المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
DW – يستغل اليمين المتطرف هجمات الطعن التي وقعت مؤخرًا في زولينغن الألمانية وساوثبورت البريطانية وتوليدو الإسبانية من أجل نشر نظريات المؤامرة والكراهية ضد المسلمين، مستخدما وسائل التواصل.
ازدادت تعليقات الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين في ألمانيا بشدة بعد هجوم الطعن الوحشي بالسكين في مدينة زولينغن الألمانية. وفي هذه الجريمة، التي أعلن لاحقًا تنظيم (داعش) مسؤوليته عنها، قتل طالب لجوء سوري مشتبه به ثلاثة أشخاص وجرح ثمانية آخرين. وقبل وقت قصير من الانتخابات البرلمانية المحلية التي جرت بداية الشهر الحالي في ولايتي سكسونيا وتورينغن، استخدمت أطراف يمينية مثل حزب البديل من أجل ألمانيا هذا الهجوم في المقام الأوَّل من أجل انتقاد الحكومة الاتحادية.
وقد حقق حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي المصنف متطرفا في بعض الولايات الألمانية، مكاسب كبيرة في الانتخابات الولايتين، وقد أعاد سبب هذه الحوادث إلى سياسة الهجرة التي ينتهجها الائتلاف الحاكم في ألمانيا. وانتشرت في الوقت نفسه على الإنترنت العديد من تعليقات الكراهية والادعاءات الكاذبة حول حادثة مدينة زولينغن. وغالبًا ما تكون هذه الحملات موجَّهة ضد المسلمين عموما. وهذه ظاهرة تزداد قوة ليس في ألمانيا وحدها، بل حتى في بلدان أوروبية أخرى وقد أدَّت بالفعل كما حدث في ساوثبورت في بريطانيا إلى أعمال عنف وشغب من جانب الجماعات اليمينية المتطرِّفة.
شارك مثلًا على منصة إكس بعد وقت قصير من هجوم زولينغن النائبُ عن حزب البديل من أجل ألمانيا مارتن زيشرت مقطعَ فيديو وكتب: “المسلمون المتطرِّفون يتقدَّمون في كلّ مكان في ألمانيا. هنا مقطع فيديو قصير لتجمُّع أقامه في نورنبيرغ تنظيم “داعش” بعد وقت قصير من هجوم زولينغن”. ويظهر في هذا المقطع مع الادعاء المنشور بلغات مختلفة عدة أشخاص يحملون رايات سوداء أمام كنيسة سانت لورينتس في مدينة نورنبيرغ الألمانية.
وفي الحقيقة لا يعرض مقطع الفيديو تجمعًا لتنظيم “داعش”، بل يعرض موكبًا، وهو احتفال تذكاري ديني. وقد تمكَّن من خلال البحث العكسي عن الصور من الوصول إلى منشور نشره على فيسبوك “مركز الزهراء الثقافي نورنبيرغ”. فقد شارك هذا المركز عدة صور من الاحتفال التذكاري في 24 أغسطس 2024. ويشاهد في هذا المنشور المشهد نفسه كما في مقطع الفيديو، ولكن يتَّضح هنا أنَّ الأمر يتعلق باحتفال ديني. وقبل ذلك أعلن هذا المركز الثقافي أيضًا عن هذا الاحتفال على صفحته على فيسبوك.
ولذلك فإنَّ الرايات السوداء التي يلوح بها المشاركون ليست أعلام تنظيم “داعش”. والكتابة المكتوبة عليها ليس شعارات “داعش” بل هي أسماء أئمة وترمز إلى الحزن والحداد. ويظهر من خلال مقارنتها بصور راية داعش أنَّها ليست الراية نفسها.
