مكافحة الإرهاب ـ  تحديات الأمن السيبراني في إسبانيا
مكافحة الإرهاب

يوليو 26, 2022 | دراسات

الإرهاب السيبراني: التحديات والفرص – مكافحة الإرهاب

مرصد الأزهر ـ  لا شك أن واحدًا من أخطر التحديات المعاصرة التي تواجه الأفراد والمجتمعات والحكومات على حد سواء، هو التطور الرقمي السريع، الذي بدأ مع ظهور الإنترنت عام 1969م، ثم حقق طفرة كبيرة مع الألفية الجديدة، حتى أصبح العالم الافتراضي واقعًا يفرض نفسه على جميع الأنشطة البشرية. وينطوي هذا التطور على جوانب إيجابية وسلبية على السواء بحسب الغرض.  وقد برزت على سطح الأزمات العالمية مشكلة الإرهاب السيبراني أو الرقمي، الذي تحول إلى واحدة من أخطر آليات العمل التي اعتمدتها التنظيمات الإرهابية في السنوات الأخيرة. ووفق إحصائية الداخلية الإسبانية عام 2017م، فقد بلغت عمليات التجنيد الإلكتروني للعناصر المتطرفة حوالي (80%) منذ عام 2014م؛ أي بالتزامن مع سطوع نجم تنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا والعراق، وهو بدوره يشير إلى تراجع آليات التجنيد المباشرة عن طريق المعايشة والتعامل المباشر مع العناصر التي تنفذ خطط التجنيد. ومن الأسباب الرئيسية في شيوع وانتشار التجنيد الإلكتروني مقارنة بالتجنيد التقليدي، هو ارتباط الإرهاب السيبراني بالوسائط الحديثة والدعاية الجاذبة. ‏والإرهاب السيبراني أو الرقمي (Cyberterrorism) عبارة عن: “استخدام التقنيات الحديثة لتحقيق عدة أهداف منها إرهاب الآخرين ومحاولة السيطرة عليهم، أو هو القيام بمهاجمة نظم المعلومات على خلفية دوافع سياسية أو عرقية أو دينية”.

 تحديات الأمن السيبراني – مكافحة الإرهاب

يُعرف الإرهاب الدولي، وتحديدًا الإرهاب المبني على أساس ديني، بأنه الأكثر استخدامًا للشبكة لنشر أفكاره وطرقه الهجومية، وبالتالي فهو يدمج أشكالًا جديدة من الآليات التي تهدف إلى التجنيد أو التدريب أو تلقين عقيدة الكراهية لدى الذئاب المنفردة. وتتلخص التحديات التي تواجه أجهزة الأمن السيبراني، وفق نشرة مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة، في أربع نقاط رئيسة هي:

  1. الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية الحيوية والحواسيب الخاصة بالمؤسسات.
  2. انتشار المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت.
  3. الاتصالات الإرهابية عبر الإنترنت.
  4. تمويل الإرهاب الرقمي أو السيبراني.

وقد سارعت العديد من دول العالم إلى اتخاذ تدابير احترازية للتعامل مع هذا النوع من الإرهاب. على سبيل المثال قررت الإدارة الأمريكية إنشاء لجنة حماية البنية التحتية بالغة الخطورة عام 1996م، وتقوم بعزل وحماية الأنظمة الهامة عن الاتصال الخارجي، واستخدام أفضل البرامج لتعزيز كلمات المرور والحماية، والتشفير، وهو أحد أكثر طرق الحماية شيوعًا. وفي بحث بعنوان: (الإنترنت…الحقبة الجديدة للجريمة: الجريمة الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني والتشريع والأمن السيبراني) أكد الباحث الإسباني “بيثنتي بونس جامون” تطوير من أسماهم بـ “مجرمي الإنترنت” تقنيات وأساليب انتهاك الأنظمة الأمنية، وإساءة استغلال استعداد السلطات غير المناسب للتعامل مع هذه المشكلة الجديدة. ويعزو (جامون) تنامي خطر الجريمة الإلكترونية إلى الزيادة الهائلة في عدد مستخدمي الإنترنت بشكل غير متوقع، حيث ارتفعت الأعداد من (14) مليونًا عام 1993م إلى (2.9) مليار مستخدم عام 2014م. وقد تحول الإنترنت الآن إلى ضرورة أساسية تفوق استخدام كثير من أساسيات الحياة البشرية، حيث يعتمد غالبية المواطنين اعتمادًا شبه كامل على أنظمة الحاسوب في جميع العمليات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما فتح مجالات جديدة للجريمة، ووضع سلاحًا خطيرًا في أيدي المجرمين والإرهابيين.

من هذا المنطلق يمكننا وصف الفضاء السيبراني بـ (مجال الحرب الاصطناعي) وهو يختلف عن مجالات الحرب الأربعة الأخرى (الأرض والجو والبحر والفضاء)؛ ويمتاز بارتباطه الوثيق والمدعوم بالوسائل المادية، مثل: شبكات الطاقة، حتى إذا شُنَّ هجومٌ على هذه المنظومة (الطاقة أو المعلومات) فقد يكون له تداعيات خطيرة على إستراتيجيات الأمن الوطنية والدولية. ومن خصائص الجريمة الإلكترونية يمكن الإشارة إلى:

  1. سهولة ارتكابها.
  2. انخفاض أو انعدام تكلفتها.
  3. يمكن ارتكابها في ولاية قضائية بعيدة عن محل التنفيذ.
  4. الاستفادة من الثغرات القانونية واللجوء إلى ما يسمى بـ”الملاذات الإلكترونية” في التضليل وإخفاء شخصية الجاني وبقائه في مأمن من أي تصرف دفاعي بشري قد يحبط مخططه.

ومن بين الجرائم المصنفة على أنها جرائم إلكترونية: الاحتيال، والسرقة، والابتزاز، والتزوير، واختلاس الأموال العامة، وقد ظهرت مؤخرًا جرائم جديدة تستخدم تقنيات المعلومات والاتصالات، مثل: المضايقة الإلكترونية ضد حرية الأشخاص، واكتشاف الأسرار والكشف عنها، والجرائم ضد الملكية الفكرية، وابتزاز القصّر جنسيًّا والتجسس الإلكتروني.  ويمكن للعناصر الإرهابية شن هجمات من أي نوع ضد أجهزة الحاسب أو الشبكات أو المعلومات واستخدامها ضد الأنظمة والشبكات والأفراد، كما يمكنهم استخدام الإنترنت للدعاية والتحريض والتهديد وتمويل الهجمات وتجنيد متعاطفين جدد؛ حيث إنهم بالقليل من التدريب والشعارات، يستطيعون تحقيق أهدافهم. وبحسب (جامون) تستطيع العناصر الإرهابية من خلال الإنترنت الاتصال ليس فقط بأعضاء المنظمات الإرهابية ذاتها، ولكن أيضًا بأعضاء من مجموعات مختلفة، وهناك المئات من المواقع التي تدعم الإرهاب حول العالم، تتيح إمكانية تبادل المعلومات حول كيفية صنع المتفجرات وتشكيل الخلايا الإرهابية وتنفيذ الهجمات.

 إسبانيا والإرهاب السيبراني – مكافحة الإرهاب

رسم يوضح الجرائم الإلكترونية ونسبها في إسبانيا من 2011م إلى ٢٠١٥م احتلت إسبانيا في العام 2014م المرتبة الثالثة، بعد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من حيث التعرض إلى أكبر عدد من الهجمات الإلكترونية. وقد بلغ عدد الجرائم الإلكترونية عام 2015م حوالي (70000) حالة وفق تصريحات وزير الخارجية الإسباني.  وتعددت الأدوات القانونية الإسبانية في مواجهة الإرهاب السيبراني، فبخلاف مجموعة القوانين واللوائح والإستراتيجيات الوطنية للأمن السيبراني، قامت الدولة الإسبانية بإعداد هيكلي للمؤسسات، وأنشأت عدة جبهات للدفاع السيبراني مثل المعهد الوطني للأمن السيبراني (INCIBE)، ومركز الاستجابة لحوادث الأمن السيبراني (CERTSI)، ومكتب الأمن القومي (ONS)، والمركز الوطني للتشفير (CCN)، والقيادة المشتركة للدفاع السيبراني، والمركز الوطني لحماية البنى التحتية الحيوية (CNPIC)، والوحدات المتخصصة داخل قطاعات الأمن، مثل مجموعة مواجهة الجرائم عن بُعد، ومجموعة الإرهاب الإلكتروني التابعة للحرس الوطني. كما أفضت تجربة مكافحة الإرهاب في إسبانيا إلى تشريعات جنائية فعالة بهدف التصدي للإرهاب الذي قامت به العصابات المسلحة، مثل: إيتا (Euskadi Ta Askatasuna) أو GRAPO (مجموعة مقاومة الأول من أكتوبر المناهضة للفاشية)، حيث كان محور المعالجة الجنائية للإرهاب هو تعريف المنظمة الإرهابية، وتصنيف تلك السلوكيات التي يرتكبها من انضموا إليها أو تعاونوا معها.

