“كورونا” والخطاب الإعلامي الداعشي
مرصد الأزهر – إن المتأمل في الخطاب الإعلامي لتنظيم “داعش” الإرهابي منذ انتشار “فيروس كورونا” يلاحظ أن التنظيم يسعى بكل ما لديه من إمكانات للعودة إلى الواجهة على الساحة الإعلامية بقوة مجددًا ــ رغم ما تلقّاه جهازه الإعلامي من ضربات ــ مستغلًا في ذلك انشغال العالم بمكافحة فيروس “كورونا”، ومستخدمًا كافة أنواع الخطاب الإعلامي، وبصفة خاصة خطاب “اليوتوبيا” الذي يوظّف التنظيم من خلاله الفيروس من أجل خداع الناس، وإضفاء صورة إنسانية على نفسه، ساعيًا من وراء ذلك إلى استقطاب أفراد جُدد، وكسب قوة ناعمة له خصوصًا في المجتمعات الغربية. مكافحة الخطاب المتطرف
ويحرص التنظيم الإرهابي من خلال هذا الخطاب على إبراز نفسه في دور من يخاف على مقاتليه وأفراده، ويأمرهم بعدم الخروج وتنفيذ عمليات في هذه الفترة، وخصوصًا في الأماكن التي لها النصيب الأكبر من عدد المصابين بالفيروس، مُركِّزًا خطابه الإفتائي الموجَّه إلى الغرب على أن الفيروس عقاب إلهي لهم، في مظلومية يسعى التنظيم من خلالها إلى إثبات أن ما يعانيه الغرب من الفيروس هو نتيجة طبيعية لما قامت به دوله من حرب ضد دولة التنظيم المزعومة.
وبهذا يمكننا تلخيص الخطاب الإعلامي والإفتائي لداعش الموجَّه إلى الغرب في ظل أزمة “كورونا” بأنه خطاب مزيج بين اليوتوبيا والمظلومية. وهذا النوع من الخطاب دائمًا ما يكون مقدمة أو تمهيد لنوع آخر من الخطاب الإعلامي أشد خطورة وهو “الخطاب التحريضي”. هذا الخطاب يسعى التنظيمُ من خلاله إلى تحويل مؤيديه من التأييد السلبي إلى التأييد الإيجابي، أو بمعنى آخر أكثر دقة هو تشويه الواقع في عيونهم، وتحويلهم من رفض هذا الواقع المشوه إلى التمرد عليه، وهذا دائمًا ما يكون خطابًا استقطابيًا هدفه الرئيس كسب المزيد من المؤيدين والمتعاطفين. مكافحة الخطاب المتطرف
ويؤكد هذا أيضًا عودة التنظيم إلى الخطاب الإفتائي الذي يُركز على الهجرة والخروج من دار الحرب والذهاب إلى دار السلام وفقًا لتفسيرات التنظيم المغلوطة، والتي يرد عليها مرصد تباعا من خلال حملاته التوعوية والتقارير الصادرة في هذا الشأن. وفي براجماتية مقيتة وخطاب توحش لا يتناسب إطلاقًا مع خطاب “اليوتوبيا” سالف الذكر والموجه إلى الغرب، نرى واقعيًا على الأرض في الأماكن التي للتنظيم الإرهابي موطئ قدم فيها عمليات يُعددها التنظيم، ويتباهى بها، ويعمل لها الإحصائيات، ويرسم لها الانفوجراف الجذّاب الذي ربما يبدو كاذبًا ومبالغًا فيه، ويصف ضحاياه الأبرياء بالكفار والمرتدين والهالكين.
بالرغم أن معظم هذه العمليات وفقًا لمنصات التنظيم وأبواقه الإعلامية كانت في دولة العراق الشقيق الذي يعاني شعبه مثل العالم كله من مخاطر الفيروس. وهذا يوحي بأن التنظيم غير قادر على تنفيذ عمليات إلا في الأماكن التي كانت له فيها قبل ذلك سيطرة مكانية، وأن طلبه عدم تنفيذ عمليات في بعض الأماكن الأخرى ما هو إلا عجز منه عن ذلك وليس إنسانية كما يدعي، فالإنسانية قيمة لا تتجزأ. ولا شك أن خطاب العنف والتوحش هذا هو خطاب موجّه في المقام الأول لأفراد التنظيم ومليشياته وخلاياه النائمة المشتّتة في أماكن مختلفة وفقًا لاستراتيجية “إسقاط المدن” التي يتبعها التنظيم من أجل تشتيت القوى التي تحاربه.
ويهدف التنظيم من هذا الخطاب توفير حالة رضا وانتشاء لدى مؤيديه، إذ يؤكد لهم من خلاله أنه لا يزال الأقوى وأنه لا يزال يمتلك المبادرة الزمنية والمكانية ولديه من الإمكانات المادية والقدرات القتالية ما يمكنه من القيام بعمليات. وفي هذا أيضًا مغازلة صريحة لمليشيات القاعدة وغيرها من التنظيمات من أجل المسارعة لمبايعة التنظيم وتنفيذ عمليات تحت قيادته، ويؤكد ذلك ما يقوم به التنظيم الآن على إحدى أبواقه الإعلامية من إعادة لمقالات وخطب لـ “أسامة بن لادن” كان يمتدحُ فيها “قاعدة العراق” التي تحوّلت بعد ذلك إلى “داعش”.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن تحليل الخطاب الإعلامي للتنظيمات المتطرفة مهم جدًا في مجال مكافحة التطرف؛ حيث يبين المرصد من خلاله الاستراتيجية الإعلامية للتنظيمات المتطرفة، ودعايتها الكاذبة، ودورها في منظومة الاستقطاب، مؤكدًا أن ما تقوم به هذه التنظيمات الإرهابية على أرض الواقع لا يتماشى مع الزخم الصاخب الذي تمارسه من خلال أبواقها الإعلامية. وهنا يتضح أمام الجميع كذب تلك التنظيمات وضلال دعايتها، وكشف عوارها، الذي يُعدُّ في حد ذاته أحد وسائل مكافحة التطرف.
رابط مختصر:https://eocr.eu/?p=2674