المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
أي دور لليمين المتطرف الروسي في حرب أوكرانيا؟
العربي الجديد ـ تقاتل مجموعات من اليمين المتطرف الروسي إلى جانب القوات الأوكرانية، وتنظّم عمليات تثير حفيظة الكرملين، ما يعكس الانقسامات في صفوف هذه الشريحة التي لطالما راعتها موسكو، جراء النزاع القائم منذ ضمّ شبه جزيرة القرم في العام 2014.إحدى هذه المجموعات قدّمت نفسها في مارس/آذار على أنها “فرقة المتطوعين الروس”، وقالت إن بعض عناصرها تسلّلوا إلى روسيا عبر منطقة بريانسك الحدودية.
وتمثّل هذه المجموعة تهديداً جماعياً “بتنفيذ عمليات تخريب عبر الحدود وهجمات من الداخل”، بحسب المحرر في موقع “ميليتانت واير” للتحليل العسكري لوكاس فيبير. ويوضح فيبير: “يصعّب ذلك على الاستخبارات وأجهزة الأمن الروسية إمكانية تثبيطها. يُعقّد ذلك أيضاً عملية التحقق من المزاعم… دون أدلّة دامغة”.وقامت مجموعتا “وايت باور رينجر سكواد” و”روسيتش” بالخيار نفسه، على عكس “الحركة الإمبراطورية الروسية” التي أنشأت معسكرات تدريب في روسيا، و”مسار النهضة الوطنية الروسية”، و”مواطنو الاتحاد السوفييتي”، وهم مؤمنون بنظرية المؤامرة، مقتنعون بأن الاتحاد السوفييتي ما زال موجوداً.
ويتلاشى تبرير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغزو بأنه ضروري “لاجتثاث النازية”، في ضوء عدد المجموعات اليمينية المتطرّفة التي يرعاها نظامه علناً. هؤلاء اليمينيون المتطرفون يتحركون بنشاط كبير رغم محدودية عددهم، وهم قوميون سلافيون، ووثنيون جدد، وإمبرياليون، ومعادون للسامية، وبعضهم أيضاً من مثيري الشغب في ملاعب كرة القدم. جميعهم يبكون العظمة الضائعة للإمبراطورية، ونقاء العرق الأبيض المهدّد.
انقسامات منذ 2014
لم تتسامح موسكو مع هذه المجموعات منذ الثورة البلشفية في العام 1917 فحسب، بل استغلتها أيضاً. فإذا أرادت موسكو “تفريق تظاهرة أو تعزيز قوات الأمن لديها، يمكنها استدعاء” هذه المجموعات، بحسب الباحث في منظمة “كاونتر إكستريميزم بروجكت” (مشروع مكافحة التطرف) كاسبر ريكاويك. ويوضح: “تُستخدم هذه المجموعات للقيام بالأعمال القذرة، بدلاً من الآخرين. بالتالي، ليسوا فاعلين مستقلين” عن السلطة.
لكن هذه المجموعات انقسمت في العام 2014 مع ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم، وبدء التمرّد الموالي لروسيا في حوض دونباس بشرق أوكرانيا. ويؤكّد ريكاويك أن “من هم في روسيا اليوم هم من اتّبعوا الخطّ الرسمي قبل سنوات”، مضيفاً “كلّ من كان يشكّك بالموقف الروسي رحل، إمّا إلى أوكرانيا أو إلى السجن أو مات”.
ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، والذي وصفته موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة”، بدّد النزاع “جميع المخاوف الأخرى، بما في ذلك بالنسبة للقوميين الروس”، حسبما كتبت المحللة في مركز “سوفا للأخبار والتحاليل” في موسكو ناتاليا يودينا. وأضافت يودينا “انقسمت آراؤهم، كما حصل في العام 2014، رغم أن غالبية اليمين المتطرف انتهى بها الأمر هذه المرة بدعم “العملية الخاصة”، رغم أن الكثيرين انتقدوا بشدة كيفية إجرائها”.
وبنى الأشخاص الذين عبروا الحدود اعتباراً من العام 2014، مثل عناصر “فرقة المتطوعين الروس”، صداقات من جانب اليمين المتطرف الأوكراني أو حتى روابط عائلية. عددهم غير معروف، لكن يُقدّر بالمئات. وسبق أن قاتل العديد منهم في دونباس.
