مكافحة الإرهاب ـ طهران توسع أنشطتها الاستخباراتية داخل ألمانيا
photo121-76

أكتوبر 27, 2025 | دراسات

المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا

في تطور جديد أثار قلق أجهزة الأمن الأوروبية على حد سواء، كشفت تقارير عن تفاصيل مؤامرة إرهابية كان يُخطط لها في العاصمة الألمانية برلين، يقف خلفها بحسب جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) الحرس الثوري الإيراني. وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد المخاوف من أنشطة الاستخبارات الإيرانية في أوروبا، التي تتخذ طابعًا أكثر جرأة وتنظيمًا خلال السنوات الأخيرة، في وقت تتزايد فيه حدة التوتر بين طهران والعواصم الغربية بشأن ملفات عدة، من بينها البرنامج النووي الإيراني والعقوبات المفروضة عليها.

عمليات تجسس لصالح إيران

ألقت قوات الأمن الدنماركية خلال العام 2025 القبض على مواطن دنماركي من أصول أفغانية في مدينة آرهوس، بعد الاشتباه في تورطه بعمليات تجسس لصالح إيران. ووفقًا للتحقيقات الأولية، فإن هذا الشخص كان يقوم بجمع معلومات دقيقة حول مؤسسات وجمعيات يهودية في العاصمة الألمانية برلين، من بينها مراكز ثقافية ودينية ومدارس يهودية. وتشير المصادر الأمنية إلى أن الرجل كان يتصرف بطريقة توحي بأنه في مهمة استخباراتية محددة، حيث كان يرصد مواقع الكاميرات، وأنظمة الحماية، وأوقات فتح وإغلاق المؤسسات المستهدفة.

حدد الموساد هوية الضابط الإيراني المسؤول عن هذه الشبكة، ويدعى سردار عمار، وهو أحد قيادات الحرس الثوري الذين يشرفون على العمليات الخارجية المرتبطة بما يُعرف بـ”فيلق القدس”. وتشير المعلومات إلى أن عمار كان يدير شبكة واسعة من العملاء والمجندين في أوروبا، يعتمد فيها على تجنيد أشخاص من جنسيات مختلفة لا تربطهم صلات مباشرة بإيران، لتفادي كشف صلة طهران بهذه الأنشطة. كانت السلطات الألمانية تراقب المشتبه به الدنماركي منذ فترة طويلة، وإن مكتب المدعي العام الاتحادي في كارلسروه كان قد فتح تحقيقًا رسميًا بعد حصوله على أدلة بأن الرجل زار برلين في رحلات استطلاعية متكررة، التقط خلالها صورًا لمؤسسات يهودية وحدد ثلاثة أهداف محتملة للهجوم. ومع أن السلطات لم تكشف عن أسماء تلك المؤسسات، فإنها أشارت إلى أن الإجراءات الأمنية تم تعزيزها في عدة مواقع بالعاصمة منذ ذلك الحين.

القضية لا تتعلق بألمانيا وحدها

أثارت هذه التطورات ردود فعل حادة في الأوساط السياسية الألمانية، إذ قال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول : “إذا تأكدت هذه الشكوك، فسيكون ذلك حادثًا يؤكد مجددًا أن إيران تُشكل تهديدًا لليهود في جميع أنحاء العالم، وأن نشاطها الاستخباراتي يتجاوز كل الخطوط الحمراء”. وأضاف الوزير أن ألمانيا: “لن تتهاون مع أي محاولات لاستهداف الجاليات الدينية أو خلق أجواء من الخوف في البلاد”. يبدو أن القضية لا تتعلق بألمانيا وحدها، فالموساد تحدث عن ارتباطات أوسع لشبكة الضابط الإيراني سردار عمار، تشمل تحضيرات مشابهة لعمليات إرهابية في دول أخرى مثل اليونان وأستراليا. وأشار البيان إلى أن النهج الذي تتبعه طهران في إدارة هذه العمليات يقوم على مبدأ “الإرهاب بلا بصمات”، أي تنفيذ الهجمات عبر وسطاء أجانب، ومجرمين محترفين، وشبكات تهريب، بحيث يصعب تتبع الخيوط إلى إيران مباشرة.

اعتبر الموساد أن هذا التطور يمثل تصعيدًا خطيرًا في أساليب الحرس الثوري، الذي يسعى إلى توسيع نطاق أنشطته خارج الشرق الأوسط، مستهدفًا المصالح الإسرائيلية واليهودية أينما وجدت. كشفت تقارير أن اليونان خلال العام 2025 قد أحبطت مخططًا مشابهًا لاستهداف مطعم يهودي في أثينا، وأن التحقيقات التي أجرتها المخابرات اليونانية بالتعاون مع نظيراتها الإسرائيلية والأوروبية، قادت إلى كشف خيوط مشتركة بين تلك الشبكة والضابط الإيراني ذاته. أما في أستراليا، فقد وصل الأمر إلى أزمة دبلوماسية مباشرة، إذ أعلنت الحكومة الأسترالية طرد السفير الإيراني من كانبيرا بعد اكتشاف تورط دبلوماسيين إيرانيين في اتصالات مع أفراد يُشتبه في انتمائهم إلى نفس الشبكة الإرهابية.

