المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
مكافحة الإرهاب ـ كيف يستخدم داعش التكنولوجيا الحديثة في تجنيد مقاتليه وتمويل عملياته؟
حذّر مسؤولو مكافحة الإرهاب في تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة في أغسطس 2025، من أن التهديد الذي يشكله تنظيم داعش لا يزال ديناميكيًا ومتطورًا رغم مرور أكثر من عقد على انهيار ما كان يُعرف. أشار التقرير إلى أن القارة الأفريقية أصبحت اليوم المسرح الأكثر نشاطًا للتنظيم على مستوى العالم، حيث تزايدت الهجمات وتنامت شبكات التجنيد والتمويل بشكل مقلق.
يقول فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، إن “العديد من قادة داعش لقوا مصرعهم خلال السنوات العشر الماضية، إلا أن التنظيم أظهر قدرة لافتة على التكيّف والاحتفاظ بقدراته العملياتية الأساسية، بما في ذلك إدارة الفروع الإقليمية وتنسيق الهجمات عبر مناطق متباعدة جغرافيًا”. وأوضح أن داعش أصبح أشبه بشبكة لامركزية تعمل من خلال خلايا صغيرة ومراكز مالية عابرة للحدود، ما يجعل القضاء عليه بالكامل أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
داعش في أفريقيا: تمدد جغرافي وخطر متزايد
تعتبر منطقة الساحل الأفريقي، الممتدة من موريتانيا إلى السودان، الأكثر تأثرًا بنشاط التنظيم. فقد تحولت ولاياته المحلية، ولا سيما “ولاية غرب أفريقيا”، إلى مصدر رئيسي للدعاية المتطرفة وللتجنيد الإلكتروني الذي يستهدف الشباب المهمش في الدول الهشة. وتشير التقارير الأممية إلى أن التنظيمات المنضوية تحت راية داعش في هذه المنطقة تمكّنت من فرض نفوذ فعلي في مناطق خارج سيطرة الحكومات المركزية، وتوسيع شبكات تهريب السلاح والمقاتلين عبر الحدود.
يؤكد التقرير أن هذه الجماعات لا تكتفي بالعمليات الإرهابية، بل تعمل على اختراق المجتمعات المحلية عبر الإغاثة والخدمات البديلة التي تقدمها في مناطق النزاع، في محاولة لكسب شرعية اجتماعية. وقد حذّر فورونكوف من أن تفاقم الأزمات الإنسانية وضعف التنمية في دول الساحل يوفّران بيئة مثالية لتمدد هذه الجماعات، داعيًا إلى تنسيق الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة هذا التحدي.
استمرار التهديد في العراق وسوريا وأفغانستان
ورغم تراجع التنظيم في الشرق الأوسط، فإن نشاطه لم ينقطع حيث لا يزال يسعى إلى إعادة بناء هياكله الميدانية. ففي سوريا، يستغل التنظيم الفوضى الأمنية والانقسام بين القوى المحلية ليشنّ عمليات لا سيما في مناطق البادية. في أفغانستان، يشكّل تنظيم “داعش خراسان” أحد أخطر التهديدات في آسيا الوسطى، حيث استغل التوترات السياسية وضعف السيطرة الحكومية بعد انسحاب القوات الغربية. وقد صعّد التنظيم من هجماته ضد الأقليات الدينية والمصالح الأجنبية، في محاولة لتأكيد حضوره وتوسيع رقعة نفوذه الإقليمي. وحذّر التقرير من أن التنظيم يسعى لاستخدام الأراضي الأفغانية كنقطة انطلاق لعملياته في الدول المجاورة.
