المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
دلالات انتشار رسوم داعشية على جدران السجون الإسبانية
– تقوم إدارة السجون الإسبانية بمراجعة الإجراءات الأمنية إزاء الـ”جرافيتي” (الكتابة على الجدران)، والذي يقوم به مساجين؛ حيث إن كثيرًا من تلك الرسوم ذو محتوى إرهابي. قد يظن البعض أن الإرهاب مجرد ممارسات إجرامية تتم على الأرض بدافع تحقيق مكاسب مادية، أو فرض نفوذ، أو سيطرة على إقليم، أو استقطاب عناصر جديدة يمكن الاعتماد عليها في تنفيذ مخططات أكبر، وصولًا إلى ادعاء التنظيمات الإرهابية بأنه هدفها الأسمى المتمثل في إقامة الدين وعودة الخلافة والحكم بما أنزل الله، أو الدفاع عن المسلمين لما حاق بهم من استضعاف واضطهاد – بحسب زعم تلك التنظيمات وأبواقها الإعلامية-، لكن الواقع يشهد بأن الإرهاب والفكر المتطرف أعم وأشمل من مجرد أن يكون جريمة هنا، أو تهديدًا هناك. فالفكر المتطرف وباء سرطاني استشرى في العالم بذريعة الدفاع عن الدين، وتقديم الصورة الصحيحة لما جاءت به نصوصه المقدسة، كما يقوم الفكر المتطرف على فرض فكرة بعينها بشتى الوسائل، واستغلال الإمكانات البشرية والمادية كافة للحشد لتلك الفكرة من خلال عمليات غسيل الدماغ وأسر المشاعر، لعبًا على وتر العاطفة الدينية.
وقد رصدت السلطات الإسبانية مظهرًا جديدًا من مظاهر التعاطف مع ذلك الفكر، ونشره داخل سجونها؛ إذ ليست مجرد رسوم على الجدران، ولكنها باتت ظاهرة مثيرة لقلق السلطات الإسبانية، فقد بات الظهور المتكرر لرسوم تتضمن محتوى متطرفًا داخل السجون قام بها مساجين – والتي تُعد جريمة بسبب محتواها، أو رموزها؛ لكونها في بعض الأحيان تمجد الإرهاب والتطرف- يثير قلق وزارة الداخلية الإسبانية، وذلك ما تم استنتاجه من خطاب رسمي أرسلته إدارة السجون الإسبانية مؤخرًا للسجون. ولمواجهة العواقب الوخيمة التي يمكن أن تجرها مثل هذه الرسومات – الغلق المؤقت للزنازين، والأماكن العامة التي تظهر فيهت. وفي إطار التعامل مع هذه الظاهرة قررت إدارة السجون الإسبانية مراجعة الإجراءات الأمنية التي كان يتبعها موظفو السجون عند العثور على مثل هذه الرسومات. وطبقًا لهذه الوثيقة، فإن الهدف من ذلك هو أن يكون التعامل مع هذه الحوادث أكثر سرعة، وأكثر فاعلية عن ذي قبل.
ويأتي هذا القرار بعد أن قامت المحكمة الوطنية العليا في العام الأخير بتبرئة (٥) إرهابيين محتملين، نُسب إليهم القيام بهذا النوع من الرسومات في عدة سجون، وهي جرائم تذرعت بها النيابة في اتهامها لهم، لكن لم يتم إدانتهم. ومع ذلك فإن مصادر إصلاحية تخلت عن التوجيهات الجديدة لهذه القرارات القضائية. وطبقًا للإحصائيات، يشهد كل عام خط عشرات الرسومات للمساجين، على الرغم من أنه في عام ٢٠٢١م تم إدانة اثنين فقط من تلك الرسومات ووصفها بأنها رسومات إجرامية، فإن الرقم تضاعف في عام ٢٠٢٢م لأربع رسومات إجرامية. إن قلق وزارة الداخلية الإسبانية إزاء هذه الحوادث يعود لعام ٢٠١٧م، وتحديدًا يوم ٢١ مارس؛ حيث عثر موظفون بالمركز الإصلاحي في بلدة “إستريميرا” التابعة لـ”مدريد” على أحد حوائط زنزانة سجن مشدَّد خاص بالمجرمين الخطرين، ومثيري الشغب – رسمًا يمثل علم داعش. وبعد مرور شهر على هذه الحادثة، وبعد أن تم إزالة هذا العلم، ظهر رسم آخر يتضمن عبارات لدعوة السجناء للانضمام للتنظيم الإرهابي.
