انتشار الجماعات الإرهابية وموقف الدول الإفريقية في التعامل معها -مكافحة الإرهاب
مرصد الأزهر- الإرهاب ظاهرة تستحق التوقف والتأمل والدراسة؛ لمعرفة أسبابها ودوافعها ونتائجها على التعايش السلمي بين أفراد المجتمع، فقد أصبح من القضايا التي تمثل تهديدًا على السِّلم في مختلف المجالات وفئات المجتمع، وخاصة وسط فئات الشباب، وبات يهدد الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية في العديد من بقاع العالم، ويفجر الصراعات التي من شأنها تعطيل حركة تقدم المجتمع، ومن ثم عرقلة التنمية والتطور العلمي والاقتصادي.
وبالحديث عن القارة الإفريقية، نجد أن العوامل الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في انتشار الجماعات الإرهابية في العديد من دولها، كما تلعب تلك العوامل دورًا كبيرًا في استقطاب الشباب نحو التطرف، وما أكثر تلك العوامل التي تستغلها الجماعات المتطرفة، من أمثال حركة “الشباب”، وجماعة “بوكو حرام”.
ويمكن النظر إلى ازدياد أنشطة الجماعات الإرهابية في إفريقيا خلال الآونة الأخيرة من عدة جوانب، وذلك على الرغم من تحرك قادة بعض الحكومات الإفريقية، وخاصة الرئيس النيجيري “محمد بخاري” لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه، لكن ثمة تحديات قاهرة تعوق من تحقيق تلك الأمنيات التي لطالما حلم بها كل أبناء القارة الإفريقية؛ كضعف الميزانية، وعدم وجود قوات أمنية على قدر كبير من الخبرة والقدرة الكافية للتعامل مع تلك الحركات الإرهابية، فضلًا عن الاختلافات الداخلية، والمشكلات الاقتصادية، والفقر، والبطالة، كلها تحديات أدّت إلى وجود جماعات مثل جماعة “بوكو حرام”، “داعش غرب إفريقيا”، وحركة “الشباب الصومالية” وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي استطاعت نشر الإرهاب في إفريقيا.
من جانب آخر، ساعدت المشكلات الاقتصادية في بعض الدول الإفريقية في جذب الجماعات الإرهابية للمزيد من الشباب العاطلين اليائسين.
وكما يقول محللون سياسيون، فإن ضعف القبضة الأمنية في المناطق الحدودية وازدياد معدل الفقر، ووجود المجاعات، وشح الماء والنزاعات القبلية في المناطق الزراعية من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انتشار الجماعات الإرهابية في القارة الإفريقية، هذا وقد أدت الضربة الأمنية المهمة التي طالت الجماعات الإرهابية في “سوريا” و”العراق” إلى بحث تلك الجماعات عن مناطق جديدة للتواجد فيها، ولم تجد أفضل من القارة الإفريقية للتواجد بداخلها، ولهذا قامت بترحيل عدد من مقاتليها إلى إفريقيا. مكافحة الإرهاب
من جانب آخر أدّت النزاعات السياسية والاقتصادية في بلدان عديدة مثل “ليبيا” و”إفريقيا الوسطى” و”الصومال” و”موزمبيق” و”مالي” إلى إتاحة الفرصة للإرهابيين للتسلل إليها. وإذا نظرنا إلى تلك الأسباب الواقعية، والتي أدت بالفعل إلى انتشار تلك الجماعات في القارة الإفريقية.
نجد أن الفقر يمثل عاملًا مهمًّا من العوامل التي تلعب عليها الجماعات الإرهابية وتستغلها بشكلٍ كبير في وضع قدم لها داخل الأراضي الإفريقية، فالفقر في حد ذاته أرض خصبة تستغلها الجماعات الإرهابية في غرس بذور التطرّف من خلال اللعب على وتيرة الفاقة والعوز وتلبية احتياجاتهم، ومن ثمَّ العمل على تجنيدهم ضمن صفوف تلك الجماعات؛ حيث تذهب الجماعات الإرهابية إلى المناطق الفقيرة التي تعاني من البطالة والفقر وتستغل تلك الظروف لاستمالة الشباب الناقم على الحياة والوضع والمجتمع، وتعِدُه بحياة أفضل وأكثر سعادة وأبدية في الجنة؛ لذلك كان العامل الاقتصادي أحد العوامل الأساسية التي تدفع الشباب نحو الانخراط في مثل هذه التنظيمات.
كذلك يقع العديد من الشباب فريسة للجماعات الإرهابية بسبب الشعور بالإحباط واليأس الذي يتولَّد من الضغوط التي يتعرضون لها من قبل المجتمع أو الأسرة، مما يجعل الشباب في حالة من اليأس والتخبط والتيه. إلى أن وصل الأمر بهم إلى الاتجاه للانضمام للجماعات الإرهابية، مثل حركة “الشباب” و “بوكو حرام” وغيرها من التنظيمات الإرهابية في محاولة للهروب من الواقع وزعم الانتقام من المتسببين في تهميشهم. مكافحة الإرهاب
كما ذكر تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (ICG) أن بعض النساء في شمال شرق نيجيريا اخترن الانضمام طواعيةً إلى جماعة “بوكو حرام” المتطرفة، أَمَلاً في حياة أفضل، نتيجة إحباطهن بسبب الفقر والتمييز. ونقلت مؤسسة “تومسون رويترز” عن مدير مجموعة(ICG) في غرب إفريقيا، “رينالدو دوبانيه”، قوله: “إن بعض النساء محاصرات في الحياة المنزلية، وجماعة “بوكو حرام” هي بمثابة المهرب لهن”، مضيفًا أن “هذا الواقع يعكس اليأس الكبير لدى كثير من النساء في نيجيريا”.
