عملية إرهابية تضرب قلب باريس والقبض على شخصين مشتبه بهما -مكافحة الإرهاب
الشرق الأوسط – عاد الإرهاب، مرة أخرى، ليرخي ظلاله على فرنسا التي عانت منه بشكل كبير منذ أوائل شهر يناير (كانون الثاني)، انطلاقاً من العملية التي ضربت صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة، وأوقعت 12 قتيلاً، غالبيتهم الساحقة من محرريها والعاملين فيها.
وليس من قبيل الصدف أن عملية الأمس التي سقط فيها جريحان بالسلاح الأبيض، أحدهما في حال الخطر، أن تكون قد حصلت فيما الضالعين الأحياء في العملية الأولى يحاكمون في باريس منذ بداية الشهر الحالي. وتحظى هذه المحاكمة التي تصور من بدايتها حتى نهايتها، لتضم إلى الأرشيف الوطني، بمتابعة وتغطية إعلامية وسياسية استثنائية.
والأمر الثاني الذي لا يمكن عده أيضاً من الصدف أن ما جرى بالأمس حصل تحديداً على بعد أمتار من المقر السابق لـ«شارلي إيبدو»، وفي الشارع نفسه (نيكولا أبير) القائم في الدائرة 11 من باريس.
يضاف إلى ما سبق أربعة عناصر رئيسية: الأول أن السلاح الأبيض المستخدم عبارة عن ساطور أو سكين جزار، وهو السلاح البدائي الذي استخدم في عمليات إرهابية ضربت فرنسا وبريطانيا وألمانيا؛ والثاني أن ماريكا بريت، إحدى المسؤولات عن الصحيفة الساخرة التي بقي مقرها الجديد قيد الكتمان، ويخضع لحراسة مشددة من قبل القوى الأمنية، تلقت في الأيام الأخيرة تهديدات متتالية، وهي بدورها تتنقل بحذر شديد، ولا يفارقها أفراد الشرطة الذين يتولون حراستها؛ والثالث تلقي الصحفية المعنية مؤخراً تهديدات مباشرة، كما تلقت رسالة مشبوهة يقوم المختبر المركزي التابع لمديرية الشرطة في باريس بتفحصها.
وبالنظر لمجمل هذه العناصر، وبعد فترة قصيرة من التردد، وضعت النيابة العامة المتخصصة بشؤون الإرهاب يدها على الملف، وأوكلته إلى الجهات المتخصصة للتحقيق، ما يدل بشكل واضح على أن السلطات القضائية تعد أن ما حصل هو عمل إرهابي.
أما العنصر الرابع، فإن «شارلي إيبدو» عمدت في الثاني من سبتمبر (أيلول)، أي قبيل بدء المحاكمة، إلى إعادة نشر الصور الكاريكاتورية التي عدها المسلمون مسيئة للنبي محمد، والتي تذرع بها الأخوان كواشي لارتكاب مقتلتهما بداية عام 2015.
وما يزيد من وقع الحادثة الشحنة الرمزية التي تحملها إلى درجة أن رئيس المحكمة الجنائية المتخصصة بالشؤون الإرهابية أمر بداية بعد ظهر أمس بتعليق الجلسة لأن من بين الحاضرين أهالي ضحايا الـ12 الذين قتلوا بالرصاص، صباح السابع من يناير (كانون الثاني) عام 2015. مكافحة الإرهاب
وفي الساعات الأولى، حصل بعض التشويش في المعلومات المتداولة، ومنها مصدرها رسمي، إذ قيل بداية، نقلاً عن شرطة باريس، إن الضحايا أربعة جرحى، بينهم اثنان في حال الخطر الشديد، ليتبين لاحقاً أنهما اثنان فقط. كذلك حصل تخبط بشأن عدد المهاجمين، ليتبين لاحقاً أنهما اثنان تم إلقاء القبض على الأول قريباً من ساحة الباستيل الشهيرة، على بعد عشرات الأمتار من موقع الحادثة، عندما لوحظ وجود آثار دماء على سترته. أما الثاني فقد وقع بيد الأمن في مكان ليس ببعيد.
وحتى عصر أمس، تحفظت الشرطة عن كشف هويتهما أو دوافعهما. وما يمكن أن يساعد المحققين على الإسراع في التحقيق أن كاميرا مراقبة منصوبة قريباً من مقر «شارلي إيبدو» القديم صورت ما حصل. وأعلن ريمي هايتز، مدعي عام باريس، أن المشتبه به الرئيسي تم توقيفه، فيما قبض على الشخص الثاني للتحقق من علاقاته مع «الفاعل الرئيسي». مكافحة الإرهاب
وبالنظر للتداعيات وخطورة الحادثة، فإن كبار المسؤولين الفرنسيين تابعوا التطورات من «مركز إدارة الأزمات» الواقع في الطوابق السفلى من وزارة الداخلية. وعمد رئيس الحكومة، جان كاستيكس، إلى وضع حد لاجتماع عام كان يشارك فيه، وانتقل برفقة وزير الداخلية جيرالد دارمانان ليتفقدا موقع الحادثة، وبعدها إلى مركز إدارة الأزمات. أما الرئيس إيمانويل ماكرون، فقد تابع من قصر الإليزيه، واطلع تباعاً على تفاصيل ما يجري.
وككل مرة، عمدت القوى الأمنية إلى فرض طوق محكم حول مكان الحادثة، إذ انتشرت قوات من رجال الشرطة المسلحة ببنادق آلية. وطلبت مديرية شرطة العاصمة من المدارس والمؤسسات والسكان التزام الحذر والبقاء في الداخل مخافة أن يكون للفاعلين شركاء.
وهكذا، أمر مديرو 5 مدارس تضم آلاف التلامذة بإغلاق الأبواب، ومنع خروج التلاميذ، فيما أغلقت مداخل شارع نيكولا أبير، ودعي المواطنون إلى البقاء بعيداً عن منطقة الحادثة. وبعد الظهر، إثر فترة من الانتظار، انتقل الملف إلى القضاء المتخصص في الشؤون الإرهابية الذي أمر بفتح تحقيق قضائي بشأن «محاولة قتل على علاقة بمخطط إرهابي» وتشكيل «عصابة إرهابية مجرمة». وتمكن هذه التهمة المبدئية السلطات من إبقاء الشخصين المشتبه بهما رهن التوقيف الاحتياطي 72 ساعة.
وقالت شاهدة تابعت ما حصل إن زميلين كانا يدخنان سيجارة خارج مكتب شركة الإنتاج الإعلامي التي يعملان فيها، عندما رأت أحدهما ينزف دماً، ويلاحقه رجل يحمل سكيناً.
وبعد معلومات أفادت بأن أحد الجريحين في حالة خطر شديد، ذكر رئيس الحكومة عصراً أن «حياتهما ليست في خطر». وشدد كاستيكس على «تمسك الحكومة الذي لا يلين بحرية الصحافة، وعزمها الثابت على محاربة الإرهاب بالوسائل كافة».
وكتب كريستوف دولوار، أمين عام جمعية «مراسلين بلا حدود»، أن «هذا العنف يمثل تهديداً لنا جميعاً في فرنسا وخارجها». وفي السابع من الشهر الحالي، تلقت «شارلي إيبدو» مساندة عشرات الوسائل الإعلامية الفرنسية والعالمية. وغردت إدارة تحريرها كذلك عصراً لتعبر عن «دعمها وتضامنها مع جيرانها السابقين وزملائها» في شركة الإنتاج السينمائي.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=4377