المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
مكافحة الإرهاب ـ كيف يمكن للحكومات الأوروبية التعامل مع استعادة مقاتليها الأجانب؟
أعلن تنظيم داعش في العام 2014، عن قيام “دولة الخلافة” وقد تزامن ذلك مع سفر 53,000 شخص من 80 دولة لدعم تنظيم داعش. يُشار أن هناك عدد من النساء سافر إلى مناطق الصراعات للالتحاق بتنظيم داعش، لعدة أسباب منها “الجهل، أو الإكراه، أو اتباع أوامر أزواجهن”، وانتهى المطاف بالعديد منهن في السجون ومخيمات الاحتجاز في تلك المناطق. وفي مارس 2019، عندما خسر تنظيم داعش بلدة الباغوز السورية، آخر معقل له، اُحتُجز الآلاف من الأفراد في شمال شرق سوريا. وبينما نُقل الرجال والأولاد إلى معسكرات الاعتقال، وُضعت النساء والأطفال في مخيمي الهول والروج. تضم هذه المخيمات أكثر من 40,000 نسمة، 8,500 منهم من دول غير سوريا والعراق.
الوضع في مخيمات الاحتجاز
تشير التقديرات أن إمدادات الغذاء والدواء شحيحة، وأيديولوجية تنظيم داعش لا تزال قائمة بين المحتجزين. كما عادت بعض من يُطلق عليهن “عرائس داعش” إلى بعض الدول الأوروبية والغربية كأستراليا. فعلى سبيل المثال في 26 سبتمبر 2025، وصلت امرأتان و4 أطفال إلى فيكتوريا بعد تهريب أنفسهم من أحد مخيمات الاحتجاز في سوريا. واحتُجزت المجموعة في لبنان قبل اجتيازها الفحوصات الأمنية وإصدار جوازات سفر أسترالية لها.
كما كشفت تقارير استخبارية فرنسية أن فرنسا هي البلد الأوروبي الذي غادر أكبر عدد من الجهاديين في أوروبا، بحوالي 1450 شخصًا، وهم أشخاص تزيد أعمارهم عن 13 سنة. تمسكت فرنسا بموقفها تجاه مقاتليها في صفوف تنظيم داعش. ورفضت السلطات الفرنسية إعادة البالغين، بل ومعظم الأطفال، متحدية بذلك ضغوط جماعات حقوقية وخبراء أمنيين فرنسيين وجهات أممية ودولية تطالب بإعادتهم.
أكد مسؤولون أمنيون عراقيون، في 18 سبتمبر 2025، أنه تم تسليم 47 مواطنًا فرنسيًا إلى السلطات العراقية، بعد أن كانوا محتجزين في شمال شرق سوريا للاشتباه في انتمائهم إلى تنظيم داعش. ووفقًا لما ذكره ثلاثة مسؤولين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم بسبب حساسية الملف، فإن عملية النقل جرت بالتنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وأن هؤلاء الأفراد سيُحاكمون في العراق بتهم تتعلق بالإرهاب والانخراط في أنشطة مرتبطة بالتنظيم.
أوضح المسؤولون أن المواطنين الفرنسيين كانوا محتجزين في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لقوات قسد، وتخضع هذه المنشآت لحراسة مشددة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، التي يهيمن عليها الأكراد وتلقى دعمًا لوجستيًا وعسكريًا من الولايات المتحدة. تُعدّ عملية التسليم هذه جزءًا من الجهود المبذولة لإعادة المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش إلى بلدانهم الأصلية في ظل تحديات أمنية متزايدة تواجهها الدول لاسيما الأوروبية في إدارة ملف الاعتقال والاحتجاز.
