الانفصالية في إسبانيا نواة اجتماعية تخدم الأجندات الإسلاموية -مكافحة الإرهاب
العرب اللندنية – وضع تنامي أعداد المسلمين في إقليم كتالونيا الإسباني قادة هذا الإقليم الذين يطالبون بالانفصال عن الحكومة المركزية في مدريد أمام حتمية حشد هذه الكتلة الاجتماعية في خدمة مشروعهم، وقد نجحوا في ذلك بالتحالف مع تنظيمات الإسلام السياسي في الاستفتاء المثير للجدل سنة 2017 والذي أُعلن فيه من جانب واحد الانفصال عن إسبانيا. ووظفت التنظيمات الإسلاموية التي تحتكر الخطاب الديني في الإقليم كل إمكانياتها اللوجستية لمعاضدة هذا المطلب الذي يخدم في نهاية المطاف أجنداتها باستعادة أمجاد “الخلافة الإسلامية في بلاد الأندلس”.
قرر إقليم كتالونيا في إسبانيا الشروع هذا العام، مع حلول الموسم الدراسي الجديد، في تعليم الديانة الإسلامية داخل المدارس العامة في الإقليم، وهو ما يسمح للسلطات بترشيد الخطاب الديني وقطع الطريق على توظيفه، فيما رحب مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية بالخطوة التي رأى فيها تحصينا للشباب المسلم في إسبانيا من محاولات التنظيمات الإسلاموية تجنيده خدمة لأجنداتها، من خلال توفير المناهج الوسطية والمعلمين الأكفاء المعتدلين.
وأقرت مديرية التربية والتعليم في إقليم كتالونيا الإسباني خطة تجريبية لتعليم الديانة الإسلامية في المدارس العامة في كل من برشلونة وباخو يوبريغات وجيرونا وتاراغونا، ابتداء من الموسم الدراسي الجاري 2020 – 2021 ، على أن يجري التعليم من منظور يخدم الاندماج في المجتمع.وحسب مضمون هذا المشروع “يُستحسَن” أن تباشر التجربة في المراحل الابتدائية الأولى وفي السنة الأولى من التعليم الثانوي. وفي حال توفر لاحقا معلمون لتدريس التربية الإسلامية، تختارهم اللجنة الإسلامية في إسبانيا، بعد متسع من الوقت، يمكن مواصلة التجربة مع مراحل دراسية أعلى. مكافحة الإرهاب
وتمثل الاضطرابات الاجتماعية في إقليم كتالونيا، إضافة إلى احتضانه قرابة نصف الجالية الإسلامية في إسبانيا، بيئة مواتية لتغذية الفكر الانفصالي المسنود بخلفيات تاريخية؛ حيث تلتقي مطالبة بعض السكان الأصليين بالانفصال عن الحكومة المركزية مع الأهداف بعيدة المدى وغير المعلنة لتنظيمات الإسلام السياسي، وهي حسب رأي هذه التنظيمات استعادة أمجاد “الخلافة الإسلامية في بلاد الأندلس”.وتحالفت الأحزاب السياسية الكتالونية مع المسلمين ودعمتهم على أساس أن يصوتوا لأجل الانفصال، وقد حدث هذا.
لكن عبدالوهاب هوزي، أحد القادة السلفيين البارزين في مدينة لليداو، يقول “سوف نقوم بالتصويت لاستقلال كتالونيا لأنهم يحتاجون إلى أصواتنا. ولكنهم لا يعلمون أننا لن نصوت لأحزابهم، لأننا لا نؤمن باليمين واليسار، بل سنصوت لأحزاب إسلامية. و بهذا نكسب المجالس المحلية. وسنستمر في تجميع قوانا في كتالونيا المستقلة حتى يتم تطبيق الإسلام”.
ونجحت جماعات الإسلام السياسي في التحكم بالمجال الإسلامي العام في إسبانيا، لكن على ما يبدو لم يكن ذلك كافيا، بل بات كسب نفوذ واسع في مؤسسات الدولة الرئيسية مرحلة تالية على قائمة أهداف الإسلاميين الذي يسابقون الزمن لبلوغها.ويقول لويس دي لا كورتيه، الباحث في معهد الشؤون الأمنية بجامعة مدريد المستقلة، إن الإخوان المسلمين يعملون من خلال إستراتيجية مزدوجة، فهم “لا يحاولون فقط بناء نفوذ على أسس دينية، ولكن يعملون بكل جد على اكتساب نفوذ في المؤسسات السياسية وبين الطبقة الحاكمة في إسبانيا”.