ويعتبر الجهل من أهم العوامل التي تساعد على خلق بيئة خصبة لانتشار التطرف والإرهاب؛ لأن الجهل يخلق أجيالًا غير متعلمة تصبح لقمةً سائغةً في أيدي تلك الجماعات المتطرفة، وقد ساهم عدم الوصول للتعليم الأساسي والبنية التحتية التعليمية الضعيفة والنقص في عدد المعلمين في التقليل من المستوى التعليمي للشباب في غرب إفريقيا والساحل الإفريقي.
ومن أجل توضيح خطورة هذه المشكلة، نجد أن هناك ما يقرب من 83 % من الشباب في ولاية “بورنو” النيجيرية أُمّيّين، ولهذا يزداد نشاط “بوكو حرام” بشكل فعال في هذه المنطقة. وفي “موريتانيا”، نلاحظ المستوى التعليمي المتدني جدًّا عند الشباب الذين يعتقلون بسبب الإرهاب، فأغلب الشباب الموريتانيين الذين قُبض عليهم بسبب المشاركة في أعمال إرهابية، بين عمر الـ 13 والـ 24 تركوا مدارسهم في المرحلة الثانوية. أما الصومال فقد أدى النقص في التعليم في شحن الشباب بمشاعر اليأس والإحباط، وعدم التطلع إلى مستقبل أفضل، ونتيجة لذلك كان من الأسهل بالنسبة لبعض الشباب أن ينضموا لتلك الحركة، بدلًا من البحث والسعي وراء شيء أعظم.
ولذلك، فإن كل تلك العوامل التي تؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع نسبة التهديد الذي يشكله التطرف العنيف على مستوى أنحاء القارة الإفريقية، تستدعي بالضرورة إعادة النظر فى التحديات القارية الحالية. وبالنظر إلى الموقف الإفريقي في التعامل مع تلك التنظيمات المتطرفة، نجد أنه بالفعل كانت هناك توجيهات سريعة ومباشرة – خلال هذا العام – من قبل الحكومات الإفريقية لمواجهة آفة الإرهاب؛ حيث كلف رؤساء الدول الإفريقية، في قمة الاتحاد الإفريقي، والتي انعقدت في فبراير 2020، مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بالنظر في تشكيل وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب، تحت مظلة القوة الإفريقية للتدخل السريع (ASF). وتم تحديد مهمة وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لـ «ASF»، حيث يمكن أن تساعد في تبسيط الطبيعة الخاصة للمهام الحالية والتي تقوم بها بعض الدول الإفريقية فى استجابتها للتهديدات الإرهابية.
وفي هذا الصدد، شُكِّل فريق عمل يضم جميع الأطراف المعنية بمكافحة الإرهاب بما في ذلك لجنة الأركان العسكرية لمجلس السلم والأمن والهيئات الإقليمية ووكالات التعاون الأمني التابعة للاتحاد الإفريقي، وذلك من أجل العمل بشكلٍ مشترك وتقديم مقترحات وحلول عاجلة من شأنها الحد من خطورة تلك الجماعات وانتشارها داخل الأراضي الإفريقية.
وعلى الرغم من كل ما ذكرناه فيما يتعلق بالجهود التي تقوم بها الحكومات الإفريقية بالتعاون مع المؤسسات المعنية بمكافحة التطرف، إلا أن القارة الإفريقية شهدت حوالي 1325 هجومًا إرهابيًّا في المدة من يناير إلى أكتوبر 2020 بزيادة تقدر بـ 20٪ مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وعلى الرغم من القيام بالعديد من عمليات مكافحة الإرهاب، ونشر الوحدات الخاصة بما في ذلك بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (AMISOM)، وقوة العمل المشتركة متعددة الجنسيات (MNJTF) ضد “بوكو حرام” بجانب العديد من البعثات غير الإفريقية، ومع ذلك، لا نستطيع القول: إن القارة الإفريقية اقتربت من هزيمة التطرف والإرهاب أو حتى احتوائه بشكل نسبي.
ولهذا، فإن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، يرى أن كل هذه الأسباب وتلك المعطيات سالفة الذكر جعلت عددًا من بعض دول القارة الإفريقية بيئة حاضنة لأغلب تلك الجماعات التي تسعى لتنفيذ أيدولوجيات معينة، والتي تتسبب في مقتل العديد من الأبرياء. هذا الأمر الخطير وغيره من الأمور التي تتسبب في انتشار الجماعات المتطرفة داخل القارة، جعل وحدة اللغات الإفريقية بالمرصد تنشر العديد من التقارير والمقالات التي توضح استغلال الجماعات الإرهابية لهذه الأسباب وتعمل عليها بشكل كبير، وفي تقرير سابق لها، ألقت الوحدة الضوء على أبرز العوامل الاجتماعية التي ساهمت بشكلٍ أساسي ومباشر في انقياد بعض الشباب الإفريقي نحو خيار التطرف؛ هربًا من الاضطراب الاجتماعي الذي يتعرضون له. مكافحة الإرهاب
كما يؤكد المرصد على أنه أصبح من الضروري على حكومات الدول الإفريقية أن توسع من ردها على الإرهاب، حيث لا يشمل التركيز على المواجهة الأمنية فقط؛ بل يمتد إلى اتخاذ تدابير وقائية تستهدف الظروف والأسباب الأساسية التي تقف وراء التطرف والعنف والإرهاب.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=5193