“نحارب نظام الكرملين”
وقابل مراسلو وكالة “فرانس برس” أخيراً عبر تطبيق “زوم” للاتصالات عبر الفيديو أحد أعضاء “فرقة المتطوعين الروس” يُدعى ألكسندر (40 عاماً)، ومعروف بلقب “فورتشون” (ثروة). وقال: “نضمّ مجنّدين جدداً ونتدرّب ونقاتل… على طول الجبهة”. وأضاف “نحارب نظام الكرملين الحالي كما نفعل منذ بداية حياتنا كراشدين”، موضحاً أن “فرقة المتطوعين الروس” هي وحدة مستقلة خارج أوكرانيا، لكنها “تابعة مباشرة” على جبهة القتال لوزارة الدفاع الأوكرانية.
وأوضح: “في البداية، لم تكن (الفرقة) إلّا فكرة… في أغسطس/ آب أعلنّا إنشاء وحدة. جهزنا أنفسنا بأدوات إعلامية، وبدأنا نكرس حياتنا للوحدة”. في سان بطرسبرغ في أغسطس/ آب، أعلن “الجيش الوطني الجمهوري” مسؤوليته عن الهجوم قرب موسكو الذي أدّى إلى مقتل داريا دوغينا، وهي ابنة مفكّر مقرّب من الكرملين. لكن “يجب أن نبقى حذرين”، بحسب فيبير، إذ إن المجموعة موجودة أيضاً “كقوة إعلامية”، خصوصاً على تطبيق “تليغرام”ـ لكن “قد تكون عملية حرب نفسية ليس لها جهاز عسكري يُعتدّ به”. فالحرب الإعلامية جزء من الحرب النفسية في النزاع الأوكراني.
في بريانسك، لم تقم “فرقة المتطوعين الروس” إلّا بالتسلل إلى قرية، وبنشر فيديو على الإنترنت. لا وزن لهذه الفرقة على ساحة القتال، مقارنة بوزن “كتيبة آزوف” الأوكرانية على سبيل المثال. لكنها فرقة تثير غضب الكرملين.ويقول ريكاويك: “عندما يدمّر أحد ما روايتكم القائلة للعالم ولشعبكم إن كل شيء يسير نحو الأفضل، تكون هذه صفعة على وجهكم. وتأتي الصفعة من بضعة رجال يسخرون من جيشكم”.
تحدّ
من الجانب الروسي، تقاتل أيضاً مجموعات سيادية عدة، مثل “وايت باور رينجر سكواد” و”روسيتش”، مرتبطة إلى حدّ ما بمجموعة فاغنر المسلّحة.وفي أحد تقاريره، لفت “مركز صوفان” المتخصص بالأبحاث حول الأمن ومقره نيويورك، إلى أنه غير قادر على تحديد “ما إذا كانت “وايت باور رينجر سكواد” تعمل كقوة متجانسة ومستقلة في أوكرانيا، أو إذا كان أعضاؤها منتشرين في صفوف الجيش الروسي”. لكنه أكّد أن هذه المجموعة تستخدم في تدريباتها “أسلحة ومعدات عالية الجودة”.وتشكّل هذه المجموعات على أي حال، أكانت موالية لموسكو أم لكييف، أو متماسكة أيديولوجياً أو انتهازية، تحدياً دائماً لكلا الجانبَين.
فالمجموعات الموالية لروسيا يمكنها أن تسعى إلى محاسبة نظام استخدمها ثمّ خيّب أملها، أو أن تقول للكرملين: “وعدتنا بإمبراطورية لكنك عاجز عن محاربة أوكرانيا”، بحسب ريكاويك.أمّا المجموعات الموالية لأوكرانيا، فقد تشعر بالخيانة لتلقي كييف مساعدات غربية غير كافية برأيها، وبالتالي تعمد إلى التخلص من وصاية كييف عليها. غير أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يملك الوقت للانشغال بها. فزيلينسكي “يقاتل من أجل بقاء بلده”، و”لا يمكنه عزل أي جهة تدعمه”، بحسب الباحث رفايلو بانتوشي من كلية س. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة.
ويقول بانتوشي: “أقل ما يقلقه هو الدخول في معركة سياسية حول ما هو جيد أو سيئ”. مع ذلك، فإن دخول جماعات يمينية متطرفة في نزاعات لا يبشّر بالخير. ويضيف بانتوشي: “خطير جداً أن تحاول دولة ما التلاعب بمثل هذه المجموعات، باعتقادها أنها تستطيع السيطرة عليها.. لأنه سبق أن رأينا أن ذلك لم يفلح”.
رابط مختصر .. https://eocr.eu/?p=10155