ليست سابقة أولى
هذه ليست المرة الأولى التي يُسلّم فيها مواطنون فرنسيون من سوريا إلى العراق بغرض المحاكمة. ففي عام 2019، نُقل 13 مواطنًا فرنسيًا من سوريا إلى بغداد، حيث خضعوا لمحاكمات أمام القضاء العراقي بتهم تتعلق بالإرهاب والانضمام إلى تنظيم داعش، وقد أثار الأمر في حينه جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والدبلوماسية بسبب المخاوف من تطبيق عقوبة الإعدام، وهي عقوبة لا تتماشى مع السياسة القضائية الفرنسية. كما سبق أن تم تسليم آلاف المواطنين العراقيين من مراكز الاحتجاز السورية إلى بغداد، ضمن تفاهمات أمنية مستمرة بين قوات قسد والسلطات العراقية. ووفقًا للمسؤولين العراقيين، فقد تسلم العراق حتى الآن نحو 3192 سجينًا عراقيًا من سوريا، حُكم على 724 منهم بالإعدام، بينما حُكم على 1381 آخرين بالسجن المؤبد، في محاكمات تتعلق بانخراطهم في أعمال إرهابية أو تقديم الدعم لتنظيم داعش.
لا تزال الدول الغربية والأوروبية مترددة في إعادة مواطنيها.
هناك أسباب مختلفة لذلك، تشمل المخاوف الأمنية بشأن التهديد الذي يشكله هؤلاء، والقلق داخل المجتمعات التي تواجه احتمال العيش المشترك معهم، وبالطبع، العقبات اللوجستية العملية لإعادتهم فعليًا وجمع المعلومات الاستخباراتية اللازمة لتحديد دوافعهم وأفعالهم. ويأتي هذا على الرغم من تأكيد المنظمات غير الحكومية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة إنقاذ الطفولة (Save the Children) أن هؤلاء المحتجزين يُحتجزون تعسفيًا وغير قانونيًا ولأجل غير مسمى.
يرى الخبراء أن كان بالإمكان تجنب هذا الوضع الغير المستقر حيث أن الالتزام القانوني والإنساني والوطني والأمن الدولي للدول الأوروبية والغربية هو إعادة مواطنيها إلى الوطن، وإعادة تأهيلهم، ومحاكمتهم أو إعادة إدماجهم فبدون الإعادة الرسمية إلى الوطن، هناك مخاطرة بعودة غير منظمة لمقاتلي داعش، ينتُج عنها تهديدات بتنفيذ عمليات إرهابية وفشل في تقديم المقاتلين الأجانب النتورطين في أعمال إرهابية إلى العدالة.
ضغوط أمريكية متواصلة
تواصل الولايات المتحدة الضغط على الدول الغربية المعنية، من أجل إعادة مواطنيها المحتجزين في سوريا إلى أوطانهم. وترى واشنطن أن استمرار وجود هؤلاء الأفراد، دون محاكمات رسمية أو عمليات إعادة مؤسسية، يُشكل تهديدًا أمنيًا طويل الأمد، ليس فقط لسوريا والعراق، بل للمنطقة برمتها. وقد دعت الإدارة الأمريكية مرارًا إلى ضرورة تحمّل الدول الغربية مسؤولياتها تجاه رعاياها من المنتمين أو المتعاطفين مع تنظيم داعش، ورفضت فكرة “التنصل” من المشكلة عبر تركهم في مناطق خارجة عن السيطرة المركزية، أو تحميل دول مثل العراق عبء محاكمتهم ومعاقبتهم.
تقول صوفيا كولر، المحللة البحثية البارزة في مركز CEP: “بعد ست سنوات من سقوط “الخلافة”، ورغم أعمال الشغب العديدة في السجون ومحاولات الهروب، لم يبذل المجتمع الدولي، ولا سيما الحكومات المتضررة من الأزمة، جهودًا كافية لإيجاد حلٍّ عملي لهؤلاء المعتقلين وخاصةً الرجال والنساء”. مضيفةً: “إن استمرار هذا الجمود يُثقل كاهل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ويُعيق تحقيق العدالة كما يُمثل تهديدًا أمنيًا خطيرًا للمنطقة وخارجها، لا سيما في أعقاب سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024”.
المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا



