المتطرفون اليمينيون يعتمدون تكتيكات داعش في التجنيد -مكافحة الإرهاب
العرب اللندنية – كشفت وكالة الاستخبارات المحلية الأسترالية عن ارتفاع كبير في عدد المتطرفين اليمينيين العنيفين الخاضعين للمراقبة، وحذرت من أن بعض الجماعات تعتمد تكتيكات تنظيم الدولة الإسلامية للتجنيد، وسط مخاوف من أن وباء كورونا يمكن أن يزيد من مخاطر الإرهاب عالميا.
وأخبرت منظمة الأمن والاستخبارات الأسترالية اللجنة البرلمانية المشتركة للاستخبارات والأمن أن حركات اليمين المتطرف أصبحت تستغل الأزمة الصحية العالمية لتعزيز التجنيد.وقالت نائبة المدير العام لمنظمة الأمن والاستخبارات الأسترالية، هيذر كوك، إن ما يصل إلى 40 في المئة من جهود مكافحة الإرهاب التي تبذلها الوكالة تركز على إحباط مؤامرات الجماعات اليمينية العنيفة أو الأفراد.وقالت كوك “يشغل التطرف اليميني العنيف ما بين 30 و40 في المئة من قضايا منظمة الأمن والاستخبارات الأسترالية الحالية في عملها لمكافحة الإرهاب. وتعتبر هذه زيادة من حوالي الـ10 و15 في المئة التي كنا قد سجّلناها قبل سنة 2016”.وأكّدت أن منظمة الأمن والاستخبارات الأسترالية قلقة من أن المتطرفين اليمينيين أصبحوا يعتمدون نفس استراتيجيات المتطرفين الإسلاميين لتعزيز صفوفهم.
وتابعت “أعتقد أن الأمر لا يختلف عن الطريقة التي استخدم بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) دعايته وقدرته على التلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد الشباب ومن يعانون أوضاعا هشة… أعتقد أننا نشهد ظاهرة مماثلة في البيئة اليمينية المتطرفة”.وبرز التهديد الذي يشكله المتطرفون اليمينيون المتطرفون مع إطلاق النار على مسجد مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا العام الماضي. وفي فبراير، حذرت منظمة الأمن والاستخبارات الأسترالية من ظهور النازيين الجدد باعتباره من أكثر التهديدات الأمنية تحديا في أستراليا.
وفي إجابة عن استفسار النائب عن حزب العمال أنطوني بيرن، حذرت كوك من أن الجائحة التي يشهدها العالم اليوم ساهمت في زيادة التطرف.وقالت “نجد دائما مجموعة من العوامل التي تساهم في الانجذاب إلى نوع معين من الأيديولوجيات في فترة ما. وتساهم بعض الظروف التي نشهدها اليوم بسبب الوباء في زيادة التطرف، وخاصة بسبب الفترات الطويلة الذي يقضيها الأفراد في العزلة أو العمل من المنزل أو خارج المدرسة”.وأضافت “هذا يسهّل العثور على أفراد متشابهين في التفكير. هناك مجموعات دردشة متنوعة أين يمكن للأفراد الذين يحملون هذه الآراء أن يتقابلوا ويتناقشوا وحيث يُروّج لهذه الآراء على نطاق أوسع”. ووصف بيرن الزيادة السريعة في التطرف اليميني العنيف بالصاعقة.
وغردت وزيرة الشؤون الداخلية في حكومة الظل في حزب العمال، كريستينا كينيلي، في رد على التقارير والأدلة التي قدمتها منظمة الأمن والاستخبارات الأسترالية، قائلة إن أستراليا لا تزال الدولة الوحيدة داخل تحالف “العيون الخمس” (الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا ونيوزيلندا) التي لم تحظر رسميا أي مجموعة يمينية متطرفة باعتبارها منظمة إرهابية.وجاءت تلك التحذيرات بعد أن نشر عدد من الأكاديميين أن الوباء يمكن أن يتمّ استغلاله من أجل تمرير معتقدات اليمين المتشدد بما في ذلك المشاعر المعادية للمهاجرين حول العالم.
الوباء والتطرف -مكافحة الإرهاب
على مدى العشرية الماضية شهد التطرف اليميني في الغرب العديد من التحولات حيث انتقل من الانتشار عبر التجمعات إلى الانتشار عبر الإنترنت، ومن استخدام المنشورات إلى استخدام وسائل غير تقليدية في نشر فكرهم، ومن اقتصار النشاط داخل الحدود إلى تكثيف الأنشطة خارج الحدود، من خلال شبكات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها.ويرى مراقبون أن انتشار التطرف اليميني عالميا جاء بفضل توافر وسائل التواصل الاجتماعي، ورخص تكاليف السفر والتنقل، فضلا عن الأحداث العالمية، كهجمات داعش في الغرب، وموجة اللاجئين الكبيرة إلى أوروبا في عام 2015. مكافحة الإرهاب
وأخذ في التنامي منذ عام 2011 في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا ليصبح تهديدا عالميّا وتحول الآن إلى درجة أكثر خطورة بسبب تفشي وباء كورونا.وتقول الباحثة المشاركة في معهد جنيف للسياسة الأمنية أندريا ستويان كاراديلي، إن الخوف الناجمَ عن تفشي فايروس كورونا يستغله الجهاديون واليمينِيون المتطرفون لتعزيز أيديولوجياتهم، مستخدمين في معظم الأحيان الأخبار الزائفة ونظرياتِ المؤامرة.
فقد صوّر تنظيم داعش الوضع باعتبار الفايروس عقابا للكفار، فيما استهدف اليمين المتطرف الآسيويين والأجانب بشكلٍ عام باعتبارهم مصدر الفايروس.وأصدر التنظيم، في صحيفته الأسبوعية “النبأ” وثيقة موجهة إلى التابعين له في الخارج، قدمت نظرة دينية للعالم جاء فيها أن الفايروس أصاب غير المؤمنين وقدَّم المشورة بشأن كيفية التعامل مع الوباء.وسعى التنظيم من خلال “توجيهاته” إلى تحريض الناس وإيجاد طريقة للتواصل معهم من أجل تجنيدهم عبر الإنترنت، ما يبث الخوف ويدفع المجتمع إلى الفوضى والتدافع.وأخبر التنظيم أعضاءه، بضرورة الاستمرار في حربهم الممتدة عبر أرجاء العالم، حتى مع تفشي الوباء، وأن الأنظمة الأمنية الوطنية والدولية، التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قوله.
وجاء في تقرير لمجموعة الأزمات الدولية أن “المجموعات الإرهابية تستخدم تفشي المرض لتعزيز الدعاية وجمع الأموال، وفي بعض المناطق، تسعى إلى الاستفادة من التصورات القائلة بأن انتباه قوات الأمن يتم تحويله إلى مكان آخر”.وحذر التقرير من أن “هذه الأزمة المرتبطة بالصحة العامة، يُمكن أن توفر للجهاديين فرصة مهاجمة الدول التي ألحق الفايروس بها الضعف… ووجه داعش أتباعه بفعل هذا تماما”.وتقول كارولا جارثيا كالفو الباحثة في معهد إلكانو الملكي الإسباني إن هناك طريقة واحدة يقنع بها داعش الشباب الجدد في محاولة لضمهم، وهى إقناعهم بأنه “من أجل الله”.ووفقا لكالفو فإن “ما يثير المخاوف هو أن هذا الوقت مناسب للغاية لاستفادة التنظيمات الإرهابية من حالة الاكتئاب النفسي الذي ينتاب العديد من الناس بسبب فايروس كورونا، وخاصة في ظل العزل الاجتماعي”. مكافحة الإرهاب
وذكرت الأمم المتحدة أن تنظيم داعش يستغل فايروس كورونا في إعادة التجميع والتجنيد ويمكنه شن الهجمات والتخطيط لـ”عقاب إلهي” في الغرب بمجرد التخفيف من عمليات الإغلاق.أما اليمين المتطرف فقد اعتمد تقريبا نفس الأيديولوجيا التي اتبعها داعش في استقطاب الأنصار وتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب زمن الجائحة مرورا بطريقة نشر الأفكار ثم وضع المرتكزات وصولا إلى الأهداف. مكافحة الإرهاب
ويعتبر متطرفو اليمين من يساعدون في إحداث تغيير لا يحبونه في المجتمع بمثابة أعداء لهم، مثل هؤلاء الذين سمحوا بتدفق المهاجرين من آسيا وأفريقيا.وانطلاقا من الإيمان بتفوق البيض، وهو منطلق عقائدي، روج أنصار اليمين المتطرف بأن الفايروس قد يساعدهم على إدراك الحرب العرقية التي يتوقون إليها.ووفَّر الفايروس مزيجا من عدم اليقين والخوف وبدأ النشطاء وأبواق الدعاية في استغلال ذلك، واصفين الوباء بـ“الفايروس الصيني”، الذي يعتبره مراقبون افتراء عنصريا يستهدف الأجانب بشكل خاص وليس وصفا لأصوله، ما يوفر منطلقا للتحريض الاجتماعي.
وقال المتطرفون اليمينيون لمؤيديهم إن “المعركة ليست في الحجر الصحي” وواصلوا الترويج لرواياتهم المثيرة للفتنة التي تسعى إلى إلقاء اللوم على المجتمعات التي توفر للأجانب المأوى.كما طالبوا من مؤيديهم أيضا شراءَ الفؤوس أو رذاذِ الفلفل، ونشروا تعليماتٍ لطباعة ثلاثية الأبعاد حول كيفية صنع سلاح ناري.
وجاء في تقرير أمني صادر عن مكتب الأمن الداخلي في ولاية نيوجيرسي الأميركية أنَ “أنصار الجماعات المتطرفة المحلية والدولية شجعوا أتباعهم على شن هجمات في أثناء جائحة كوفيد – 19؛ لبث الذعر، والتحريض على استهداف الأقليات والمهاجرين، والاحتفال بوفاة أعدائهم”.
وبحسب التقرير، فإن متطرفي اليمين الأبيض في الولايات المتحدة يستغلون الجائحة للترويج لنظرية التسريع بالمحتوم والتي تقوم على فكرة أن المشاركة في الهجمات الجماعية أو خلق أشكال أخرى من الفوضى، ما سيسرع بالانهيار الحتمي والضروري للمجتمع بغرض بناء “أمة نقيَّة العِرق”.وقد شجعت جماعة نازية جديدة تروج لتلك النظرية إعلاميا، أنصارها على بث الذعر بين المعزولين في بيوتهم بسبب الجائحة، من خلال إطلاق الأعيرة النارية في المدن وإصابة زجاج السيارات بالرصاص؛ لترك رسالة تخويف.
والأمر ليس أميركيا فقط، فقد روجت أيضا جماعة فرنسية من النازيين الجدد لفكرة “تصفية المهاجرين” واستبعاد الأقليات العرقية من الحصول على الرعاية الصحية لمواجهة الوباء، وتتشابه تلك الرسالة العنصرية مع رسائل متطرفي اليمين الأبيض في أوروبا والولايات المتحدة والتي تلقي باللائمة على جماعات عرقية وتطالب بإغلاق الحدود تماما.
ويشرح منير زامر، مستشار مكافحة التطرف العنيف في جامعة جنوب ويلز أن “الجماعاتِ المتطرفة لديها عمل تقوم به للحفاظ على شعبيتها. عليها أن تشرح كيف ترتبطُ قضيتها بفايروس كورونا للحفاظ على تفاعل جمهورها معها”. و من بين هذه الخياراتِ، استخدام نظريات المؤامرة، وروايات المظالم والقمع.وإذا أوقف الفايروس خططها أو جهودها في مجال التجنيد أو قدراتها الإعلامية، قد تُضطر الجماعة إلى اللجوء إلى تغييرٍ شامل في “العلامة التجارية الخاصة بها”.
