المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
مكافحة الإرهاب ـ تمديد العقوبات الأوروبية على تنظيمي داعش والقاعدة
جدد الاتحاد الأوروبي في 27 أكتوبر 2025 نظام العقوبات المستقلة المفروضة على تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، إلى جانب الأشخاص والجماعات والكيانات المرتبطة بهما، وذلك لمدة عام إضافي يمتد حتى 31 من أكتوبر عام 2026. ويأتي هذا القرار في إطار السياسة الأوروبية الرامية إلى مواصلة الضغط على التنظيمات الإرهابية التي ما زالت تمثل تهديدًا عالميًا للأمن والسلم الدوليين رغم تراجع نشاطها الميداني في بعض المناطق.
ماذا تشمل العقوبات؟
يشمل النظام الأوروبي الحالي للعقوبات 15 شخصًا و7 مجموعات تم تحديدهم بوصفهم على صلة مباشرة أو غير مباشرة بتلك التنظيمات أو بأذرعها الإقليمية. وتفرض العقوبات تجميدًا شاملًا للأصول المالية والممتلكات التابعة لهؤلاء الأشخاص والكيانات، كما يُحظر على جميع الأفراد والمؤسسات داخل دول الاتحاد تقديم أي تمويل أو دعم مادي أو موارد اقتصادية لهم. أما الأفراد المدرجون على القائمة فيخضعون أيضًا لحظر سفر يمنعهم من دخول أراضي الاتحاد الأوروبي أو المرور عبرها. يؤكد الاتحاد الأوروبي أن هذا النظام من التدابير التقييدية يشكل ركيزة أساسية في سياسته الأمنية، وأنه يعمل جنبًا إلى جنب مع العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي ضد التنظيمين. غير أن الاتحاد يحتفظ بإمكانية اتخاذ خطوات إضافية بشكل مستقل، تعكس قدرته على التحرك السريع لمواجهة أي تهديدات جديدة تظهر داخل أو خارج أراضيه.
منذ أن أطلق الاتحاد الأوروبي هذا النظام المستقل في سبتمبر عام 2016، سعى إلى تطويره وتحديثه بانتظام ليواكب طبيعة التحديات المتغيرة. فبعد سنوات من مواجهة داعش في العراق وسوريا، أدركت الدول الأعضاء أن التنظيمات لم تُهزم بالكامل، بل غيّرت استراتيجيتها نحو العمل اللامركزي والانتشار عبر الشبكات الصغيرة والخلايا النائمة، مع استغلال الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر أفكارها وجذب عناصر جديدة. ولذلك، ترى بروكسل أن الإبقاء على نظام العقوبات يشكل أداة ضرورية لحرمان هذه التنظيمات من التمويل والقدرة على التحرك.
العقوبات تحمل رسائل سياسية
ويشير دبلوماسيون أوروبيون إلى أن العقوبات لا تقتصر على المنع المالي فحسب، بل تحمل رسالة سياسية واضحة، مفادها أن الاتحاد الأوروبي لن يتسامح مع أي نشاط يدعم أو يبرر الإرهاب تحت أي غطاء. فالهدف، كما يقول المسؤولون، ليس فقط معاقبة الأفراد أو الكيانات الضالعة في أعمال الإرهاب، بل تجفيف البيئة التي تسمح بانتشاره أو تمويله أو الترويج له. يشدد الاتحاد الأوروبي على أن التهديدات الإرهابية ما زالت قائمة رغم تفكك العديد من البنى التنظيمية لداعش والقاعدة في الشرق الأوسط. ففروع التنظيمين لا تزال تنشط في مناطق مختلفة من إفريقيا وآسيا، كما أن بعض الخلايا المتمركزة في أوروبا تحاول إعادة بناء شبكاتها من خلال القنوات الرقمية أو عبر استغلال النزاعات الإقليمية. ويعتبر الاتحاد أن هذه التحولات تفرض عليه تحديث أدواته القانونية والأمنية باستمرار لمواجهة التحديات المستجدة.
