المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
في البادية السورية.. داعش يستخدم “استراتيجية قديمة” لتحقيق أهداف محددة
الحرة – يواصل تنظيم داعش تنفيذ هجماته في سوريا انطلاقا من “البادية الشامية” التي تنتشر فيها خلاياه، واستهدفت آخر الحوادث التي نفذها حاجزا لقوات النظام السوري على الحدود الإدارية بين محافظتي الرقة ودير الزور، ما أسفر عن مقتل 10 عناصر وإصابة 6 آخرين، بحسب إحصائية نشرها “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
ورغم أن هذا النوع من الهجمات بات متكررا منذ فقدان التنظيم لآخر معاقله في بلدة الباغوز بريف دير الزور، عام 2019، إلا أنه يطلق تساؤلات عن الأسباب التي تدفع خلايا “داعش” لسلوك متواصل من “الضرب ومن ثم الهروب” حسب وصف مراقبين، والأهداف التي تريد تحقيقها من وراء ذلك.
وأوضح المرصد الحقوقي، الثلاثاء، أن التنظيم شن هجوما “عنيفا ومباغتا” على حواجز وآليات تابعة لقوات النظام في ريف الرقة الشرقي، مشيرا إلى أن عدد القتلى مرشح للارتفاع، لأن بعض المصابين في حالة خطيرة. وأضرم عناصر التنظيم النيران في آليات عسكرية قبل الانسحاب من موقع الهجوم، بعد السيطرة على المنطقة المستهدفة لساعات، والمتمثلة بحاجز عسكري يُحسب على بلدة “معدان القديم”، التابعة لدير الزور والقريبة من الحدود الإدارية للرقة، وفق قول الصحفي السوري، نور رمضان.
ويضيف الصحفي الذي يتحدر من بلدة معدان بريف الرقة لموقع “الحرة” أن الحاجز الذي استهدفه “داعش” يقع “في منطقة مفتوحة ومن السهل لعناصر التنظيم التوغل فيها انطلاقا من مواقعهم في البادية”.ويسيطر النظام السوري على مناطق في ريف الرقة الشرقي والجنوبي، بينما يفرض مقاتلو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف الدولي سيطرتهم على الجزء الأكبر من هذه المحافظة.
وإلى جانب قوات النظام السوري ينتشر عناصر من ميليشيات إيرانية في المنطقة الواقعة جنوبي الرقة، ويشير الصحفي رمضان إلى “حصول الكثير من عمليات الإغارة التي نفذها داعش خلال الأشهر الماضية”، وأن مرد ذلك يرتبط بـ”الخاصرة الضعيفة لقوات النظام السوري هناك،كون وجودهم اسمي على نحو أكبر من نفوذ الميليشيات الإيرانية”.
“استراتيجية 2004”
وتشير تقديرات نشرتها الأمم المتحدة في 2022 إلى أن عدد مقاتلي “داعش” بين سوريا والعراق يصل إلى 10 آلاف، وأن هذا التنظيم لا يزال “يهدد السلم والأمن الدوليين، رغم هزيمته الإقليمية، والخسائر التي منيت بها قيادته”.ومع ذلك لا توجد بيانات دقيقة لعدد مقاتلي خلايا التنظيم في البادية السورية، وهي البقعة التي تحوّلت إلى نقطة انطلاق للهجمات، في المرحلة التي تلت فقدانه آخر الأراضي في الباغوز بريف محافظة دير الزور.
وكان “داعش” قد تبنى سلسلة من الهجمات خلال السنوات الماضية، وما يزال يعلن عن أخرى في الوقت الحالي، إذ يستهدف بها عناصر من قوى عسكرية مختلفة، سواء قوات النظام السوري أو المقاتلين الأكراد المنضوين في “قوات سوريا الديمقراطية”.ورغم أن غالبية هجمات التنظيم تنطلق من البادية السورية، إلا أن أخرى تسجلت وسط مناطق نفوذ “قسد” وقوات النظام السوري، وهو ما حصل مؤخرا، بعدما تبنى “داعش” مسؤولية تنفيذ تفجير في حي السيدة زينب في محيط العاصمة دمشق.
ويوضح عمر أبو ليلى وهو مدير شبكة “دير الزور 24” الإخبارية أن “داعش ومنذ يوم سقوط آخر مناطق سيطرته في الباغوز عاد إلى استراتيجية قديمة تقتضي عمليات الكر والتموضع في البوادي”.وهذه الاستراتيجية كانت ملامحها قد اتضحت على نحو كبير في عام 2004، “أيام أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي”، حسب أبو ليلى.
ويقول لموقع “الحرة” إن “حادثة معدان، الثلاثاء، لا تختلف كثيرا عن أي عملية أخرى”، وإن “هناك فرقا وحيدا يكمن بأن قوات النظام السوري في ريف الرقة لا تملك أي إجراءات حماية لعناصرها، كدعم عاجل وسريع بعد حصول الهجمات”.”داعش سيعود لكن بدون تموضع، وله من ذلك أهداف كثيرة، بينها الإيعاز لعناصره وأفراده أنه موجود بقوة”، بحسب أبو ليلى الذي أشار إلى هدف آخر “يرتبط بمحاولته إيقاع أكبر حجم من الخسائر لدى الخصوم”.
ويأتي “هجوم معدان ضمن السياق العسكري والأمني لداعش”، وفق ما يقول الباحث السوري في “مركز الشرق للسياسات”، سعد الشارع.ويتواجد التنظيم غرب نهر الفرات فيما يسمى بـ”البادية الشامية”، وتنتشر خلاياه في تدمر والمنطقة المحيطة بها، وصولا إلى الحدود السورية-العراقية.ويوضح الشارع لموقع “الحرة” أن التنظيم “يتحرك بأريحية نسبيا في هذه المنطقة، والسبب أنه خَبر جيدا معارك البادية والتحركات في الصحراء، واستفاد من تجربته في العراق في صحراء الأنبار”.
“هجمات دون كلفة”
ومنذ أن خسر التنظيم آخر حضور حضري في الباغوز بريف دير الزور بدأ باستراتيجية تعود إلى ما كان عليه سابقا فيما كان يسمى ب، “دولة العراق والشام”.وتقوم الاستراتيجية “على التواجد في البادية وشن عمليات خاطفة الهدف منها إلحاق أكبر ضرر بالخصم المقابل، بعيدا عن أي تمركز على الأرض”، حسب حديث الباحث الشارع.ولطالما كانت القرى والبلدات الواقعة على طول الشريط النهري للفرات هدفا لهجمات التنظيم، بدءا من ريف الرقة ووصولا إلى البوكمال.
ويضيف الباحث أن “البعض من الهجمات كانت قوية وجنى من خلالها داعش الغنائم”، وغالبا ما كان ينفذ ذلك من خلال مجموعات صغيرة لا يتجاوز عددها 10 أفراد، ويتنقلون على دراجات نارية أو سيارات صغيرة.و”المسار المذكور غير مكلف ماديا أو بشريا بالنسبة لداعش، خلافا لما يتعرض له الطرف المقابل، ولاسيما أن معظم الهجمات تتم مع ساعات المسار”، وفق ذات المتحدث.
وعلى مدى العامين الماضيين كان التنظيم قد مُني بخسائر كبيرة، بعدما أقدم الجيش الأميركي على ملاحقة رؤسه وقادته وزعماءه الكبار، وحتى أن الأمر أوصل داعش إلى نقطة هي الأضعف من نوعها على مستوى الهرمية.لكن ذلك لم يوقف نشاط خلاياه، في وقت اتجه التنظيم قبل أسبوع للإعلان عن اسم زعيم جديد خلفا لـ”أبو الحسن الحسيني القرشي”، بعدما قتل بـ”اشتباكات في إدلب مع هيئة تحرير الشام”، حسب بيان صوتي نشرته حسابات جهادية للناطق الرسمي الجديد “أبو حذيفة الأنصاري”.
ومن خلال رصدٍ للباحث في شؤون الجماعات المتشددة، عرابي عرابي “يبدو أن داعش خفف نشاطه متعمدا خلال الفترة الأخيرة في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، بينما صعّدها في مناطق سيطرة النظام السوري”.ويقول عرابي لموقع “الحرة” إن التنظيم نفذ أكثر من 6 عمليات خلال الأشهر الثلاثة الماضية في محيط دمشق (الكسوة، السيدة زينب، جديدة عرطوز، مخيم دنون)، فضلا عن نشاط متصاعد لخلاياه في الجنوب السوري.
