصر التجسس الذي تمارسه الحكومة التركية على المعارضين والمنتقدين لها الفارّين إلى ألمانيا، إذ أنّه يشمل كذلك شخصيات سياسية ألمانية وبرلمانيين من أصل تركي وكردي.وتؤكد السلطات الألمانية أن هناك تقاربا أيديولوجيا بين النازيين الجدد وتنظيم الذئاب الرمادية في الوقت الحالي، يصل إلى مرحلة التنسيق.
وفي أبريل 2016 ظهر أعضاء الذئاب الرمادية في مظاهرة جنبا إلى جنب مع نشطاء من الحزب النازي الجديد، ضد حزب العمال الكردستاني اليساري، في مدينة نورمبرغ جنوبي ألمانيا.ويمثل هذا التنظيم سيء السمعة الأخطر تطرفا بين التنظيمات التي ترعاها السلطات التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان في ألمانيا، حيث نفذ عدة اغتيالات سياسية بحق معارضين أكراد إضافة إلى محاولات اختراق الدوائر السياسية والأمنية الألمانية، وهي المهمة الأشد حساسية وتعقيدا على الإطلاق.
نشأة الذئاب الرمادية وتطورها
نشأ تنظيم الذئاب الرمادية في منتصف ستينات القرن الماضي في كنف حزب الحركة القومية، شريك أردوغان الحالي في الحكم، مستندا إلى أفكار القوميين المتطرفين الأوئل، لينقل أنشطته بعد ذلك من تركيا إلى الخارج.
وتبنى التنظيم منذ تأسيسه توجهات ضد الأكراد والأرمن واليونان والعلويين والمسيحيين، ونفذ عمليات إرهابية دموية، تمثلت في اغتيالات مفكرين وقادة سياسيين ورجال دين مسيحيين وزعامات من قوميات مختلفة.ومن أشهر العمليات التي تورط فيها محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني في 1981 على يد التركي محمد علي أقجا، أحد عناصر التنظيم، والمشاركة في العمليات القتالية بجمهورية الشيشان، بالإضافة إلى تنظيم كيفية نقل الأسلحة داخل المنطقة.
وجاءت تسمية التنظيم المتطرف من أسطورة “الذئب الرمادي”، والتي تغذي فكرة تاريخ أسطوري للأتراك، وتقول إنه عندما عاشت قبائلهم في وسط آسيا وتعرضت لهجوم من قبيلة معادية أبادت جميع الأتراك، باستثناء طفل واحد، عاش في الغابة يرضع من ذئبة عطفت عليه حتى كبر، واستطاع أن يعيد لقومه مجدهم!
ومن هنا جاءت التسمية، وجاء شعار الذئب الرمادي الذي تحول إلى شعار القوميين المميز، في إشارة منهم إلى اعتقاد بأنه يعني نقاء الجنس التركي والهوية المميزة، ويغذي نزعة التفوق العرقي، على غرار النازية.
ويروج هؤلاء المتطرفون إلى أفكار عنصرية مثل التفوق العنصري والتاريخي والأخلاقي لجميع الشعوب التركية التي تمتد من أفغانستان والصين إلى الطرف الجنوبي الشرقي من البلقان.ويقول مؤرخون غربيون إن أفكار هؤلاء الأتراك المتطرفين هي التي مهدت للإبادة الجماعية التي ارتكبتها تركيا بحق الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى.
وتستوعب أيديولوجية الذئاب الرمادية الهوية التركية وأبجديات الإسلاميين في توليفة واحدة، كما أن الأكراد يشكلون محور العداء الأساسي للذئاب الرمادية، حيث يهتم التنظيم بعدم السماح بتأسيس أي دولة كردية بشتى الوسائل، وهو الهدف نفسه الذي يعمل لأجله الإسلاميون.وتتقاطع أفكار الذئاب الرمادية المتطرفة في خطوطها العريضة، مع أحلام استعادة أمجاد الخلافة العثمانية التي يقودها أردوغان، ومن هنا سعى الأخير إلى تحالف “ميليشياوي” مع هذه المنظمة بعد التحالف السياسي مع الحزب القومي المنبثقة عنه، فالقوميون بقيادة بهجتلي شركاء أردوغان في الحكم بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016.
وبرزت أوجه التحالف بشكل جلي بين الإسلاميين والتنظيم اليميني المتطرف في عمليات تعقب الأكراد في شمال سوريا، حيث كان أعضاء التنظيم الطليعة التركية في التعاون مع تنظيم داعش والفصائل الإرهابية، حليفة أردوغان، داخل سوريا لاحتلال شرق الفرات والتنكيل بأكراد عفرين.ويؤكد تقرير لصحيفة “انتظار” التركية صدر في فبراير 2016 أن أنقرة استخدمت ميليشيات الذئاب الرمادية بجانب داعش والفصائل الإرهابية المسلحة الموالية لها، في مساعيها للسيطرة على الشمال السوري.
ومع تركيز التنظيم على عدائه للأكراد، بادرت السلطة إلى إشراكه في معارك ضد حزب العمال الكردستاني، وهذا ما جعله يلقى قبولا لدى الحكومات التركية المتعاقبة التي استخدمته في معاركها ضد الأكراد، لتمتد معاركه بعد ذلك إلى قبرص والصين وروسيا وفرنسا والنمسا وألمانيا.
