اجتماعيًّا.. كيف يستغل “داعش” الأنماط الشخصية للمرأة في تجنيد النساء؟ – محاربة التطرف
مرصد الأزهرـ يعدُّ بناء الشخصية من أهم التعاليم الدينية والركائز الأساسية في الدِّين الإسلامي، ومن المعلوم أن هناك مجموعة من المقومات والعناصر التي تعمل على تحديد معالم الشخصيَّة السَّويَّة والهُويَّة الدينية في المجتمع، وبما أن الشخصيَّة هي مجموع الخصال والطباع المتنوعة التي تميز الفرد عن غيره في المجتمع، وتحدد هويته، فإننا من خلال ذلك نستطيع التنبؤ بتصرفات الأشخاص في المواقف المختلفة في الحياة الاجتماعية، بل والأحرى من ذلك نستطيع الوقوف على مدى ما يعتري الشخص من اهتمامات ماديِّة ومعنويَّة تجعل منه فريسةً سهلةً للإقناع العقلي تجاه فكرة معينة. محاربة التطرف
وهذا عينُ ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابي، حين يضع مخططًا سيكولوجيًا واجتماعيًا لفنِّ التعامل مع ضحاياه، للزج بهم في براثن التطرف، مستغلًا تنوع واختلاف أنماط الشخصية النسائية، وتنوع الاهتمامات المختلفة لكل امرأةٍ على حِده؛ لتجنيدها سواء عقليًّا بإقناعها بأفكاره السوداء، أو فعليًّا بانضمامها إلى صفوفه، ويتم استغلال الأنماط الشخصية للمرأة على هذا النحو:
المرأة ذات الشخصية القيادية – محاربة التطرف
من أهم صفات المرأة ذات الشخصية المستقلة الاعتزاز بالرأي، وحبُّ المدح والثناء على عقلها وتصرفاتها، وكما أنها تتسم بإجادة التقرب إلى القيادات؛ ذلك لأنها تتمتع بالقدرة على الإدارة والتوجيه، وتستطيع إشباع رغباتها في الهيمنة والسيطرة على الضعفاء، فتستمد قوتها من قوة تلك القيادات، لتصل إلى القيادة الاستقلالية في مرحلة تالية، وقد فطن التنظيم الدامي إلى ذلك النمط النسائي، وعمل على إعادة هيكلة عقليتها مستغلًا مميزاتها ونقاط ضعفها؛ وذلك بتجنيد العديد من أعضائه خلف الشبكات العنكبوتية لاصطياد مثل هذا النوع من النساء.
وتبدأ مرحلة الاستقطاب من خلال إشباع رغباتها عبر الشبكات العنكبوتية، بالثناء على آرائها التي تدل على قوة شخصيتها، وقدرتها التحليلية على فنِّ الإدارة والتوجيه، يحدث هذا من التعليق على آرائها على إحدى الصفحات، أو منشوراتها الإلكترونية على صفحتها الخاصة، ولأنها – بطبيعتها- تحب المدح والإطراء فمن ثمَّ تقع سريعًا في براثن المرحلة التالية عند إنصاتها للحديث وتتجاوب معه، حتى تأتي الفرصة المناسبة فيضع المستقطب لها سُمَّه القاتل بين طيَّات عباراته، بأن شخصيتها تصلح لقيادة نساءٍ ضعيفاتٍ في المجتمع الإسلامي، ومع تعظيم فكرته في عقل فريسته ببعض الكلمات البرَّاقة والشعارات الرنَّانة، وعند إحكام القبضة على عقلها الجاهل، تبدأ مرحلة جديدة بإرسال العديد من الإصدارات المتطرفة، التي تؤكد الحياة الخيالية في الوسط الإرهابي كما يُصدِّرها تنظيم داعش الإرهابي عبر منصاته الإلكترونية على خلاف حقيقته على أرض الواقع. محاربة التطرف
وتأتي المرحلة النهائية بإقناع الفريسة بالانضمام إلى صفوفه؛ لتكون قائدة على نساء ضعيفات، تقيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! – كما يزعمون- وتصبح وظيفتها معاقبة المذنبات من نساء التنظيم بطريقتها العقلية النابعة من شخصية قيادية تجيد فن التعامل مع المخالفات لتجد نفسها بين نساء “ساديات” (والسادية هي حالة اضطراب مؤقت (حالة انفعالية) أو دائمة (سمة) في الشخصية تشير إلى التلذذ أو الرغبة في إيلام الآخر)، فيبتكرن أنواع العذاب لكل من سولت لها نفسها مخالفة أوامرهن وأوامر التنظيم الإرهابي، ويطلق عليهن داخل تنظيم داعش الإرهابي نساء “الحسبة”، فهن أشد النساء شرًّا وأكثرهن قسوة على الإطلاق بين صفوف النساء داخل التنظيم.
المرأة ذات الشخصية المتمردة – محاربة التطرف
تلك المرأة التي تتصف بالتمرد في شتي جوانب حياتها، سواء على العادات والتقاليد في مجتمعها، أو على طريقة تعامل والديها معها، وتربيتهما لها، أو على أسرتها وأبنائها، أو على المجتمع كلِّه، ومن أهم مميزاتها أنها تهوى المغامرة البعيدة عن التقاليد الجامدة في مجتمعها، والتفرد بالأفعال والأفكار، والسلوكيات – حتى وإن كانت خاطئة-، وكان إشباع رغبات تلك الشخصية على التنظيم أمرًا يسيرًا؛ فتوهُّم الزواج من البطل المغوار- على حدِّ ادعائهم- طُعمٌ سائغٌ يستهوى هذه الفئة من النساء، فيتم تعظيم تلك الفكرة من خلال التصور الخيالي الموصوف في الإصدارات المتطرفة، التي تتناول الحديث عن النساء، خاصةً تلك المقالات التي توهم القارئات بمدى مشروعية الأفعال الخسيسة التي يقترفها التنظيم الإرهابي.
ومن هنا تُجتَذب تلك المرأة إلى تنظيم داعش الإرهابي من خلال التمرد على المجتمع الذي تعيش فيه، لتلحق بحياة المغامرة في كنف التنظيم. محاربة التطرف
المرأة ذات الشخصية المحفزة – محاربة التطرف
تلك المرأة النشيطة التي تستطيع تحقيق النجاح في شتى المجالات الحياتية المختلفة سواء المهنية، أو الأسرية، أو الشخصية، وذلك لاستطاعتها العمل لساعات طويلة بكفاءة عالية، إلا أن هناك من الصعوبات التي تواجها في حياتها الاجتماعية، كشغف الاحتواء والاهتمام بأمورها الماديَّة والمعنويَّة، واكتسابها خبرات جديدة تساعدها على إدارة وتنظيم شئونها بصورة أكثر نجاحًا، لنجد تنظيم داعش الإرهابي قد نصب شباكه عبر الإنترنت في إصداراته المتطرفة؛ وفقًا لمعرفته بالسمات المميزة لتلك المرأة وشغفها بكل ما من شأنه أن يطور مشاركتها وينمي قدرتها ووعيها ومعرفتها، ومن ثمَّ تحقيق ذاتها على مختلف الأصعدة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية؛ ويتيح لها كافة القدرات والإمكانات التي تجعلها قادرة على السيطرة على ظروفها ووضعها، وقادرة على الإسهام الحرِّ والواعي في بناء المجتمع.
ويبدأ تنظيم داعش الإرهابي رسم مخططه الماكر للحصول على فريسته من خلف الشاشات الذكية، بداية من مشاركتها العديد من المهام النسائية، سواء من واقع المقالات التشجيعية للإصرار على أهدافها، والفوز بقلب زوجها، وكيفية التعامل مع أطفالها بمهارة مميزة عن سائر الأمهات في عصرها، عبر إصداراته المتطرفة المختصة بالشأن النسائي.
ولمَّا كانت المرأة كائنًا يميل بفطرته إلى الاهتمام، كانت بالأحرى تميل إلى من يشاركها متطلباتها الاجتماعية للبحث عن شبيهاتها من متابعي تلك الإصدارات المتطرفة، لتبدأ مراحلها التدريجية نحو الإقناع بأفكار المهتمين بشأنها، وهو ما نستطيع تفسيره عند رؤية المنقادين عقليًّا للأفكار المتشددة، دون الانضمام الفعلي إلى الصفوف الإرهابية على أرض الواقع.
جدير بالذكر أن الأمور الاقتصادية من أعقد الأمور التي قد تواجه المرأة في حياتها؛ ربما نظرًا لطبيعة أغلب النساء في حبِّ الشراء والتسوق، وكان ذلك بمثابة نقطة ضعف استطاع تنظيم داعش الإرهابي استغلالها للحصول على فريسة نشطة يمكن استغلالها فور إقناعها بأفكاره المتطرفة في استقطاب جاهلاتٍ جدد عبر شبكات الإنترنت، حتى نجده يطالعنا في إحدى إصداراته المتطرفة بمكر شديد عن اهتمامه بالأمور الاقتصادية للمرأة؛ حتى يصل إلى كيفية تقسيم الميزانية داخل الأسرة بما يتلاءم مع دخل الزوج، مع مراعاة الأمور المنزلية وتلبية احتياجاتها، مرتكزًا على العمليات التي تزيد من قدرة المرأة على الوصول إلى التميز في إدارة الموارد الاقتصادية داخل منزلها ومحيطها الاجتماعي، لتحسين ظروفها الاقتصادية للعمل على الارتقاء بأوضاعها بشكل أساسي في المجتمع.
المرأة ذات الشخصية المُسالمة
تلك المرأة التي تبحث عن السلام في حياتها، وتهتم بشئون أسرتها، ومن أهم ما يميز ذلك النوع من النساء رقة القلب، وتدفق العاطفة التي تقيس بها سائر الأفكار والأفعال في حياتها الاجتماعية، الأمر الذي يجعلها تنساق وراء ظاهر الحديث وليس مضمونه، وبخاصة عند الحديث المرتب الذي يتناول الرقائق الدينية، لذلك نجدها تُقْدِم على تصديق الأخبار الكاذبة والتشبث بها دون غيرها، ذلك لأنها لامست القلب دون العقل، وبخاصة إذا صدرت تلك الكلمات من ثقة، وهو ما نستطيع تفسيره عند رؤية بعض النساء المنضمات إلى تنظيم داعش الإرهابي يرددن الجمل والعبارات ذات الصبغة المتطرفة والمتشددة دون تفهُّم أو تعقل لمعانيها.
ومن هنا نجد أن التنظيم الإرهابي لا يترك المرأة وشأنها حتي ينفث سُمَّه في عقلها، فيُظهر اهتمامًا بالغًا بتفاصيل القضايا التي تهتم بها، ويكأنه يشاركها مشكلاتها الاجتماعية المختلفة، فنجد جزءًا من إصدارات ذلك التنظيم بمسميات عاطفية حول قلب الزوج، واحتواء الأطفال وهكذا، بالإضافة إلى جزء آخر من تلك الإصدارات تتبلور حول أدق التفاصيل الأسرية في المنزل، حتى يصل إلى عرض بعض النصائح والحلول لمشاكل النظافة المنزلية، مستعينًا في ذلك بالنساء الإرهابيات المنضمات إلى التنظيم.
ومن هنا يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على ضرورة النظر إلى المرأة باعتبارها إنسانة فاعلة في المجتمع كما بيَّنت تعاليم الدين الإسلامي، وليست وسيلة لتحقيق أغراض معينة، مع التأكيد على رفض النظرة الدونية للمرأة باعتبارها أسيرة أو تابعة، بل هي كما جاء في البيان النبوي: «النساء شقائق الرجال».