معسكرات الاعتقال: قنبلة موقوتة تهدد الأمن الإقليمي
في شمال شرق سوريا، لا تزال قضية مخيم الهول والمخيمات المشابهة تمثل واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في مكافحة الإرهاب. إذ يعيش هناك عشرات الآلاف من النساء والأطفال، كثير منهم من عائلات مقاتلي داعش، في ظروف توصف بأنها غير إنسانية. وأشار فورونكوف إلى أن “هذه البيئات تشكّل أرضًا خصبة للتطرف وإعادة التجنيد”، محذرًا من أن استمرار احتجاز هؤلاء دون حلول جذرية سيؤدي إلى ظهور جيل جديد من المتطرفين. دعا المسؤول الأممي إلى إعادة مواطني الدول الأجنبية من هذه المخيمات بشكل آمن وطوعي، مع التركيز على برامج إعادة التأهيل والرعاية النفسية والاجتماعية للأطفال، الذين يشكّلون نسبة كبيرة من سكان هذه المعسكرات. وأضاف أن “السكوت عن هذه الأزمة سيحوّلها إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن الإقليمي والدولي على المدى الطويل”.
داعش والتكنولوجيا الحديثة: تحوّل في أدوات الإرهاب
حذّرت الأمم المتحدة من التزايد المقلق في استخدام داعش للتكنولوجيا الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي وتقنيات التشفير الرقمي. تقول إليسا دي أندا مادرازو، رئيسة مجموعة العمل المالي (FATF): “إن التنظيم أصبح يستخدم منصات الذكاء الاصطناعي لتصميم محتوى دعائي متطور ولتجنيد الأفراد عن بُعد، بالإضافة إلى الاعتماد على العملات المشفرة لتحويل الأموال بعيدًا عن أعين أجهزة المراقبة المالية”. أشارت مادرازو إلى أن “الترابط المتزايد بين التقنيات الرقمية والأساليب التقليدية في غسل الأموال وتمويل الإرهاب يجعل من الصعب تعقّب مصادر الدعم”. بينما أكدت ناتاليا جيرمان، رئيسة المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب: “أن العالم يقف عند مفترق طرق بين التحول التكنولوجي السريع والتوترات الجيوسياسية المتزايدة، وهو ما يجعل تهديد الإرهاب أكثر تعقيدًا وانتشارًا من أي وقت مضى”.
الوقاية والاستجابة طويلة الأمد
شدد فورونكوف على أن الوقاية تظل السلاح الأقوى في مواجهة الإرهاب، مشيرًا إلى أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي. أوضح فورونكوف: “إن معالجة جذور التطرف مثل الفقر، والبطالة، والتمييز، وانعدام العدالة تمثل الركيزة الأساسية لأي استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب”. وأضاف فورونكوف: “أن الاستثمار في التعليم وتمكين الشباب وبرامج الوعي المجتمعي أكثر فاعلية وأقل تكلفة من خوض حروب مفتوحة ضد الإرهاب بعد وقوعه”. أكدت الأمم المتحدة في تقريرها أن التعاون الدولي يجب أن يظل مستدامًا ومتكيفًا مع التغيرات المستمرة في أساليب الإرهاب، داعية الدول الأعضاء إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية وتعزيز القدرات التقنية، لا سيما في إفريقيا والشرق الأوسط.
اختتم فورونكوف قوله بالتأكيد على أن “داعش لم يُهزم بعد، لكنه يمكن احتواؤه من خلال عمل جماعي متماسك يعالج الأسباب الجذرية ويمنع عودة الإرهاب في صور جديدة”. وأوضح أن العالم اليوم أمام اختبار حقيقي لقدرته على مواجهة التهديد العابر للحدود الذي يمثله هذا التنظيم، في وقت تتقاطع فيه التحولات التكنولوجية مع هشاشة الأنظمة السياسية في عدد من المناطق. بهذا، يعيد تقرير الأمم المتحدة تسليط الضوء على واقع مقلق: أن الإرهاب لا ينتهي بانتهاء الحروب، بل يتكيّف بأشكال جديدة، وأن الخطر الحقيقي لا يكمن في بقاء التنظيم فحسب، بل في قدرته على إعادة تشكيل نفسه في البيئات المنهكة سياسيًا واقتصاديًا”.
المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا



