العرب اللندنية – 18 مارس 2019 – انشغال أوروبي عميق وواضح بخطورة وجود التيارات الإسلامية، في ظرفية موسومة بتصاعد التحديات الإرهابية مع بدء الحديث عن عودة مقاتلي داعش إلى مواطنهم، فضلا عن تنامي الخطاب اليميني الذي يتغذى من قضايا الهجرة والإرهاب. كان ذلك مدار مداولات المؤتمر الأوروبي الأول حول “تأثير الجماعات الإسلامية على المهاجرين والمسلمين في أوروبا”، والذي شدد في توصياته على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لوقف تناسق عمل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، ووضع آلية خاصة لمراقبة الوسائل والمنصات الإعلامية التي تروج للتطرف وخطاب العنف والكراهية.
بروكسل- تحت إطار التجمع الأوروبي لمكافحة التطرف والإرهاب استضاف البرلمان الفيدرالي البلجيكي في بروكسل الخميس 14 مارس 2019 المؤتمر الأوروبي الأول حول “تأثير الجماعات الإسلامية على المهاجرين والمسلمين في أوروبا”. وقد تحدث في هذا المؤتمر عدد كبير من النواب والسياسيين والخبراء يمثلون مختلف التوجهات السياسية (اليمين، اليسار، الوسط، الخضر، والقوميون) من ست دول أوروبية. كما شارك في هذا المؤتمر الإقليمي الذي يعتبر الأول من نوعه في أوروبا أكثر من 90 شخصية وجمعية من 22 دولة بينهم 18 دبلوماسيا يمثلون 12 بلدا.
في البداية اعتبر النائب البلجيكي كوين متسو والرئيس السابق للجنة مكافحة الإرهاب في البرلمان البلجيكي أن التنامي الملحوظ للجماعات المتطرفة يعود إلى انتشار المساجد غير المرخصة والممولة من جهات أجنبية ورفض المسؤولين عنها للاندماج ونبذ خطاب الكراهية أو القبول بالقوانين المعتمدة بها في بلجيكا مثلا. كما شدد على ضرورة أن تقطع قطر تمويل جماعة الإخوان المسلمين وأدواتها الدعائية خصوصا الإعلامية، لما تمثله من خطر تجاه الجاليات المسلمة، حيث إن قطر مولت في السنوات الماضية العديد من المساجد التابعة للإخوان المسلمين في أوروبا وخاصة في ألمانيا.
وتحدثت بوريانا آبرغ النائب في البرلمان السويدي ورئيسة بعثة السويد في مجلس أوروبا، عن التطرف المتغلغل في ضواحي المدن السويدية التي تعيش حالة انعزال عن المجتمع بعيدا عن أي اندماج وتحولت إلى بؤر للمتطرفين الإسلاميين وتؤثر بشكل كبير على باقي المسلمين، وتساءلت عمّن يموّل هذه المجموعات، وهنا أشارت إلى أن أموال التبرعات تأتي خصوصا من تركيا حيث هناك ارتباط كبير بين بعض السياسيين السويديين وتركيا وكذلك أموال الجريمة المنظمة، وأسفت لأن حرية التعبير في السويد أصبحت مقيدة لأن أي انتقاد لهؤلاء الإسلاميين المتطرفين يعتبر كانتقاد للإسلام بشكل عام. ودعت آبرغ إلى مراقبة شبكات التواصل الاجتماعي التي يستعملها الإسلاميون وخاصة الإخوان المسلمين للحد من خطاب التطرف والكراهية.
أما جاك ميارد عضو شرف في البرلمان الفرنسي وعضو سابق في لجنة الشؤون الخارجية، فقد اعتبر أن الإسلام السياسي الذي بدأ مع حسن البنا والإخوان المسلمين وصولا إلى داعش هو عبارة عن دكتاتورية تحاول أن تفرض أيديولوجيتها ونظرتها على المجتمع دون الأخذ بعين الاعتبار أي تنوع. واعتبر أن الإخوان يتمتعون بازدواجية في الخطاب من هنا كان نجاحهم في انتخابات تونس ومصر ما بعد الربيع العربي، في حين أن الإسلام السياسي يتمتع بنظرة سلطوية تجاه الحكم ولا يمكن لهذه المجموعات أن تقبل بالحرية الشخصية والنظرة الفردية للإنسان لأنه يجب أن يكون ملزما بالأمة، وهذا المفهوم، حسب ميار، بحد ذاته هو مفهوم متطرف يلغي الإنسان لصالح المجموعة. وحذر من خطر استغلال المهاجرين في مشاكل تخص المجتمعات التي أتوا منها لأن ذلك يعمق رفضهم للمجتمع الجديد الذي استضافهم، وشدد على فكرة المواطنة التي تفصل بين الدين كشأن خاص والشأن العام وهو أمر يخص الجمهورية والقانون كما في فرنسا.
في المقابل اعتبرت آنا سورا النائب في البرلمان الإسباني أن التطرف الإسلامي لا يمكنه إلا أن يسيء إلى الإسلام ويشجع الأحزاب المتطرفة في أوروبا التي تعادي المهاجرين من أصول إسلامية، وشددت على ضرورة اندماج المهاجرين عبر الانفتاح والتواصل مع الآخرين بسلام ضمن احترام القوانين والدستور في كل بلد.