إلى بناء سياسة أوروبية أمنية موحدة
يأتي القرار في سياق أوسع من الجهود الأوروبية الرامية إلى بناء سياسة أمنية موحدة أكثر صلابة في مواجهة الإرهاب الدولي. إذ تعمل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الدول الأعضاء على تعزيز تبادل المعلومات حول التحركات المشبوهة ومصادر التمويل، كما يجري التعاون مع شركاء دوليين في الشرق الأوسط وإفريقيا لتعقب مسارات الأموال والأسلحة التي قد تصل إلى الجماعات المتطرفة. يؤكد الاتحاد الأوروبي في بيانه أن العقوبات المفروضة مكملة لتلك الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أنها تتيح للاتحاد التحرك بشكل أسرع وأكثر استقلالية عند الحاجة. فبينما تحتاج قرارات الأمم المتحدة إلى توافق دولي قد يستغرق وقتًا طويلًا، يستطيع الاتحاد الأوروبي تعديل قائمته أو توسيعها بناءً على تقييمات أجهزته الاستخباراتية دون انتظار قرار أممي جديد.
يرى مراقبون أن هذا النوع من العقوبات يشكل أحد أشكال القوة الأوروبية، إذ يجمع بين الردع القانوني والتأثير الاقتصادي والسياسي. فالاتحاد الأوروبي يعتمد في سياسته الخارجية على مزيج من الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية بدل التدخل العسكري المباشر، ما يمنحه قدرة على فرض مواقفه عبر منظومة القوانين والعقوبات. وقد أثبتت التجربة، أن هذا النهج أسهم في تقليص قدرة بعض التنظيمات على تمويل عملياتها في أوروبا وشمال إفريقيا.
السياسات لا تخلو من انتقادات حقوقية
لا تخلو هذه السياسات من انتقادات. فبعض المنظمات الحقوقية ترى أن العقوبات الفردية، خاصة تلك التي تشمل تجميد الأصول أو حظر السفر، قد تؤدي إلى تجاوزات إن لم تُرافق بضمانات قانونية كافية. لذلك يحرص الاتحاد الأوروبي على مراجعة قائمته بانتظام، وعلى إتاحة حق الطعن للأشخاص أو الكيانات المدرجة إذا تمكنوا من تقديم أدلة على عدم تورطهم في أي نشاط إرهابي. يظل التحدي الأكبر، وفق الخبراء الأمنيين الأوروبيين، هو مواجهة التطرف الرقمي، إذ بات الإنترنت المجال الرئيسي الذي تتحرك فيه الدعاية الإرهابية. فبعد انهيار البنى الميدانية لتنظيم داعش، اتجهت جهوده نحو الفضاء الإلكتروني، حيث يعتمد على شبكات مشفرة ومنصات مغلقة لتجنيد الأتباع وتبادل المعلومات وتمويل العمليات الصغيرة. ولهذا تعمل المفوضية الأوروبية بالتعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى على تطوير أدوات لرصد المحتوى المتطرف وإزالته بشكل أسرع، مع الحفاظ في الوقت ذاته على حرية التعبير وحقوق المستخدمين.
تعزيز التنسيق بين أجهزة الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية
يُتوقع أن يؤدي تمديد العقوبات حتى عام 2026 إلى تعزيز التنسيق بين أجهزة الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المالية لمتابعة أي حركة أموال مشبوهة، وتوسيع نطاق المراقبة على المعاملات العابرة للحدود. كما قد يسهم هذا القرار في تشجيع دول الجوار الأوروبي على تبني إجراءات مماثلة، بما في ذلك تجميد الحسابات البنكية وتقييد حركة الأشخاص الذين يشتبه في صلتهم بالمنظمات الإرهابية. ورغم أن التهديدات التي تمثلها داعش والقاعدة قد فقدت كثيرًا من زخمها مقارنة بما كانت عليه في منتصف العقد الماضي، فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر أن أي تراخٍ في المراقبة أو رفع للعقوبات قد يتيح لتلك التنظيمات استعادة أنشطتها. لذلك يؤكد المسؤولون الأوروبيون أن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى مزيد من الوقت لتنسيق بين المستويات الأمنية والاقتصادية والقانونية كافة.
إن تجديد العقوبات الأوروبية يمثل في النهاية إشارة إلى أن الاتحاد لا يزال متمسكًا بدوره العالمي في محاربة التطرف وحماية النظام الدولي من مخاطر الجماعات المتطرفة. فالمسألة لا تتعلق فقط بالأمن الداخلي، بل بمسؤولية الاتحاد تجاه شركائه في مناطق الصراع، الذين يواجهون تهديدات مباشرة من هذه التنظيمات. كما يعكس القرار تصميم أوروبا على الحفاظ على نظام دولي قائم على القانون والالتزام المشترك بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله ومصادره.
المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا



