ليبيا بين مرتزقة إردوغان وتفشي فيروس كورونا
المجلة – يترقب كثيرون تطور الأوضاع في ليبيا خاصة في الفترة الأخيرة بعد أن اتسعت الفجوة بين المرتزقة السوريين الذين جلبهم الرئيس التركي إلى ليبيا لخوض المعارك ضد الجيش الوطني الليبي، من ناحية، وضباط أتراك من ناحية أخرى محسوبين على حكومة الوفاق غير الشرعية برئاسة فايز السراج، بعد أن نكث الأتراك وعودهم وخفضوا رواتب عناصر المرتزقة حيث ازداد هذا التمرد بعد أن اكتشف المرتزقة حقيقة الوعود التركية الزائفة، وازدياد حصيلة القتلى في صفوفهم، وتفشي فيروس كورونا بين عناصرهم، الأمر الذي أربك الضباط الأتراك الموجودين في ليبيا.
ويتوقع مراقبون ومتخصصون أن تزداد فجوة الخلاف إذا لم يوف الرئيس التركي وعوده مع هؤلاء المرتزقة من دفع رواتبهم المتفق عليها ومنحهم الجنسية التركية، حيث رصد مراقبون أكثر من تمرد ميداني نفذه عناصر من المرتزقة خلال الأيام القليلة الماضية على الضباط الأتراك في محيط العاصمة طرابلس حيث تم فيها تسجيل مُناوشات مُسلحة بين المرتزقة وأفراد الميليشيات الموالية لحكومة السراج.
وأوضح المراقبون أن المناوشات تخللتها اتهامات بالجبن، وإهانات بعبارات «عنصرية» أثارت غضب مسؤولي المرتزقة الذين رفضوا الانصياع لأوامر قادة ميليشيات حكومة السراج، وأيضًا لأوامر الضباط الأتراك الذين يبدو أنهم اصطفوا إلى جانب قادة الميليشيات.
تقول الدكتورة إيمان زهران أستاذة العلوم السياسية إن تركيا دأبت في الفترة الأخيرة على أن يكون لها حضور مميز في مناطق الأزمات في الشرق الأوسط، موضحة أنه عند النظر للحالة الليبية، نجد أن أنقرة سعت لإعادة استنساخ النموذج الروسي في سوريا وذلك بتعميق التداخل في ليبيا لعدد من الأهداف، أبرزها ما يتعلق بموازنة الأوراق الاقتصادية، وأخرى تتعلق بالضغط على أوروبا في عدد من الملفات مثل دخول الاتحاد الأوروبي وتكييف ورقة المهاجرين، مشيرة إلى أن أحد أهم الأهداف ما يتعلق بحصول أنقرة على نصيب من عقود إعادة الإعمار.
وأضافت أستاذ العلوم السياسية في تصريحات خاصة لـ«المجلة» أنه وفقًا لتلك الأهداف، تأتي التحركات التركية والتي آخرها ما تمثل في خرق توصيات مؤتمر برلين بمنع إرسال المرتزقة الأجانب لمناطق الصراع في ليبيا، مشيرة إلى أن أنقرة دفعت بتوظيف ورقة المرتزقة الأجانب– خاصة من سوريا- كإحدى آليات الحماية من المساءلة القانونية الدولية، وتقلص الخسائر في صفوف قواتها العسكرية المنخرطة مع حكومة الوفاق، بالإضافة إلى تعزيز قنوات التأثير على الحكومات الداعمة للمشير خليفة حفتر، فضلاً عن إدراك أنقرة غياب القوة الرادعة من جانب القوى الدولية الكبرى، التي يمكنها معاقبة تركيا، ووقف استثمارها المتواصل في المقاتلين الأجانب والمرتزقة السوريين لتكريس نفوذها في مناطق الصراعات، مؤكدة أن تركيا عمدت إلى استخدام محفزات مادية ومعنوية لتوظيف ورقة المرتزقة في الصراع الدائر في ليبي.
وذلك بالدفع بحزمة من الوعود، أبرزها حصول المقاتلين السوريين على الجنسية التركية مقابل مشاركتهم في المعارك في ليبيا، وكذلك من يلقى حتفه يصل عائلته مبلغ 500 دولار لمدة سنتين مؤكدة أن جميعها أوراق تفاوض مُرضية لمقاتلين تم استقدامهم من دول «هشة- منهارة» بحسب وصفها، إذ تعرض الدولة منح جنسيتها كمكافأة لأشخاص أجانب أسدوا لها خدمات معينة من أجل حمايتهم عبر منحهم حق العيش على أراضيها مستقبلا بشكل قانوني.
وأشارت أستاذة العلوم السياسية إلى أن التوظيف التركي للمقاتلين الأجانب وخاصة السوريين في ليبيا يعد تحديا شائكا، خاصة مع تصاعد حدة «عدم التوافق» ما بين قوى المرتزقة والقادة الأتراك في ليبيا، وتراجع تنفيذ الوعود التركية، نظرًا لعدد من الأسباب أبرزها الأزمة الاقتصادية بالداخل التركي وتداعياتها على هبوط الليرة التركية، دون إغفال تداعيات جائحة كورونا على حالة الركود بالاقتصاد العالمي وتأثيراته السلبية على الاقتصاد التركي، ومن ثم عدم القدرة على الوفاء بالوعود المادية للمرتزقة في ليبيا.
وتابعت أن من ضمن الأسباب ما يتعلق بالتراجع عن منح الجنسية للمقاتلين السوريين، إذ أعلنت الكثير من الدول الأوروبية تخوفها من ذلك الفعل، لأنه بمجرد حصول المقاتلين المرتزقة على الجنسية التركية يعني ضمنيا قدرتهم على التحرك في اتجاهات مختلفة، إذ يمكن للسوري الحامل لجواز سفر تركي الحصول على تأشيرة للولايات المتحدة الأميركية أو منطقة شينغن، والتي ستكون صعبة أو مستحيلة حاليًا باستخدام جواز سفر سوري، وهو التخوف الأمني من إعادة توظيف الإرهاب استنادا لأذناب العائدين من المقاتلي، وهي تلك الفرضية المثارة من جانب الدول الأوروبية كورقة تفاوض رادع لتقويض الوعود التركية مؤكدة أنه مع تصاعد فرص الصدام بين المرتزقة السوريين، والضباط الأتراك في ليبيا.
أصبح هناك عدد من السيناريوهات التي تتنازع فيها درجات الصدام وفقا لما تنتهي إليه الاختبارات الأمنية التالية أبرزها اختبار نظام «الأمن الهجين»، حيث يُعد ذلك النظام أحد أسباب انتشار الميليشيات ومن ضمنهم المرتزقة السوريون، وتمدد قوتها منذ تشكله إبان المجلس الوطني الانتقالي، ثم توسعه مع انتخاب المؤتمر الوطني العام في 2012، مما أدى إلى ضعف الوظيفة الأمنية للمؤسسات الليبية على النحو الذي أنتج ما بات يُعرف بـ«الدولة الافتراضية» والذي بدأ يتعمق مع تصاعد «الرهانات الهشة» للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وداعميه خاصة تركيا على إعادة استيعاب تلك الميليشيات وردعها والتحكم في سلوكياتها.
وهو ما قد يزيد الأمر فوضى في حال فشل تركيا في إحكام السيطرة على تلك الميليشيات وقوى المرتزقة السورية حال تصاعد النزاع مع الضباط الأتراك في تركيا. وأضافت إلى أن من السيناريوهات التي تتنازع فيها درجات الصدام اختبار إعادة إنتاج «الأوليغاركية الأمنية» مؤكدة أنه من غير المستبعد ظهور مثل ذلك النظام من جانب الميليشيات وقوى المرتزقة السورية التي عمدت تركيا لتوظيفهم بالحرب في ليبيا، إذ في حال تصاعد محفزات الصدام وفشل إردوغان في الوفاء بوعوده المادية، فمن المرجح استنساخ نظم «الأوليغاركية الأمنية» وذلك بتغير نظام المرتزقة من النمط الانتشاري المتعدد إلى الأوليغاركي الضيق «هيمنة الأقلية» وفقا للحزم المادية والمعنوية المقدمة، حيث يرجع ذلك لتقلص عوائد الهيمنة الأمنية لقوى المرتزقة والميليشيات على جماعات قليلة العدد تدين بالولاء لحكومة الوفاق المدعومة من جانب تركيا فضلا عن اختبار التوظيف الأمنى لحوافز «الاقتصاد السياسي».