بدوره اعتبر تيو فرانكن وزير الهجرة السابق في الحكومة البلجيكية أن الإسلام السياسي هو خطر لأنه يحاول عبر المجموعات المتطرفة التأثير على المجتمعات وتحويلها عبر فرض الشريعة ومبادئها. ولاحظ أن جزءا كبيرا من المعركة لمحاربة هذه الجماعات المتطرفة يقع على المسلمين أنفسهم ويجب أن يتابعوا هذه المواجهة الفكرية لمواجهة البروباغندا والدعاية تجاه المسلمين. واعتبر الوزير أن هذه الدعاية التي تنشر الفكر المتطرف من الإخوان المسلمين تجاه باقي المسلمين تبعث على الخوف، وهي تمر عبر قنوات الإعلام والكتب والمساجد، ودعا في هذا الإطار الحكومات الأوروبية إلى التحرك بشكل عاجل لمواجهة هذا الخطر. وتحدث أيضا عن ضرورة وضع أطر شفافة للحد من تأثير التمويل الخارجي للمساجد والجمعيات في أوروبا، وقال إن عملية التمويل خطيرة جدا لكن يصعب إثباتها، لكن الحكومة الإقليمية اتخذت قرارا بتوضيح مصادر تمويل المساجد.
وتحدث ميغليور غرينارو النائب في البرلمان الإيطالي عن انتشار الجماعات الإسلامية كالوباء والفيروسات وتحولها إلى ظاهرة تهدد الشباب الأوروبي، واعتبر أن مواجهة خطر التطرف الإسلامي تكون عبر مواجهة البروباغندا والتعاون بين الدول الأوروبية ودول حوض المتوسط وتبادل المعلومات ونشر ثقافة التنوع. كما دعا غرينارو إلى العمل على إنشاء مؤسسة أوروبية تكون قادرة على التواصل مع كافة دول العالم في هذا الإطار ومراقبة التطرف على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
واعتبر فرانك سوالبا هوث النائب الألماني السابق في البرلمان الأوروبي أن المصداقية في مواجهة التطرف تكمن في تكوين الأئمة في أوروبا وإبعادهم عن خطر التحول إلى أدوات لنشر الفكر المتطرف من منظمات ودول متطرفة. وشدد على ضرورة أن تبقى الأولوية لقوانين الدولة التي تنشر التسامح واحترام قيم الآخر وما يمثله من اختلاف.
أما إبراهيم ليتوس مدير الأكاديمية الأوروبية للتنمية والأبحاث في بلجيكيا فقد عرض تقريرا خاصا عن واقع الجماعات الإسلامية في أوروبا، واعتبر في تقريره أن الإسلاميين يتزايدون بشكل كبير في أوروبا. ليتوس قال في تقريره إن قطر قدمت دعما ماليا وإعلاميا للإخوان في السنوات الماضية. وأضاف أنها قدمت الدعم للعديد من الجماعات الإسلامية عبر جمعية قطر الخيرية ومن بينها 150 مركزا إسلاميا في إسبانيا وأن المشكلة مع قطر هي أجندتها السياسية الخفية.
وأشار ماغنوس نوريل الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إلى مشاكل الاندماج في السويد منذ الثمانينات حيث تغلغلت المجموعات المتطرفة المرتبطة بالإخوان المسلمين وجماعات تركية في مجتمع ديمقراطي، وبدأت بتشجيع المهاجرين للعيش في ما بينهم وعدم الاكتراث لبقية المجتمع، وهكذا يلاحظ التحولات التي طرأت على المجتمع السويدي وقد أرجعها إلى عدم تدخل الحكومات السويدية المتعاقبة باسم التعددية الثقافية من جهة، ومن جهة أخرى إلى الإخوان المسلمين الذين خططوا إلى هذه السيطرة على المجتمع في السويد.
وأخيراً تحدث جان فالير بالداكينو رئيس دائرة البحث والتحليل الجيوسياسي في باريس عن محاولات قطر السيطرة على الجمعيات والمؤسسات الدينية في فرنسا مستغلة القوانين العلمانية التي تمنع التمويل الحكومي لمراكز العبادة، وهذا الفراغ سهل التمويل القطري لجمعيات مرتبطة بالإخوان المسلمين وتتحكم بمفاصل الشؤون الدينية. وأضاف أن قطر دعمت العديد من الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، ودعمت العديد من المساجد المتطرفة في فرنسا وهي تدعم عددا من الجمعيات عبر جمعية قطر الخيرية إضافة إلى مراكز أبحاث يديرها طارق رمضان.
وفي نهاية المؤتمر تم الإعلان عن عشر توصيات رئيسية أهمها ضرورة متابعة الجماعات الإسلامية، وضرورة إنشاء مركز جامعي متخصص في إطار متابعة ودراسة تلك الجماعات، وأيضا ضرورة إنشاء هيكلية أوروبية خاصة للإسلام الأوروبي تعمل على تأهيل الأئمة، كما دعت التوصيات إلى ضرورة اتخاذ إجراء سريع لوقف تناسق عمل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين المدعوم سياسيا من تركيا وماليا وإعلاميا من دولة قطر. وأخيرا ضرورة وضع آلية خاصة لمراقبة الوسائل والمنصات الإعلامية التي تروج للتطرف وخطاب العنف والكراهية.
رابط مختصر … https://eocr.eu/?p=359