إحباط العديد من محاولات الهجوم

يؤكد الموساد أن “الأنشطة المكثفة والتنسيق المستمر مع الشركاء في إسرائيل والخارج” سمحا بإحباط عشرات من محاولات الهجوم التي كانت تستهدف مؤسسات يهودية وسفارات إسرائيلية حول العالم. وأشار إلى أن هذه الجهود “أنقذت أشخاص كثيرة ومنعت أزمات أمنية خطيرة”، مشددًا على أن طهران تعمل في الخفاء على بناء “بنية تحتية للإرهاب العابر للحدود” عبر القارة الأوروبية. وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه الملف الإيراني توترًا غير مسبوق بين طهران والعواصم الأوروبية، إذ تتهم الدول الغربية إيران باستخدام وكلائها وشبكاتها الاستخباراتية في تنفيذ عمليات اغتيال أو مراقبة معارضين ونشطاء داخل أوروبا. وقد سبق لأجهزة الأمن في ألمانيا والدنمارك وفرنسا أن أعلنت خلال العامين الماضيين عن تفكيك خلايا مرتبطة بإيران كانت تخطط لهجمات على معارضين أو أهداف إسرائيلية.

يحذر خبراء الأمن في برلين من أن هذه العمليات تمثل تحولًا نوعيًا في استراتيجية إيران، التي باتت ترى في أوروبا ساحة صراع مفتوحة بعد تضييق الخناق عليها في الشرق الأوسط. ويقول محللون إن توظيف إيران لعناصر من دول ثالثة مثل المواطن الدنماركي ذي الأصول الأفغانية يعكس محاولتها التمويه على أنشطتها وتجنب أي مواجهة دبلوماسية مباشرة مع الدول الأوروبية.

مع تصاعد هذه التهديدات، تعالت الدعوات إلى فرض مزيد من العقوبات على الحرس الثوري الإيراني، وإدراجه رسميًا على قائمة التنظيمات الإرهابية، وهي خطوة لا تزال موضع جدل. لكنّ الحادث الأخير في برلين قد يدفع بهذا الملف إلى الواجهة من جديد، خاصة مع تنامي المخاوف من أن تكون هذه المحاولات جزءًا من استراتيجية أوسع تستهدف ضرب المصالح الإسرائيلية واليهودية في القارة، وإرسال رسائل ردع غير مباشرة إلى إسرائيل وحلفائها الغربيين.

بينما تواصل الأجهزة الأمنية تحقيقاتها، تتزايد القناعة في الأوساط الأوروبية بأن التهديد الإيراني لم يعد يقتصر على الشرق الأوسط، بل بات خطرًا أمنيًا عالميًا يتطلب ردًا منسقًا على المستوى الدولي. بهذه الخلفية، يبدو أن حادث التجسس في برلين لم يكن سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الصراعات الخفية بين طهران والغرب، تتخذ فيها الجغرافيا الأوروبية مسرحًا جديدًا للمواجهة الاستخباراتية.

https://eocr.eu/?p=12432

المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا

تابعنا على تويتر

مقالات ذات صلة

مكافحة الإرهاب في بريطانيا ـ كيف يمكن للحكومة مواجهة جرائم الطعن؟

مكافحة الإرهاب في بريطانيا ـ كيف يمكن للحكومة مواجهة جرائم الطعن؟

المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا مكافحة الإرهاب في بريطانيا ـ كيف يمكن للحكومة مواجهة جرائم الطعن؟ أعاد حادث الطعن المروّع الذي وقع على متن قطار، وأسفر عن إصابة تسعة أشخاص بجروح تهدد حياتهم، تسليط الضوء مجددًا على مشكلة العمليات الإرهابية والجريمة بالسكاكين...

إلى أي مدى أسهمت حروب الشرق الأوسط في تأجيج الإسلاموفوبيا الأوروبية؟

إلى أي مدى أسهمت حروب الشرق الأوسط في تأجيج الإسلاموفوبيا الأوروبية؟

المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا إلى أي مدى أسهمت حروب الشرق الأوسط في تأجيج الإسلاموفوبيا الأوروبية؟ تشير البيانات إلى أن الحوادث المعادية للمسلمين داخل الاتحاد الأوروبي ارتفعت منذ هجمات "حماس" في أكتوبر 2023، خاصة في النمسا وبلجيكا وبلغاريا. ووفقًا لأحدث...

مكافحة الإرهاب ـ كيف تنجح خلايا “داعش” في جمع الأموال من داخل ألمانيا؟

مكافحة الإرهاب ـ كيف تنجح خلايا “داعش” في جمع الأموال من داخل ألمانيا؟

المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا مكافحة الإرهاب ـ كيف تنجح خلايا "داعش" في جمع الأموال من داخل ألمانيا؟ تتلقى منظمات متطرفة مثل تنظيم "داعش" أموالًا من داخل ألمانيا بطرق يصعب تعقّبها، إذ يستخدم التنظيم وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات تحت غطاء إنساني أو...