لإسبانيا دلالة تاريخية للمسلمين، وذلك لاحتضانها الدولة الأندلسية على أرضها في الماضي، ويلقي هذا التاريخ بظلاله على بعض المسلمين الإسبان، الذين ما زال يراودهم حلم إعادة “بعث” الأندلس المسلمة.
الأندلس وأمجاد الخلافة – مكافحة الإرهاب
يرى مراقبون أن اختيار إقليم كتالونيا لإطلاق أولى التجارب في تدريس الدين الإسلامي في المدارس العمومية الإسبانية ليس اعتباطيا أو ذا علاقة بالكثافة السكانية للمسلمين في هذا الإقليم فقط إنما يعكس توجسا حكوميا من أنشطة جماعات الإسلام السياسي المتواجدة في الإقليم والتي تدعم بشكل خفي مطالبة بعض السكان الأصليين بالانفصال عن الحكومة المركزية في مدريد.
ومع تنامي أعداد المسلمين في الإقليم الذي يتمتع بالحكم الذاتي والذي أعلن الانفصال من جانب واحد عدة مرات، كثفت جماعات الإسلام السياسي نشاطها خدمة لهذه الأجندة المحلية التي تتسق مع أجنداتها السياسية بعيدة المدى ألا وهي استعادة أمجاد الخلافة الإسلامية في إسبانيا. مكافحة الإرهاب
ويقول طارق أبوالسعد، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، إن “الضربات الموجعة التي نالتها جماعة الإخوان في منطقة الشرق الأوسط ستدفعها إلى تقوية نفوذها في أماكن أخرى ولا أستبعد أن يكون إقليم كتالونيا تدشينا لمرحلة جديدة (…)، فإقليم كتالونيا يعد بيئة خصبة لجماعة الإخوان المسلمين، فهي كتنظيم سرى تفضل العمل تحت الأرض، فالإقليم يعاني من مشاكل وأفكار وأيديولوجيا داخلية تطالب بالانفصال والوضع المضطرب في كتالونيا يجعلها أفضل من العمل في دول ديمقراطية، ففي ظل المناخ الثوري المتواجد في كتالونيا يمكن أن يحدث التعاطف مع الإخوان”.
ويدغدغ حلم “استرداد الخلافة” مشاعر أصحاب الأرض أيضًا، ويظهر ذلك في “التجمع الوطني الأندلسي” الذي يرأسه الإسباني بيدرو إغناسيو ألتاميرانو، والذي يهدف إلى الانفصال عن الدولة، واستعادة الأمجاد القديمة بتأسيس دولة الأندلس الحرة، التي تشمل جنوب إسبانيا ومدن الريف المغربي وأجزاء من جنوب البرتغال.
ويؤكد إغناسيو ألتاميرانو أنه يسعى لجمع المسلمين، ليعيشوا معًا على أرضهم، وفي سبيل ذلك أعلن في يونيو 2017 إنشاء حزب سمَّاه “الحزب القومي الأندلسي”، معربًا عن أمله في أن يستطيع الحزب القتال من أجل أرضهم، وتكوين حكومة مستقلة تدير الأندلس الجديدة.وأشار إلى عدم رفضه التعاون مع جماعة الإخوان، في إطار إقامة دولة “الأندلس”، قائلا في تصريحات إعلامية “هدف التجمع الأندلسي هو إقامة دولة ‘الأندلس الحرة’ بجمع شتات المسلمين المنتشرين في جميع أنحاء العالم للعودة إلى وطنهم الأندلس والتعايش في سلام”. مكافحة الإرهاب
وتقول رئيسة وحدة دراسات الشرق الأوسط في المعهد الأوروبي للبحر المتوسط، لورديس فيدال “عندما يتحدث الإخوان عن تحرير الأندلس، فهنا علينا أن نتوقف قليلا، لأن هذه لهجة مقلقة للغاية، وأن مشكلتنا مع الإخوان المسلمين لا تكمن في ممارسة العنف، فهم لا يفعلون ذلك في أوروبا مثلما يحدث في بعض دول الشرق الأوسط، لكن خطورتهم هنا تكمن في عملهم الدائم على خلق بيئة أيديولوجية ودينية تتبنى مثل هذه الأفكار المتشددة”.