سبل المواجهة
قبل يومين من تنفيذ هجومه على مسجدين في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية راح ضحيته 50 مسلما، نشر الأسترالي برينتون تارانت تغريدات تضمنت صورا للأسلحة التي كان ينوي استخدامها. وقبل نصف ساعة من بدء أول هجوم، نشر مداخلة في منبر إلكتروني شرح فيها ما كان ينوي فعله. وقبل بضع دقائق فقط من الهجوم الأول، بعث برسالة إلكترونية ضمّنها “بيانا” شرح فيه الأسباب التي دفعته إلى تنفيذ الهجمات. وعند بدئه بتنفيذ هجماته، شغّل بثا حيا عبر فيسبوك تمكن بواسطته المشاهدون في أنحاء العالم من متابعة ما يجري.
وكان تارانت، الذي مثل أمام القضاء في يونيو الماضي، يعيش وحيدا. ولكنه كان أيضا يقطن في عالم افتراضي على الإنترنت تهيمن عليه ثقافة عابرة للقارات، ثقافة تنقل الأيديولوجيا التي بنيت على أساسها رويدا رويدا من الأعماق المظلمة للإنترنت إلى عالم السياسة السائد.وترى مؤسسة أماديو أنطونيو ومقرها برلين، والتي تعمل على مواجهة التطرف اليميني، أنه يمكن للأفراد أن يصبحوا متطرفين بسهولة عبر الإنترنت.و يقول ميرو ديتريتش، الذي أشرف على دراسة استغرقت عامين لمحتوى الوسائط الاجتماعية المتطرفة، إن هناك “شبكة من المحتوى على الإنترنت تخاطب المجموعات المستهدفة المختلفة وتجذبهم إلى عالم بديل متطرف”.
ويضيف ديتريتش، منذ نشأة الإنترنت، تعلم النشطاء اليمينيون المتطرفون تأطير المحتوى ورعايته لجذب المتطرفين، حيث سارع هؤلاء النشطاء بتجربة منصات جديدة على الإنترنت واعتمادها، وكذلك إنتاج مردود مادي، على سبيل المثال من خلال إعلانات “يوتيوب”، والتبرع، وحملات التمويل الجماعي. ويجادل بأن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يتواصلون بشكل متزايد مع بعضهم البعض على شبكات “Dark social”، والتي تصعب مراقبتها.
ومما يثير القلق والمخاوف أن الجهات الأمنية وشركات التكنولوجيا أظهرت تقاعسا وبطئا في التصدي لهذا التهديد الجديد النامي.ويؤكد أكاديميون على وجود طريقتين رئيسيتين لمجابهةِ اليمين المتطرف، واحدة مادية، والأخرى افتراضية.فالنظر إلى أن اليمين المتطرف يرغب علنا في مهاجمة “الأهداف الرخوة” مثل المستشفيات، ودور العبادة، فيمكن تحصين هذه الأهداف، وهناك سجل ناجح في القيام بذلك في بريطانيا وفرنسا والسويد.
أما الافتراضية؛ فتتعلقُ بمواجهةِ الروايات التي يروجها اليمين المتطرف للتجنيد وهي أكثر تعقيدا، حيث إن مزيجا من التعليم لمحو أمية استخدام الإنترنت، وعمليات مكافحة التضليل، والتدقيق في الحقائق، وزيادة مراقبة “الويب المظلم” يمكن أن يساعد في ذلك.
ويرى كريستيان بيتشيوليني الذي يقود “مشروع تحرير المتطرفين”، الذي يساعد الشباب الأميركي على فكّ ارتباطهم بالجماعات المتطرفة اليمينية، أنه يجب التعامل معهم كقضية تخص الصحة العامة، و”إصلاح الأساس الذي يقف عليه الناس”، من خلال العلاج، والتدريب الوظيفي، وتقديم المشورة بشأن أساليب الحياة، وما إلى ذلك.ويقول بيتشيوليني، الذي كان ينتمي إلى مجموعة متطرفة لسنوات، إن ما أخرجه من الجماعة المتطرفة كان اتصاله بـ“المجموعات الخارجية” التي كان يعتقد أنه يكرهها، ورؤية إنسانيتهم من خلال جهوده لشيطنتها. وقد ساعد ذلك مشروع تحرير المتطرفين في فك ارتباط 300 شخص بالتطرف اليميني.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=4482