تزايد الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء أوروبا
من الواضح أنَّ انتشار التحريض المعادي للإسلام لا يمثِّل حالة موجودة في ألمانيا وحدها، وذلك لأنَّه يتزايد أيضًا في غيرها من الدول الأوروبية – ويشتعل خاصةً بسبب هجمات مشابهة لهجوم زولينغن، مثلًا بعد هجوم قاتل وقع في توليدو الإسبانية. فقد طُعن هناك في منتصف أغسطس 2024 صبي عمره أحد عشر عامًا. وبعد وقت قصير من ذلك ربطت العديد من المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مزيَّف هذا الهجوم بمهاجر مسلم من أصول شمال أفريقية. بينما كان منفذ الهجوم بحسب معلومات رسمية من الحرس المدني الإسباني شابًا إسبانيًا عمره عشرون عامًا.
وغالبًا ما يتبع انتشار حملات التضليل ضد المسلمين والهجرة في أوروبا نمطًا معينًا، تقول السيِّدة لورينا مارتينيز وهي رئيسة هيئة تحرير أوروبا في منظمة تدقيق الحقائق “حقائق منطقية”، “إنَّهم يبدؤون بالأخبار الساخنة ويقصفون الجماهير بمحتويات تهدف إلى قيادتهم إلى طريق تكهنات ذات نتيجة حتمية مفادها: أنَّ المسلمين والمهاجرين يشكلون تهديدًا وجوديًا لأوروبا”.
لقد اتضحت العواقب المحتملة للكراهية عبر الإنترنت في ساوثبورت البريطانية. فبعد هجوم طعن وقع في أواخر يوليو 2024 وقُتلت فيه ثلاث فتيات، انتشرت العديد من التكهنات في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ادعى هنا أيضًا وبشكل غير صحيح العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أنَّ الجاني مهاجر مسلم . ولكن بحسب معلومات الشرطة فإنَّ الجاني وُلِد لأبوين روانديين في مدينة كارديف عاصمة ويلز في المملكة المتحدة. لقد أدَّت الأخبار الكاذبة حول أصل ودين الجاني إلى قيام الجماعات اليمينية المتطرِّفة بأعمال عنف شديدة في إنكلترا وأيرلندا الشمالية.
هل تؤدي الكراهية عبر الإنترنت إلى الجريمة؟
عمل الفاعلون اليمينيون المتطرِّفون والمؤثرون والمتصيِّدون عبر شبكة الإنترنت إلى زيادة تأجيج الاضطرابات من خلال مشاركتهم صور تم التلاعب ببعضها. مثلًا ادعوا في هذا المنشور أنَّ “لوبي التعددية الثقافية” أدَّى – بحسب تعبيرهم – إلى قيام رجال الشرطة بتقبيل أقدام الأئمة في لندن. ولكن عند التدقيق في الصورة تُلاحظ بعض التفاصيل التي تبيِّن أنَّها صورة مركَّبة بالذكاء الاصطناعي. فهكذا تبدو جوه الأشخاص الموجودين في الخلفية مشوَّهة، وإحدى قدمي الشرطي في وضع جسدي غير طبيعي وكذلك الظلال لا تتوافق مع الواقع.
وعلى الرغم من ذلك فقد شارك الكثير من المستخدمين هذه الصورة. وجاء في تغريدة من حساب ألماني على موقع إكس: “إذا استمرت الدولة في حماية الإسلامويين من المواطنين بدلًا من حمايتها المواطنين من الإسلام السياسي، فستكون لدينا في جميع أنحاء أوروبا مشاهد [من أعمال شغب وعنف]”.
وبالإضافة إلى ذلك فقد دعت بعض الشخصيات اليمينية المعروفة إلى الانضمام إلى أعمال العنف في ساوثبورت ومهاجمة المساجد. وتشير في الواقع الأرقام الرسمية إلى وجود زيادة في الجرائم المعادية للإسلام. وفي بريطانيا سجَّلت منظمة “أخبر ماما” التي توثِّق الحوادث المعادية للمسلمين داخل المملكة المتحدة – زيادة الجرائم ضد المسلمين بنسبة (7) أضعاف بين السابع من أكتوبر والسابع من فبراير بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2023.