إذ من المرجح انتقال الميليشيات المسلحة وقوى المرتزقة والمقاتلين السوريين من الوظيفة الأمنية «الحمائية» إلى الوظيفة التجارية «الاقتصادية» حال تصاعد الصدام مع تركيا لعدم وفاء الأخيرة بتعهداتها المادية، وهو ما قد يدفع بتلك الميليشيات والمقاتلين السوريين للبحث عن مصادر مالية أخرى، عبر التمدد من مهام حماية الأمن والمنشآت إلى التحول لشبكات إجرامية. فعلى سبيل المثال: كارتل طرابلس بات مسيطرا على مفاصل إدارة واقتصادات العاصمة، كفرض ضرائب على الأسواق، والاتجار بالعملة الليبية في السوق السوداء، وتحرير خطابات الضمان الصادرة من البنوك، وممارسة الخطف بغرض الحصول على الفدية، وفرض عقود حماية على البنوك،
واختتمت أستاذة العلوم السياسية تصريحاتها لـ«المجلة» أنه في النهاية، في ظل الاختبارات المضطربة لمخرجات مؤتمر برلين عقب استقالة المبعوث الأممي غسان سلامة، وتحديات إنجاز التعهدات الخاصة بتركيا تجاة المرتزقة السوريين مقابل تنامي معدلات التصادم مع الضباط الأتراك في الداخل الليبي، في ظل تراجع أدوار القوى الداخلية والمحلية في ليبيا في معادلات التسوية، من المتوقع، في حال استمرار تلك التحديات أن يُعاد استنساخ الأوضاع الأمنية السورية في ليبيا، نحو مزيد من الانقسام، فضلا عن إعادة إنتاج بيئة خصبة لقوى التطرف والإرهاب وخلايا القاعدة وأذناب داعش، قوامها المرتزقة السوريون الذين تم توظيفهم بالصراع الداخلي في ليبيا، وهو ما يؤثر بدورة على الاضطراب الأمني بالمحيط الإقليمي الشرق أوسطي، وكذلك الأورومتوسطي.
من جانبه أكد الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية أن إردوغان نقض عهده مع المرتزقة الذين جلبهم إلى الغرب الليبي، مشيرا إلى أنه كان قد وعدهم براتب شهري 2000 دولار مقابل مساعدته على مدن غرب ليبيا لإحكام السيطرة أكثر على طرابلس فضلا عن تشتت هؤلاء المرتزقة بين تبعية إردوغان من ناحية وحكومة السراج من ناحية أخرى متوقعا أن يلبي الرئيس التركي رغبات المرتزقة للحفاظ علي ما حققوه من مكاسب في مدن غرب ليبيا علاوة على ما يقدمه من مساعدات وإمدادات عسكرية كبيرة لهم.
وأضاف نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية في تصريحاته لـ«المجلة» أن إردوغان ما زال يستغل أزمة كورونا العالمية ويساوم على حياة اللاجئين، مؤكدا أن أوروبا لا تريد تكرار أزمة 2015 عندما وصل ملايين من هؤلاء اللاجئين عن طريق تركيا مرورا من اليونان ومن ثم إلى أوروبا، مؤكدا أن تركيا تستغل تلك الأزمة لصالحها وحاولت مساومة الاتحاد الأوروبي لتقديم المزيد من المليارات لها كمساعدات للتكتم على قضية اللاجئين.
رابط مختصر:https://eocr.eu/?p=2439