العرب اللندنية – كان أصحاب السترات الصفراء في بادئ الأمر حركة مطلبية احتجاجية خُلقت على وسائل التواصل الاجتماعي ولكن لم تعد اليوم كذلك. هي اليوم خليط أيديولوجي هجين يجمع بين أفكار متناقضة وحّدها هدف واحد هو كره الجمهورية والنخب. لقد اختطفتها ثلاث أيديولوجيات شعبوية: اليسار الغوغائي، الإسلاميون، واليمين المتطرف.
لم يعر الحزب الاشتراكي ولا حزب “فرنسا الأبية” اليساري المتطرف ولا الحزب المتشدد الآخر “حزب مناهضة الرأسمالية” أي اهتمام للحركة الصفراء في بدايتها شهر نوفمبر الماضي. ولكن بدأت في اختراقها شيئا فشيئا من أجل استغلالها في دعايتها ونجح ثلاثتها في اقتسامها، إذ لم يبق في صفوفها إلا القليل من المحتجين المستقلين عن الشعبويات الثلاث سابقة الذكر.
في بداية الحركة، كان الجميع يعتبر أنه من المحال التظاهر مع أناس يساندون حزبين يمينيين متطرفين هما “حزب التجمع الوطني” و”فرنسا الواقفة”. ولكن جان جاك ميلونشو، زعيم حزب فرنسا الأبية الذي لا يمل من انتقاد هذا اليمين المتطرف لا يتحرج من قبول في حزبه دانيال أوبونو التي تعتبر العلمانية الفرنسية عدوة الإسلام وتدافع عن الذين ارتكبوا جريمة قتل صحافيي “شارلي أيبدو”. هذا الرجل هو زعيم ما أصبح يعرف بـ”الاسلاموية – اليساروية” الذي بمعية أحزاب يسارية متطرفة مجهرية أخرى فتح الطريق للإسلاميين في اختراق السترات الصفر وأصبحوا من أهم موجهيها.
بسبب عفوية حركة أصحاب السترات الصفراء وقلة تجربتهم التنظيمية، تسلل بين صفوفهم الإسلاميون بمساعدة اليسار المتطرف الذي لا يزال يعتبر ساذجا أن الأصولية حليفته الطبيعية ضد الرأسمالية. يعتبر السلفيون والإخوان المسلمون والراعي المالي قطر ونظام الملالي كما يبدو في إعلامهم الموجه أن حركة السترات الصفراء فرصة لضرب الغرب اليهودي –المسيحي. يقول الأصولي لياس إمزالن “يجب علينا نحن المسلمين أن نؤجج احتجاجا شاملا ضد طريقة العيش الأميركية.
يجب علينا أن نكذب ما يقول فوكوياما ونبرهن للعالم كله أن التاريخ لم ينته بعد. علينا نحن أن نعطي معنى سياسيا لهذا التمرد. الهدف ليس مجرد احتجاج ضد ارتفاع الرسوم وإنما ضد هذا النظام السياسي الذي يولده. ومن هو أكثر مشروعية من الناشط السياسي المسلم في الاضطلاع بمهمته في إيقاظ الجماهير ورفض الظلم ويلعب دوره الطليعي في توجيه هذا التمرد؟ ألا نملك في عقيدتنا الأصلية رفض مجتمع الاستهلاك المرتكز على نظام مالي أساسه الربا؟ لم ننضم إلى هذه الحركة لنناهض اليمين المتطرف أو للسير وراء آخرين. بل لتحقيق أهدافنا الأساسية في وضح النهار. وستكون هذه الثورة ما نريد لها أن تكون. إذن نعم يجب أن نكون سترات صفراء”.
وفعلا اقتحم الإسلاميون الصفوف الأمامية وباتوا يوجهون الحركة في مناطق كثيرة وخاصة في جانبها الصدامي مع قوات حفظ الأمن وجندوا الكثير من شبان الأحياء المتعطشين للتكسير والنهب والانتقام. هدف الإسلاميين هو خطف الحركة وتحويلها إلى انتفاضة عنيفة كما فعلوا سنة 2005 حيث أحرقوا وخربوا كل ما هو في متناولهم في الضواحي المأهولة بالمغتربين المسلمين.
بدأ داعش يهتم بالحركة الصفراء في نهاية 2018، حسب جيل كيبل، في محاولة لإيجاد ثغرة يتسلل منها إلى فرنسا لإذكاء الحرب الأهلية التي يحلم بها الإسلاميون والجهاديون منذ أكثر من عشرية. وقد تم قطع رأس دمية تمثل الرئيس ماكرون يوم 21 ديسمبر في مدينة أنغولام من طرف جلاد يرتدي الأسود بنفس الأسلوب الذي يقطع به الدواعش رؤوس ضحاياهم في سوريا والعراق وليبيا.
ومع ذلك يبقى اليسار كعادته مغمض العينين، فمنذ ثلاثة أشهر والكاتب برنار أونري ليفي يصب جام غضبه في كتاباته وتدخلاته ضد معاداة السامية المتفشية بين السترات الصفراء التي أدخلها اليمين المتطرف إلى الحركة، بينما لا ينبس ببنت شفة حول الإسلامويين الذين باتوا ينفثون سمهم المعادي للسامية والجمهورية بين صفوف الحركة.وحتى وزير الحسابات جيرالد أرمانا يحاول هو أيضا تغطية الشمس بالغربال حينما يتحدث عن الطاعون اليميني الذي اخترق الحركة الصفراء، ولكنه لا يذكر وجود الإسلاموية على الإطلاق.
ولكن فضح الواقع أخيرا هؤلاء ووسائل إعلامهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي عندما شاهد الجميع الفيديو الذي يظهر فيه ذلك الإسلاموي ذو اللحية المطلية بالحناء والمعروف بتشدده الديني متنكرا تحت سترة صفراء ويوجه وابلا من الشتائم العنصرية الإسلاموية العنيفة ضد المفكر ألان فيلكنكروت “فرنسا لنا، نحن الشعب، الله سيعاقبك يا صهيوني” والمقصود يهودي في لغة الإسلامويين، مع العلم أنه كان مارا من هناك صدفة زمن المظاهرة، والذي هو أصلا من مناصري الحركة الاحتجاجية ولم يبد تجاهها أدنى تحفظ! فلم يعد خافيا سوى على الصحافيين أن التحالف بين الأصوليين والفاشيين واليسار المتطرف بات أمرا واقعا.
ما هو مقلق حقا هو تمادي الطبقة السياسية والإعلامية في فرنسا في ممارسة أسلوب النعامة حيال المد الأصولي في بلدها.
رابط مختصر :https://eocr.eu/?p=1153