كان العثور على تلك الرسومات دافعًا لفتح ملف تحقيق يرجع لعام ٢٠١٨م أُطلق عليه حينها اسم “عملية إسكريبانو”، نتج عنه توقيف (٣٠) سجينًا في شهر أكتوبر من عام ٢٠١٨م؛ بتهمة تشكيل خلية إرهابية تقوم باستقطاب وتجنيد سجناء آخرين. (٤) سجناء منهم تمت محاكمتهم، ومن بينهم المنفذون المحتملون لتلك الرسومات، ولرسومات أخرى مشابهة وجدت في سجن “كامبوس ديل ريو” في “مرسية”. لكن الـ(٤) سجناء تم تبرئتهم في مناسبتيْن، وكانت آخر مناسبة في شهر فبراير من عام ٢٠٢٣م. واعتبرت المحكمة في هذا الحكم الأخير أن تلك الرسومات تُعد فقط “شكلًا من أشكال المطالب الخاصة ببيئة السجون”. وفي ٢٣ يونيو ٢٠٢٣م أمرت المحكمة الوطنية العليا بإعادة المحاكمة.
جدير بالذكر أن إدارة السجون الإسبانية بعد العثور على تلك الرسومات في أكتوبر من عام ٢٠١٧م، قامت بتطبيق أول بروتوكول أمني بالنسبة للرسومات التي يتم العثور عليها في المناطق العامة بالسجون. وبعد ذلك بعدة أشهر، وبالتحديد في فبراير من عام ٢٠١٨م، قامت بعمل بروتوكول أمني جديد يخص الرسومات التي يتم العثور عليها بالزنازين؛ وذلك لأنها تعتبر “أقل حدة من ناحية الدعاية والانتشار”. والفارق الأساسي بين التعليمات في كلتا الحالتين، هو أنه في الحالة الأولى يجب على موظفي السجون أن يقوموا بإبلاغ قوات الأمن على الفور، أما في الحالة الثانية فيجب عليهم أن يقوموا بإبلاغ القاضي.
الآن، وبعد “الخبرة التي تم اكتسابها خلال هذه السنوات”، قامت وزارة الداخلية الإسبانية بتوحيد التعليمات. ومن ثم فإنه إذا تم العثور على أي رسم، سواء ظهر في منطقة عامة، أم داخل الزنازين، فإنه يجب على الموظفين اتباع خطوات محددة، وتشمل الحفاظ على هذا الرسم حتى لا يتم التلاعب به أو إزالته؛ ولأجل تحقيق ذلك يجب غلق الزنزانة، أو المنطقة التي يتم العثور فيها على الرسم، ثم كتابة تقرير يُذكر فيه ملابسات الواقعة، يُحدد هوية مرتكب هذه الجريمة، ثم القيام بإرفاق صور فوتوغرافية بأكبر قدر من الوضوح للرسومات، ويُذكر الإجراءات التي تم اتخاذها للحفاظ عليها.
ثم يتم إرسال هذه الوثيقة إلى وحدة تنسيق أمن السجون، والتي ستكون الجهة المسئولة عن تقييم الرسومات، والقيام بترجمتها إذا كان ذلك ضروريًّا. ومن خلال هذا التقييم سيتم استنتاج إذا ما كان الرسم ذا طابع إجرامي أم لا. وفي تلك الحالة يتم إبلاغ قوات الأمن بهذه الأحداث من أجل أن تقوم بالمعاينة، وتأمين الأدلة حتى يتم وضعها لاحقًا تحت تصرف النيابة. فقط حينئذ، وكخطوة أخيرة، يقوم موظفو السجون بإزالة الرسم، وإعادة فتح المنطقة التي تم غلقها من أجل أن يتم إعادة استخدامها من قبل المساجين.
وختامًا ينبه مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على أن هؤلاء الإرهابيين لا يتوقفون عن بث أفكارهم المسمومة سواء كانوا خارج السجون، أم داخلها؛ وذلك من أجل حشد، وتجنيد أتباع جدد، والحفاظ على أتباعهم القدامى، ولذلك يجب الحذر الشديد، ومراقبة هؤلاء الإرهابيين في كل لحظة وفي كل مكان، حتى لا يسمموا المجتمعات بأفكارهم الضالة، وحتى لا يدمروها بمخططاتهم البغيضة. ويؤكد المرصد على الأمر الذي لطالما أشار إليه في تقاريره ومخرجاته، وهو أن القضاء على الفكر المتطرف يتطلب العمل في اتجاهيْن؛ الاتجاه الأمني، والاتجاه الفكري، لأن القضاء على أصحاب الفكر المتطرف لا يكفي وحده، بل يتطلب الأمر السعي لبيان زيف الفكر، وضلاله، وبعده عن الحق.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=10992