ويشي ما سبق بأن “التنظيم يرى أن وضع النظام السوري هو الأضعف، ويحاول من ناحية تكتيكية أن يحقق مكاسب من خلال عمليات الاستهداف”.أما من جانب “استراتيجي”، يتابع عرابي أن “أي جهة يراها داعش الأضعف يتجه لمهاجمتها من أجل استنزافها”.ولا يريد التنظيم أن يحقق من “استراتيجية الاستنزاف انتشارا بريا على الأرض”.ويستبعد الباحث أن يتم ذلك “إلا إذا حصل اضطراب شديد في سوريا، ما يفتح المجال أمام العودة للسيطرة المكانية”، مؤكدا أن “سلوكه الحالي ليس بوارد السيطرة على مدن وقرى كبيرة”.
“المدنيون الحلقة الأضعف”
وفي يوليو 2021، نشر “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” تقريرا أوضح فيه أن “تصور تنظيم داعش الاستراتيجي حول المنطقة الجغرافية والوقت والانتصار يمثل عنصرا حاسما لإمكانية عودة ظهوره في المستقبل”.وبالرغم من أن داعش قد تعرض لضربات موجعة خلال الأعوام الـ15 الماضية، إلا أنه “أثبت قدرته الكبيرة على الصمود، حتى أنه قام بتوسيع أراضيه وتنويع عملياته عامي 2020 و2021″، وفق التقرير.
وأضاف التقرير أن التنظيم “يمتلك أيديولوجيا فريدة وراسخة، تشكلت من خلال تصريحات كبار قادته، وتتكيف جيدا مع الخسائر الإقليمية الأخيرة”.وجاء فيه: “من هذا المنطلق، وبالتطلع إلى الأمام، سيكون من الضروري معالجة وفهم الممارسات الأيديولوجية للتنظيم، من أجل مكافحة أي عودة مستقبلية له بشكل فعال”.وسبق وأن تصدّرت بلدة معدان التي حدثت فيها آخر هجمات داعش في ريف الرقة عناوين الأخبار المحلية في سوريا، بعدما شهدت بين عامي 2020 و2023 سلسلة حوادث راح ضحيتها مدنيون.
ونادرا ما تخرج أخبار يومية عن تلك المنطقة الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وتفاصيل حياة السكان فيها، وكذلك الأمر بالنسبة للقرى والبلدات الواقعة على طول شريط نهر الفرات. وفي يناير 2020 قتل 14 شخصا على يد مجهولين في بادية الرقة، الخاضعة لسيطرة النظام السوري والميليشيات الرديفة.وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، حينها، أن الأشخاص عثر عليهم مذبوحين بالسكاكين على يد مجهولين، في أثناء رعيهم الأغنام في بادية منطقة معدان.
وبعد هذه الحادثة في أبريل من ذات العام عثر أهالي معدان على عدد من رعاة الأغنام مقتولين بظروف غامضة، في أثناء عملهم.ويوضح الصحفي رمضان أن “الأهالي في تلك المنطقة يعيشون بشكل طبيعي من تجارة وزارعة، لكنهم دائما في حالة خوف كون الأغنام هي رأس مالهم هناك”.وتنقسم “معدان” بين دير الزور والرقة”، ويشير الصحفي عمر أبو ليلى إلى أن “الناس فيها وفي قرى أخرى مجاورة مغلوب على أمرهم وضعفاء، بسبب غياب القوة التي تحميهم”.
“مناطق شرق سوريا باتت تعي درسا في موضوع حماية المدنيين من سطوة داعش. في السابق لم يحميهم أحد”، ولذلك بحسب ما يضيف أبو ليلى “لا يملك السكان هناك القدرة على فعل أي شيء، لأنهم يفتقدون عناصر القوة والحماية للمواجهة”.ويؤكد أن “هجمات داعش المتكررة في القرى والبلدات تأتي بغرض الاستهلاك الإعلامي والإيعاز لعناصره بأنه موجود بقوة”، مستبعدا أن “يكون هدفه تثبيت سيطرة مكانية. هو يضرب ويهرب”، حسب تعبيره.
رابط مختصر .. https://eocr.eu/?p=10704&preview=true