كما دعت التهديدات التي تلقتها إسبانيا مؤخرًا إلى تحديث اللوائح لاستيعاب ظاهرة الإرهاب الفردي والسلوكيات التي تشكل مصدر قلق للمجتمع الإسباني والدولي، بما يتماشى مع القرار رقم 2178 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي هذا السياق تم تعديل القانون الأساسي 2/2015 إلى القانون الجنائي؛ لمواجهة جرائم الإرهاب الناشئة عن التهديدات الجديدة؛ وذلك انطلاقًا من أن المعيار القضائي الأول لمواجهة الإرهاب السيبراني هو توسيع السلطة القضائية في هذه القضية.

كما تسعى إسبانيا إلى تطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية، والذي يسمح للدولة بالتصرف خارج أراضيها، بغض النظر عن جنسية الجناة أو الضحايا، حيث تضطر الدول إلى تكييف نظامها القانوني لضمان سلامة المواطنين.  ويحدد الفصل الرابع من إستراتيجية الأمن القومي الإسبانية، الذي أعدته وزارة الأمن القومي في إسبانيا عام 2013م، مجالات عمل محددة في مجال مكافحة الإرهاب، تحدد مسارات مختلفة للتعامل مع قضية الإرهاب السيبراني، وهي: مكافحة الإرهاب منذ نشأته (المنع)؛ وتعزيز نقاط الضعف (الحماية)، والتعامل مع النشاط الإرهابي (التتبع)، وسرعة الاستجابة لاستعادة الوضع الطبيعي (المرونة)، كما أن الإستراتيجية تضمن زيادة القدرة على الوقاية والكشف، والتحقيق والتعامل مع التهديدات السيبرانية، وضمان وتعزيز أمن أنظمة المعلومات والشبكات والبنى التحتية الحيوية، وتعزيز القدرات على التحقيق في الأنشطة الإرهابية ومقاضاة مرتكبيها، وتكثيف التعاون الدولي.

ومن بين الجهود التي بذلتها إسبانيا على المستوى الأوروبي في مجال الدفاع السيبراني مشاركة وزارة الدفاع عضوًا في الدفاع السيبراني التعاوني بمركز التميز للدفاع الإلكتروني التعاوني (CCD COE) التابع لحلف الناتو، ويقع في إستونيا، والذي أنشأه الناتو، وهو منظمة متعددة الجنسيات تقدم خدمات البحث والتطوير والتدريب لحلف الناتو، من بين منظمات أخرى.  وقد بذل الاتحاد الأوروبي جهودًا ملموسة في مجال الدفاع السيبراني، فمن ناحية، ركز على الدفاع عن البنى التحتية الحيوية، وإطلاق برنامج محدد مع البرنامج الأوروبي لحماية البنى التحتية (PEPIC)، مدعومة بشبكة تحذير للبنية التحتية بالغة الخطورة (شبكة معلومات تحذير البنية التحتية بالغة الخطورة CIWIN)، ومن ناحية أخرى، عزز الاتحاد حماية نظم المعلومات وطوَّر من الجانب التشريعي، في محاولة لتوحيد قوانين الدولة في مواجهة هذا الخطر.