حليف إستراتيجي -منظمة الذئاب الرمادية التركية
تعمق التحالف بين حزب العدالة والتنمية والذئاب الرمادية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 بعد أن كشفت حكومة أردوغان سياسة القمع ضد الأكراد وأتباع الداعية فتح الله غولن الذين تحملهم أنقرة مسؤولية ما جرى.وظهر أنصار التنظيم وأردوغان جنبا إلى جنب في مظاهرات ضد الانقلاب في المدن الألمانية، وخاصة في 31 يوليو 2016 في مدينة كولونيا غربي ألمانيا، حين ظهرت شعارات وأعلام التنظيم في تجمع لمؤيدي الرئيس التركي.
كما تكرر الأمر في مظاهرة مؤيدة لأردوغان في نفس الشهر في مدينة ميونخ، جنوبي ألمانيا، وكذلك في العاصمة برلين، وهامبورغ (وسط) وشتوتغارت (غرب).ووقعت العديد من الهجمات على المؤسسات الكردية والجمعيات الدينية القريبة من غولن في ألمانيا، في الأشهر التالية للمحاولة الانقلابية، وجهت فيها السلطات الألمانية أصابع الاتهام لتحالف أردوغان والذئاب الرمادية. وفي مارس 2017، ألقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خطابا من مقر قنصلية بلاده في هامبورغ، بحضور أنصار حكومته، وظهرت تحية الذئاب الرمادية الشهيرة بكثافة في التجمع.
وقالت سيفيم داجديلين، عضو حزب اليسار في البرلمان الألماني، في تصريحات لقناة “زي.دي.أف” المحلية إنها تخشى عمليات التجسس التي يديرها أردوغان ووكالة الاستخبارات التركية ضدّ أي شخص ينتقد سياساته من الخارج.وكشفت داجديلين، التي تعيش تحت حماية الشرطة الألمانية، أن الحكومة الألمانية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن الانتهاكات وعمليات التجسس التي يُزعم أن تركيا تديرها بسبب سياساتها “المشجعة” تجاه أردوغان الذي يدير دولته بعقلية “رأس عصابة المافيا”.وفي النمسا المجاورة، هاجمت الذئاب الرمادية مظاهرات سلمية للأكراد في فيينا في 30 يونيو الماضي، ما أسفر عن إصابة عنصري شرطة وعدد من المتظاهرين.
وإثر ذلك اتهم المستشار النمساوي سيباستيان كورتز تركيا بـ”بث الفتنة” و”خلق أجواء” في بلده تخدم مصالحها الخاصة.وقال كورتز، في تصريحات نقلها موقع التلفزيون النمساوي، إن “تركيا تبث الفتنة وتخلق أجواء تخدم مصالحها الخاصة في النمسا، وهذا يعد سوء استغلال للأشخاص ذوي الجذور التركية الذين يعيشون في أوروبا”.وتتهم أنقرة فيينا بأنها تجاهلت ظهور رموز حزب العمال الكردستاني الذي تصفه تركيا بـ”الإرهابي”، في المظاهرات التي شهدتها العاصمة، وهو الاتهام الذي ترفضه فيينا.
وبناء على ما سبق لا يقل التطرف الإسلامي الذي ترعاه السلطات التركية في أوروبا عموما وألمانيا خصوصا عبر الاتحاد الإسلامي التركي “ديتيب” خطورة عن نظيره اليميني المتمثل في تنظيم الذئاب الرمادية، فالهدف واحد والأساليب متعددة.والشهر الماضي، بثّت القناة التلفزيونية الألمانية “زي.دي.أف” فيلما وثائقيا، قدّم دليلا جديدا على أعمال التجسس التي دأبت أنقرة على القيام بها في ألمانيا ضدّ معارضي ومنتقدي أردوغان، بل وضدّ الألمان أنفسهم.
وكشف الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان “كيف يتعرّض منتقدو أردوغان للتجسس في ألمانيا؟”، عن أدلة على أن التجسس لا يزال يتم من قبل الاتحاد الإسلامي التركي “ديتيب” في ألمانيا، وذلك بتكليف مباشر من الاستخبارات التركية.
ووفقا للفيلم الوثائقي، فإنّ وكالة المخابرات التركية تعتمد بشكل كبير على المساجد التركية التي تعمل تحت مظلة “ديتيب”، وهي أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا، وتدير أكثر من 900 مسجد في 16 ولاية ألمانية.ولا يقتصر التجسس الذي تمارسه الحكومة التركية على المعارضين والمنتقدين لها الفارّين إلى ألمانيا، إذ أنّه يشمل كذلك شخصيات سياسية ألمانية وبرلمانيين من أصل تركي وكردي.
وبحسب الوثائقي، فإنّه يُطلب من الأئمة في مساجد “ديتيب” جمع معلومات عن الأهداف وأماكن تواجد المعارضين الأتراك والسياسيين الألمان، حيث يتم إرسال تلك المعلومات مباشرة إلى السفارة والقنصليات التركية في المدن الألمانية، والتي بدورها ترسلها بانتظام إلى المخابرات التركية.ولدى وكالة المخابرات التركية العشرات من وكلائها رسميا في ألمانيا، لكنّ العدد الحقيقي للأشخاص الذين يعملون لمراقبة المنشقين وجمع المعلومات عنهم يبلغ تقريبا 8000 شخص، وفقا للقناة الألمانية.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=3735