قراءة في استراتيجيات تنظيم داعش الإرهابي في الآونة الأخيرة – مكافحة الإرهاب
مرصد الأززهر ـ تتغير الأساليب وتتعدد الطرق التي تتبعها الجماعات المتطرفة للعبث ببلدان العالم، وكم حاولت التنظيمات الإرهابية العبث ببلادنا العربية باختلاق أزمات تنشط خلالها أذنابهم، ومع إعلان سقوط آخر معاقل تنظيم داعش الإرهابي في عام 2019م، بدأت استراتيجية التنظيم تتبع سبيل التخفي التدريجي بهدف إعادة ترتيب صفوفه مرة أخرى، ولم يترك كل عملياته فكانت تطل بوجهها القبيح بين الفينة والأخرى من خلال عمليات متنوعة على الساحة العربية.
وقد نشر مرصد الأزهر لمكافحة الفكر المتطرف عددًا من التقارير التي بيَّن من خلالها أن حالة التخفي المتبعة من قبل التنظيم تنذر بكوارث قد تحدث في المستقبل، وأن سقوط آخر معاقل داعش لا يعني انتهاء دولتهم المزعومة، وخلال الأسابيع الماضية بدأ تنظيم داعش الإرهابي يظهر مرة أخرى ببعض البلدان العراقية.
ونحاول في هذا التقرير الوقوف على عدد من السيناريوهات التي ينفذها التنظيم من خلال التأمل فيما تلوح به كلماته، وترمي إليه خطاباته؛ حيث يهدف تنظيم داعش في استراتيجيته الجديدة إلى نشر الفوضى داخل دولة العراق، ومحاولة ضرب الاقتصاد، فاتخذ من تفجير أبراج الطاقة سبيلا لذلك، في محاولة لخلق أزمات جديدة أو العمل على استمرار الأزمات الكائنة مع عرقلة سبل الوصول إلى حل لتلك الأزمات، ويتوقع المرصد تنفيذ التنظيم لعدد من السيناريوهات المطروحة مثل: نشر الصراعات الطائفية والقبلية، واقتحام السجون المكتظة بالسجناء لتهريب أفراد التنظيم.
نشر الفوضى الخلاقة — مكافحة الإرهاب
انتشرت خلال الآونة الأخيرة عمليات ممنهجة بدولة العراق يراها البعض عابرة، إلا أن خطرًا كبيرًا يكمن خلفها؛ ذلك لأن الجماعات الإرهابية تحاول تدمير المنظومة الكهربائية الشمالية في العراق بشكل تام، وقد سجل العراق خلال شهر يونيو٢٠٢١، ما يقرب من (34) تفجيرًا استهدف أبراج نقل الطاقة داخل العراق. وبمتابعة الصفحات الرسمية لتنظيم داعش الإرهابي نجده قد تبنّى هذه العمليات، مما يؤكد على أن التنظيم يتجه إلى نشر الفوضى بالعراق من جديد، منحدرًا بالمجتمع إلى مستنقع الاعتراض الدائم على قرارات الدولة ومؤسساتها، ومن ثم الانجراف إلى عمليات الفوضى في أنحاء الدولة العراقية، ولعل هذا يذكرنا بنشأة هذا التنظيم الإرهابي نفسه، فإن الفوضى التي عمَّت الدولة بعد عام 2003م كانت من العوامل الرئيسة التي ساعدته في الانتشار بدولة العراق؛ لذا فإنه يسعى الآن جاهدًا لإعادة السيناريو الماضي من جديد، ومن ثَمَّ يعيد إنتاج نفسه مرة أخرى، ليس هذا فحسب بل إنه يستعمل طُرقًا أخرى لنشر الفوضى.
نشر الفتن الطائفية بالمجتمعات العربية- مكافحة الإرهاب
إن إشعال الفتن الطائفية في المجتمعات تساعد على نشر الفوضى بالبلدان المستقرة، ومن ثم يجد المتطرف بيئته التي يهواها لينبت فيها من جديد، فما الجماعات المتطرفة إلا نبتة غريبة تُزرع في أرض الفوضى وتسقى بماء الفتن، لتَستعبِد رقاب الناس وتنهب ثرواتهم، كما أنهم يستعملون الفتن لينشغل الناس بها، وفي الوقت ذاته تجمع التنظيمات الإرهابية شتاتها وترتب صفوفها لتعيد إنتاج دولتها المزعومة، ومن الحق أن نذكِّر القارئ بفشلها في تأجيج الفتن ببعض الدول كـ”مصر” التي تنعم الآن بالاستقرار، أدام الله ذلك عليها ويسره لغيرها من دول العالم ـ
لكن تنظيم داعش الإرهابي قد نجح في تأجيج الفتن ببعض الدول مثل ما قام به “أبو مصعب الزرقاوي” مؤسس فرع القاعدة الإرهابي في العراق؛ حيث أحيا فتاوى تكفيرية قديمة أشعل بها حربًا أهليَّة راح ضحيتها آلاف الأبرياء، وها نحن اليوم نرى تنظيم داعش الإرهابي يحاول إعادة ذلك السيناريو مرة أخرى بالعراق، آملًا أن يُشعل بذلك حربًا أهليَّة لنشر الفوضى من جديد، ومن ثم إعادة إنتاج التنظيم على أرض الواقع مرة أخرى؛ لذا يناشد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف شعوب العالم بالتمسك بنقاط الاتفاق لبناء مجتمعاتهم والنهوض بها من جديد، وعدم الانجراف خلف الفتن الطائفية.
وفي ليبيا خططت التنظيمات الإرهابية لتأجيج الصراع القبلي بعد عام 2011م، ومنذ ذلك الحين والدولة الليبية مهددة بالانقسام الى ثلاثة أقاليم، طرابلس في الغرب، وبرقة في الشرق، وفزان في الجنوب، وذلك في ظل انهيار مؤسسات الدولة، والتدخلات الخارجية التي كان يستهدف أصحابها مكاسب لصالحهم دون التفات إلى مصلحة الشعب الليبي وحقوقه. وفي دراسة أعدها مركز كارنيغي للأبحاث عام 2012م، بعنوان “فوضى خطوط الحدود”، تم إلقاء الضوء على المشاكل الكبيرة التي يمكن أن يسببها الصراع القبلي في جنوب ليبيا لجميع جيرانه؛ لأن الجماعات الإرهابية تجد في الصراع القبلي بيئة خصبة لأجل مكاسب تساعدها في تنفيذ استراتيجيتها التخريبية.
ومع تفاقم الوضع الليبي وتأجيج الصراع المسلح بين الأشقاء، اتجهت الدولة المصرية لإخماد نار الفتنة بين القبائل وقدمت لهم النصح والمشورة للتوصل إلى نقاط اتفاق بين الأشقاء الليبيين، وقد أكّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه بالقبائل على أن مصر لا تقبل بتقسيم الأراضي الليبية بل تدعم وحدة واستقرار البلاد، داعيًا إلى وقف الاقتتال، والانتقال لمسار السلام، ومن ثم استطاع الرئيس قطع الطريق على التنظيمات الإرهابية، لتبدأ ليبيا في مسار صحيح يعيد الأمن والاستقرار إليها. ولم يكتف تنظيم داعش الإرهابي بنشر الفوضى من خلال اختلاق الأزمات والعزف على وتر الصراعات القبلية بل انتهج أيضًا استراتيجية أخرى في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في العراق من خلال تهريب مقاتليه من السجون. مكافحة الإرهاب
تهريب مقاتلي داعش من داخل السجون
إن التنظيمات المتطرفة تعمل بشكل كبير على جمع أوراقها المبعثرة، فخلال شهر يونيو الماضي تم إحباط عشرات العمليات التي تستهدف تهريب أتباع التنظيم من داخل السجون العراقية والسورية، وهذه المحاولات لم تأتِ عبثًا دون ترتيب وتخطيط، ومما يدلل على ذلك أن المتحدث الرسمي باسم تنظيم داعش الإرهابي أشار في تسجيله الأخير إلى السجناء التابعين للتنظيم، الأمر الذي يجعلنا ندق ناقوس الخطر، بأن التنظيم يدبر لتهريب الآلاف من أتباعه؛ حيث إن التنظيم يُعوِّل دائمًا على تهريب السجناء والاعتماد عليهم لجهل معظمهم أو نقمتهم على الدولة التي ما أدخلتهم السجون إلا بسبب جرائمهم. الجدير بالذكر أن تنظيم داعش الإرهابي قد هرَّب السجناء من مدينة الموصل عام 2014م، وقُدِّر عددهم بأكثر من (7000) مقاتل، انضموا إلى التنظيم بعد تهريبهم من السجون ، فأصبح ولاؤهم الأول والأخير للتنظيم باعتباره مَنْ خلَّصهم من تلك السجون.
يّذكر أن بالعراق ما يقرب من (١٩٠٠٠) سجين تابع لتنظيم داعش الإرهابي داخل السجون، وهؤلاء السجناء يشكلون خطرا كبيرًا على العالم كله إذا تم تهريبهم، وقد رصدت كاميرات المراقبة داخل السجون تجمعات مريبة للسجناء دون سماع لما يُدار من أحاديث بينهم فأحاديثهم بصوت لا يستطيع أحد سماعه، فالكاميرات تلحظهم دون الوقوف على ما يُخطَّط له. ويحذر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من كل السيناريوهات التي تم طرحها خلال هذا التقرير الموجز، كما يؤكد على ضرورة تشديد الحراسة على السجون القابع فيها المتطرفون، والحذر من نجاح سيناريو التهريب فهو أخطرها؛ حيث إن الوضع سيتفاقم أضعاف ما كان عليه في الماضي لو نجح تنظيم داعش الإرهابي في تنفيذه. مكافحة الإرهاب
رابط مختصر..https://eocr.eu/?p=6835