ويوجد في إسبانيا ما يقارب 1260 مركزاً إسلامياً، حيث تشير التقارير الأمنية الإسبانية الأخيرة إلى ازدياد ملحوظ في أعداد المهاجرين المسلمين إلى إقليم كتالونيا، وخصوصاً منطقة تاراغونا التي تحوي عدداً كبيراً من الجاليات المسلمة، ولاحظت أيضاً تزايداً ملحوظاً في نشر الأفكار المتشددة وعدد معتنقيها، خصوصا المراهقين والفتيان الذين يواجهون صعوبات في الاندماج والانخراط في المجتمع الإسباني، ويعانون من مشكلات حياتية معقدة، وهو ما يسهل عملية التجنيد وغرس الأفكار المتطرفة. مكافحة الإرهاب
وتلعب المساجد والجمعيات الدور الأهم في عمليات استقطاب الشباب وتجنيدهم لخدمة المشاريع الإسلاموية في الداخل والخارج، حيث تتكاتف جماعة الإخوان مع التيار السلفي المتواجد بقوة داخل الإقليم في خدمة المشروع رغم الخلافات العقائدية بين الطرفين.ويحتكر الإسلاميون في الإقليم، سواء كانوا إخوانا أو سلفيين، الخطاب الديني الموجه للناشئة وفق البنية التي تخدم مصالحهم وتوجهاتهم، وهو ما جعل السلطات تبادر إلى تخليص الشباب المسلم من براثن الأيديولوجيا الدينية عبر تدريس المناهج الإسلامية المعتدلة في المدارس العامة.
وتطوق هذه الخطوة بشكل كبير أنشطة الجماعات الإسلامية، إلا إن مراقبين يعتبرونها غير كافية ما لم يتم دعمها بالإحاطة الاجتماعية للشباب المسلم الذي يشعر بالتهميش ما يجعله فريسة سهلة للتدجين والتجنيد بعد ذلك.وغالبا ما تلفت التقارير حول نشاط الإخوان المسلمين في إسبانيا الانتباه بشكل خاص إلى “الرابطة الإسلامية للحوار والتعايش في إسبانيا”، حيث تأسست هذه الرابطة عام 2004 في فالنسيا، وتنظم العديد من النشاطات في المدن الإسبانية الأخرى، لاسيما في كتالونيا، حيث تتعاون مع المجلس الثقافي الإسلامي الكتالوني، الذي أنشئ عام 2000.
ووفقًا لمصادر مخابراتية تحصل منظمتا الإخوان المسلمين الإسبانيتان “الرابطة الإسلامية للتعايش والحوار” و”المجلس الثقافي الإسلامي” على تمويل كبير من قطر.ومن بين المنظمات التابعة للإخوان في إسبانيا نجد “الإغاثة الإسلامية”، ومقرها في برشلونة. ووفقًا لبعض المصادر، هنالك قيادة مشتركة تقود الإغاثة الإسلامية والرابطة الإسلامية للتعايش والحوار.
ففي عام 2002، عملت منظمة الإغاثة الإسلامية على تمويل معسكرات تدريب للقاعدة في أفغانستان، وقدمت مساعدات لوجستية للجهاديين. أما الرابطة الإسلامية للتعايش والحوار فبدأت بتنفيذ مشاريع مثل بناء مدرسة إسبانية إسلامية في فالنسيا، بعد أن حصلت على دعم مالي خارجي.وتشير كل هذه المعلومات إلى أن المنظمات الإسلامية المرتبطة بالإخوان لديها نشاط عال في منطقة فالنسيا، وتتمحور بالتحديد حول “مركز فالنسيا الإسباني الثقافي”، الذي أظهر ألوانه الإخوانية بالتحديد عام 2007، عندما استضاف يوسف القرضاوي ليترأس المجلس الإسلامي للفتوى والأبحاث.
كتالونيا معقل تصدير التطرف
يحتضن إقليم كتالونيا وحده أكثر من نصف مليون مسلم من بين المليونين المنتمين إلى الديانة الإسلامية في إسبانيا. يليه إقليم الأندلس في الجنوب بأكثر من 300 ألف مسلم، ثم تأتي بعده العاصمة مدريد بحوالي 280 ألف مسلم.
ولكتالونيا تاريخ طويل مع النشاط الجهادي، حيث تم الكشف عن أول جهادي في إسبانيا عضو في الجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية عام 1995. وكان محمد عطا، الذي خطف طائرة الركاب التي يقودها لتصطدم بأحد برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001، قد أمضى بعض الوقت في كتالونيا قبل الهجمات بفترة وجيزة.وفي عام 2008، تم إحباط خطة لاستهداف قطارات في برشلونة، عندما كانت في مراحل متقدمة.
وأفادت صحيفة “فانغارديا”، نقلا عن مصادر أمنية، بأن كتالونيا تشكل أرضا خصبة لأماكن الصلاة السلفية التي يبلغ عددها في المنطقة 50 وفقا لآخر إحصاء.وتحولت المقاطعة إلى موطن لعدد كبير من المهاجرين من الجيل الثاني، وبين هؤلاء مجموعة من الشباب يعتقد أنهم شنوا هجمات برشلونة الأخيرة. وكان معظمهم أبناء مهاجرين مغاربة ترعرعوا في مدينة ريبول الصغيرة على سفوح سلسلة جبال البيرينيه.
وكثيرا ما يتردد السياح على المدينة التي تعد نسبة البطالة فيها منخفضة نسبيا، فيما وصف الجيران المشتبه فيهم بأنهم مكدون في عملهم وجديون. إلا أن الشرطة حذرت من احتمال أن يكونوا قد تطرفوا خلال فترة قصيرة للغاية قد لا تتجاوز بضعة أشهر.وبالنسبة للقوى الأمنية، يعد ذلك مصدر القلق الأكبر، إذ أنه خلافا للعائدين من مناطق الحرب في الشرق الأوسط يصعب الكشف عن جهاديين محتملين من هذا النوع.
وأوضح تقرير في أغسطس 2017 أن برشلونة تعد أحد المراكز الجهادية في إسبانيا حيث تم منذ 2004 إلقاء القبض على 723 جهاديا، وحذر مكتب الاستخبارات والاستشارات الأمنية الإسباني (AICS) فى يناير 2017 من تهديدات أطلقها تنظيم ”القاعدة” تفيد بأنه ينوي انتزاع سبتة ومليلية على ساحل شمال أفريقيا.ويحذر الكاتب والمحلل السياسي مانويل ميليان ميستر من أنه “في كتالونيا يمكن إنشاء أول جمهورية إسلامية في أوروبا لأن التراكم يزيد عن 12 في المئة من السكان”، موضحا أن “التجربة التاريخية تظهر أنه عندما تتجاوز هيمنة المسلمين 20 في المئة تتغير العادات والقواعد في المدارس ويبدأون في المطالبة بحقوق من المجتمع”.
وأشار الكاتب إلى “أننا نشهد هجرة غير منظمة” في كتالونيا وأن وراء حركة الهجرة هذه “هناك نية”، مؤكدا “ما يحدث في كتالونيا ليس بلا مبرر”.وتابع “أجهزة المخابرات الدولية لديها معرفة كاملة بأسباب تجمع الكثير من المسلمين في كتالونيا، وعليهم الحذر، حيث إذا لم يتنبهوا ستولد جامعة إسلامية ذات يوم”.وأشارت صحيفة “أنا تيراديوس” الإسبانية على موقعها الإلكتروني إلى أن “نسبة السلفيين الجهاديين ارتفعت بشكل صارخ في مناطق معينة في إسبانيا، منها كتالونيا وتاراغونا ولا ريوخا وأراغون ونافارا وإقليم الباسك، وهي مدن تمثل مراكز للمهاجرين.
ووفقاً للصحيفة فإن “هؤلاء السلفيين يتبعون أساليب خاصة بهم إذ يندسون ضمن المجتمعات المسلمة وينتمون إلى الجمعيات الثقافية الإسلامية، بغية السيطرة عليها وعلى المساجد المرتبطة بها، يساعدهم في تحقيق ذلك خطباء هذه المساجد الذين يرتبطون بعلاقة خارجية، تضخ إليهم التمويلات المالية، مقابل ترويجهم أفكار التطرف والجهاد”. مكافحة الإرهاب
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=4335