وهذا يشبه ما يحدث في ألمانيا: فقد ارتفعت في عام 2023 الأعداد هنا بالمقارنة مع العام السابق إلى أكثر من الضعف. كما أنَّ عُشر هذه الجرائم تقريبًا كانت ذات طبيعة عنيفة، بحسب “التحالف الألماني ضد الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين”. وكذلك يمكن ملاحظة مثل هذه التطورات في النمسا وفي دول أوروبية أخرى.
إكس وتيلغرام: موقعين لنشر الكراهية والتحريض
تحوَّلت بشكل خاص منصة التواصل الاجتماعي إكس، تويتر سابقًا، إلى موقع لنشر الكراهية والتحريض والمعلومات المضللة. وتزيد هذا الاتجاه أكثر التغييرات غير المتوقعة في سياسة الموقع والادعاءات المشكوك فيها من قِبَل رئيس موقع إكس إيلون ماسك. فقد ادعى مثلًا خلال الاضطرابات في بريطانيا أنَّ وقوع الصراع لا يمكن تجنبه عندما تُجْمَع ثقافات متناقضة من دون اندماج. وشارك عشرات المنشورات من مؤثرين يمينيين مع متابعيه البالغ عددهم 195.8 مليون. وكذلك توفِّر منصات مثل تيلغرام مساحة للمحرِّضين اليمينيين من أجل نشر الكراهية والتهديدات. فقد تجمع بعد عمليات القتل في ساوثبورت عشرات الآلاف هناك من أجل الدعوة إلى العنف والتدمير وكذلك الهجوم على مسجد.
تنظيم المنصات ما يزال صعبًا
تحاول الدول الأوروبية منذ فترة طويلة إلزام منصات التواصل الاجتماعي باتخاذ إجراءات صارمة ضد خطاب الكراهية ضد المسلمين والطوائف الدينية. ومن خلال قانون إنفاذ الشبكات الألماني (NetzDG) وما يعرف باسم قانون الخدمات الرقمية (DSA) الصادر عن الاتحاد الأوروبي، يُفترض أن تقوم شبكات التواصل الاجتماعي بالتحقق عن كثب مما يحدث على منصاتها.
وبعد أن أثارت المعلومات المزيفة على الإنترنت أعمال عنف وشغب يمينية في بريطانيا، بدأت الحكومة البريطانية أيضًا التفكير في تغيير قوانينها الوطنية للسلامة على الإنترنت. وبموجب القوانين المعمول بها حاليًا يجب على شركات منصات التواصل أن تتوقَّع غرامات مالية عند تهاونها في مراقبة المحتويات غير القانونية مثل الدعوات إلى العنف أو خطابات الكراهية. ومن الممكن أن تسمح التغييرات المقترحة بمعاقبة الشركات عندما تنشر أو تسمح بنشر محتويات “قانونية ولكنها ضارة” مثل المعلومات الخاطئة.
وحول شركات منصات التواصل الاجتماعي قال الباحث في الدراسات الإعلامية والتواصل السياسي بجامعة أمستردام الدكتور بهارات غانيش إنَّ “هذه الشركات يمكنها أن تتصرف في الواقع مثل ديكتاتوريات إذا أرادت ذلك. وهي تعمل بحسب أيديولوجية طفولية تسيء فهم حرية التعبير. ومن الواضح أنَّ السياسات المتَّبعة في منصات كهذه جعلت هذه العملية أسوأ”. وأضاف أنَّ تطبيق هذه القوانين يبقى بذلك تحديًا. وذلك على الأقل طالما أن هذه الشركات تتمتَّع بقدر عالٍ من الحرية وسلطة اتخاذ القرار في بلدانها الأصلية مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين.
رابط مختصر .. https://eocr.eu/?p=12120