باريس تمهد للإعلان عن انسحاب عسكري جزئي من الساحل الأفريقي -مكافحة الإرهاب
الشرق الأوسط – ما كان يهمس به همساً، ويطرح على سبيل الفرضية، فيما خص مصير قوة «برخان» الفرنسية المنتشرة في بلدان الساحل الأفريقي، خصوصاً في مالي، أصبح اليوم شبه مؤكد بعد التصريحات التي أدلت بها وزيرة الدفاع فلورانس بارلي لصحيفة «لو بارزيان» المنشورة في عدد الأمس. فقد أعلنت بارلي، دون مواربة، أن فرنسا «سوف تضطر -على الأرجح- إلى تعديل انتشار قواتها، إذ إن التعزيزات التي أرسلت العام الماضي، وقوامها 600 رجل، بحكم تعريفها إجراء مؤقت». مكافحة الإرهاب
وتنشر باريس حالياً، في إطار عملية «برخان» التي انطلقت صيف عام 2014، ما لا يقل عن 5100 رجل، معززين بقوة جوية ودعم لوجيستي. ويمكن النظر لتصريحات بارلي على أنها «تمهيد» للقرار الذي يفترض أن يتخذه الرئيس الفرنسي بمناسبة القمة الفرنسية – الأفريقية التي ستضم -مبدئياً- إلى جانب ماكرون، قادة دول الساحل الخمس (موريتانيا، ومالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، وتشاد»، في نجامينا أواخر الشهر الحالي أو بداية الشهر المقبل.
وتفيد المصادر الفرنسية أن مطلب الانسحاب الجزئي أو عملية «إعادة الانتشار» مقبول عسكرياً، كما أنه يستجيب لتساؤلات الرأي العام الذي لا يرى أفقاً لانتهاء الانخراط العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، حيث خسرت باريس حتى اليوم 50 جندياً، بينهم 20 قتلوا في انفجار عبوات ناسفة بدائية الصنع توضع على جوانب الطرقات، وتنفجر لدى مرور الدوريات الفرنسية.
تجدر الإشارة إلى أن باريس خسرت 5 جنود الأسبوع الماضي وحده، في تفجيرين منفصلين وقعا في المنطقة المسماة «الحدود المثلثة» الخاصة بمالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث تنشط التنظيمات الإسلاموية. وربطت بارلي بين تخفيض عدد القوة الفرنسية و«النجاحات العسكرية الكبيرة» التي تحققت خصوصاً في الصيف الماضي، ومنها القضاء على عدد من «الرؤوس» الكبيرة في التنظيمين الرئيسيين، وهما «القاعدة في الصحراء الكبرى» و«داعش».
وبحسب بارلي، فإن «برخان» حققت في عام 2020 «نجاحات عسكرية كبيرة، سواء من خلال قتل عدد من كبار المسؤولين في الجماعات الإرهابية أو من خلال مهاجمة سلاسل التوريد الخاصة بهم». وكانت الوزيرة الفرنسية تشير خصوصاً إلى القضاء على قياديين من «القاعدة»، هما الإسلاموي الجزائري عبد الملك درودكال الذي قتل في ضربة جوية شمال مالي في شهر يونيو (حزيران) الماضي، والثاني هو با أغ موسى الذي كان يعد القائد العسكري لـ«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، وأحد الكوادر التاريخية للتيار «الجهادي» في منطقة الساحل.
بيد أن تكاثر الضحايا العسكرية بفعل العبوات الناسفة يطرح إشكالية أخرى على القيادة العسكرية بسبب ما يعد ضعفاً في الحماية التي توفرها المدرعات الخفيفة المستخدمة في تنقل العسكريين وفي الدوريات الاستعلامية، كما في حالة مقتل الجنديين اللذين لقيا حتفهما يوم السبت الماضي. وثمة مطالب داخل القوة الفرنسية باستخدام ناقلات أفضل تدريعاً، من شأنها حماية الجنود من العبوات البدائية التي تحولت إلى السلاح المفضل للمجموعات «الجهادية».
وقالت بارلي إن «الإرهابيين يستخدمون سلاح الجبناء»، معبرة عن أملها في «فعل المزيد من أجل حماية جنودنا بشكل أفضل». وليس سراً أن بين باريس وباماكو اختلاف قديم في الرؤى، لجهة كيفية التعامل مع المجموعات المتمردة». فقد عارضت فرنسا دوماً سياسة اليد الممدودة التي أرادتها مالي. وقد بدا ذلك واضحاً في المفاوضات التي أدت إلى الإفراج، الخريف الماضي، عن مئات المتمردين، مقابل إطلاق سراح 5 رهائن، بينهم رهينة فرنسية.
والحال أن المؤشرات تدل على أن باريس آخذة في تغيير موقفها، وهو ما يبدو من تصريحات بارلي التي وإن استبعدت «التفاوض مع مجموعات إرهابية، مثل القاعدة وتنظيم داعش، تقتل بشكل عشوائي وأياديها ملطخة بالدماء»، فإنها في المقابل تركت الباب مفتوحاً للتفاوض مع «الأشخاص الذين ألقوا أسلحتهم، والذين لا يتصرفون بموجب عقيدة متطرفة إجرامية».
وربطت باريس بانضمام من يرغب في الحوار معها إلى اتفاقيات الجزائر للسلام المبرمة في عام 2015. ولا شك أن الخسائر البشرية الفرنسية الأخيرة تعرقل نوعاً ما الخطط الفرنسية، حيث كانت باريس تعول على «النجاحات» الميدانية التي حققتها «برخان»، بالتعاون مع القوة الأفريقية المشتركة التابعة لدول الساحل الخمس، لإتمام عملية خفض القوات. ومن هنا، فإن بعض المراقبين لا يستبعدون أن تعد التنظيمات «الجهادية» خفض عدد «برخان» على أنه دليل ضعف. ومن المعروف أن باريس تراهن على انخراط القوة الأفريقية بشكل أكبر في مقاتلة «الجهاديين» لتقليص أعبائها البشرية والمادية. كما تراهن، في السياق عينه، على مزيد من الدعم الأوروبي، خصوصاً عبر قوة الكوماندوس الأوروبية المسماة «تاكوبا» التي أخذت شيئاً فشيئاً في الظهور في مسرح العمليات.
وفي سياق فرنسي منفصل، أعلن لوران نونيز، المسؤول عن تنسيق عمليات مكافحة الإرهاب، أن القوى الأمنية نجحت العام المنصرم في «إحباط هجومين إرهابيين»، وما مجموعه 33 عملية منذ عام 2017. بيد أن المسؤول الفرنسي امتنع عن إعطاء أي تفاصيل عن التواريخ والأهداف، واعتبر في لقاء صحافي جماعي أمس أن الإرهاب الإسلاموي يعد «تهديداً ذا أولوية»، جاعلاً إياه «داخلي المنشأ» بالدرجة الأولى، ما يجعل إحباط خططه أكثر صعوبة.
تجدر الإشارة إلى أن البرلمان الفرنسي، بمجلسيه «النواب والشيوخ»، سيبدأ هذا الشهر مناقشة مشروع قانون محاربة الانفصالية الإسلاموية الذي أعدته الحكومة. وبالإضافة إلى الإرهاب، أشار نونيز إلى إحباط 5 هجمات منذ عام 2017 خطط لها اليمين المتطرف الفرنسي.
رالط مختصر.. https://eocr.eu/?p=5281