 النتائج:  

إن تصاعد وتيرة أعمال الإرهاب والجريمة الإلكترونية بشكل عام أصبح أمرًا يثير القلق، فلا يمكن لأي شخص أن يكون بمنأى عن هذه الجرائم في الوقت الحالي أو في المستقبل، وذلك يرجع إلى تطور أساليب هذا النوع من الإرهاب، واعتماده على أحدث البرامج في ممارسة أنشطته التي تهدد الدول والأفراد على حد سواء، وفي هذا السياق لا يجب أن تكون أساليب الدفاع أبطأ أو في  مستوى أدنى من الاحترافية من تلك الأساليب الإرهابية، وإلا وقع العالم كله فريسة للتنظيمات الإرهابية، التي تنفق بسخاء على جهازها الإعلامي الرقمي، الذي يعزز هذا النوع من الإرهاب.

إن تحديث التشريعات والقوانين ومواءمتها مع مستجدات الأوضاع قد أصبح ضرورة لا ينبغي تجاوزها، وهي تجربة أظهرت إسبانيا كفاءة عالية فيها، بعد تجارب متعددة مع التنظيمات الإرهابية متنوعة الأشكال والأيديولوجيات.  ويؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن لتوحيد الجهود دورًا مهمًّا في مواجهة هذه الأنشطة الإرهابية الخبيثة، التي تتطلب المزيد من أنظمة الدفاع السيبراني، فلا يمكن بحال من الأحوال التصدي لها بأنظمة دفاعية بسيطة وتقليدية، وعلى ذلك فلا بد أن يتحول الدفاع السيبراني إلى شبكة عالمية موحدة.  كما يجدر التنويه إلى أن العالم الآن بحاجة إلى مزيد من الخبراء ومحترفي التعامل مع الفضاء السيبراني لمواجهة المخاطر القائمة والمحتملة؛ فلم تعد الأولويات العلمية الآن كسابق عهدها، بل يجب إعادة ترتيبها وفقًا لظروف العصر ومتطلباته؛ ولذا فإن المرصد يحث الشباب على التسلح بهذه المهارات التي سيعول عليها في المستقبل القريب بشكل كامل لمواجهة قوى الشر والظلام، وعليهم أن يدركوا أن العالم بحاجة ماسة إلى الوسائل الاقتصادية والبشرية والتكنولوجية الفعالة لمواجهة كل هذه المخاطر.

رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=8992

تابعنا على تويتر

مقالات ذات صلة

اليمين المتطرف في ألمانيا ـ استغلال  فنون الدفاع عن النفس لتعزيز الإيديولوجية

اليمين المتطرف في ألمانيا ـ استغلال فنون الدفاع عن النفس لتعزيز الإيديولوجية

 المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا يصل أكثر من 200 ضابط شرطة إلى اجتماع يضم حوالي 130 رجلاً وامرأة في منطقة هاشنبورج الصغيرة في منطقة فيسترفالد. يتعلق الأمر بحدث فنون قتالية - ذو خلفية يمينية متطرفة. خلال مداهمة ليلية كبرى في منطقة فيستروالد، فضت الشرطة اجتماعًا...

اليمين المتطرف ـ فرار المتطرفين من تيليجرام إلى سيمبلكس

اليمين المتطرف ـ فرار المتطرفين من تيليجرام إلى سيمبلكس

 المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا فر بعض المتطرفين من اليمين المتطرف من تيليجرام إلى ملاذ جديد: سيمبلكس، خدمة الرسائل التي حصلت للتو على أكثر من مليون دولار في التمويل بمساعدة جاك دورسي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تويتر، والمعروفة الآن باسم إكس. بدأت الهجرة...

ألمانيا ـ اتخاذ إجراءات صارمة في حالة الإدلاء بتصريحات معادية للسامية

ألمانيا ـ اتخاذ إجراءات صارمة في حالة الإدلاء بتصريحات معادية للسامية

 المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا من المقرر تنظيم مسيرات في وقت لاحق من سبتمبر 2024 لإحياء ذكرى هجمات السابع من أكتوبر 2023. سوف تتصاعد المشاعر وستواجه الشرطة مهمة صعبة. أعلنت وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيزر (SPD) عن اتخاذ إجراءات صارمة في حالة الإدلاء...

Share This