المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
حرب غزة والسياسة الغربية.. توترات وانقسامات وارتفاع بأصوات منتقدي إسرائيل
مونت كارلو – مع توالي الأسابيع وارتفاع حصيلة ضحايا القصف على قطاع غزة إلى أكثر من 11 ألفا، تتسع رقعة التوترات والتناقضات في البلدان الغربية، بين الدعين لوقف إطلاق النار الفوري والمعارضين له. التناقضات أدت إلى ازدياد في الأصوات المنتقدة لإسرائيل ولحربها على قطاع غزة، وللحكومات الغربية لعدم قدرتها على فرض هدن إنسانية أو وقف لإطلاق النار.مع اقترابها من إتمام شهرها الثاني، أثارت الحرب على غزة توترات إقليمية ودولية متعددة، انعكست على خطابات وخطط الحكومات الغربية الداعمة لإسرائيل ووضعتها موضع الشك والمحاسبة من قبل قوى سياسية وشعبية محلية، اتهمتها بمصادرة الحقوق الأساسية لمواطنيها لقاء التعبير الراسخ والصارم لدعم إسرائيل في حربها على ما أسمته “الإرهاب”.
ولعل أولى الإشارات الميدانية لهذه التوترات وآثارها إقالة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لوزيرة داخليته “المحببة والتي طالما دافع عنها في مناسبات عدة”، في إطار تعديل وزاري ولكنه مرتبط بالحرب، في أعقاب اتهامها للشرطة البريطانية بالتساهل مع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التي وصفتها بـ “مسيرات كراهية داعمة للإرهاب”.وأبرزت هذه الخطوة إشارات بشأن ازدياد الاستقطاب حول تداعيات الحرب على غزة في أوروبا، من لندن إلى باريس وبرلين وبروكسل ومدريد، واتساع الهوة بين المطالب الشعبية الأوروبية عامة وقرارات الحكومات السياسية.وشهدت شوارع العواصم الأوروبية مسيرات متزايدة تطالب بوقف الحرب فورا، شهدت عودة جزئية لليسار الأوروبي، الذي استغل هذه النافذة للتعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين ولحشد الرأي العام المضاد للسياسات التي تنتهجها الحكومات ليس فقط في الشرق الأوسط، بل حتى على مستوى إدارتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبلاد.
أوروبا تخسر موقعها كوسيط نزيه.. “ازدواجية المعايير”
لطالما لعبت أوروبا نهجا متوازنا نوعا ما تجاه الشرق الأوسط والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بسبب حساسيات وحسابات داخلية وسياسية. لكن يبدو أنه مع امتحان غزة الأخير، تبين أن القارة العجوز لا تتمتع بنفس النفوذ الذي تملكه واشنطن في هذا الملف، كما تبين أنها، وعقب الموقف الذي اتخذه الاتحاد من الحرب، خسرت الثقة الكاملة من جانب الفلسطينيين.ليس خافيا أن النفوذ الأوروبي في الشرق الأوسط يعاني تضاؤلا متواصلا منذ عقود، وذلك نتيجة تهميش أوروبا من الأطراف الفاعلة في المنطقة عن ملفات المفاوضات مثلا. لكن مع اندلاع الحرب الأخيرة، تبين أن القارة، وعلى الرغم من بعدها السياسي، باتت في صلب التداعيات الأوسع للحرب.
من التداعيات المباشرة، انقسام اليسار الأوروبي على نفسه تجاه الموقف من الحرب، الأمر الذي زاد من ابتعاد القارة عن مكانتها كوسيط نزيه في عدد من القضايا المصيرية في الجنوب العالمي. ويبرز هنا التناقض في التصريحات الأوروبية بشأن الحرب على غزة واضحا، حيث يتهم المراقبون صناع السياسة الأوروبيين “بازدواجية المعايير” حين تتم مقارنة مواقفهم من الحرب الأوكرانية مع تلك التي اعتمدوها في غزة.
قطع المساعدات والدعم لإسرائيل.. إحراج أوروبي
وللتدليل على الارتباك في الموقف الأوروبي، في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته حماس على إسرائيل، أعلن أوليفر فارهيلي، المفوض الأوروبي لشؤون التوسع والجوار، التعليق الفوري للمساعدات المقدمة إلى فلسطين.هذا التصريح وضع المؤسسة الأوروبية في موقف محرج للغاية، حيث اضطر كبير دبلوماسيي الاتحاد جوزيب بوريل، للتدخل مباشرة والحد من الأضرار الناجمة عن الموقف، مؤكدا أن المساعدات لن تتوقف.وهذا لم يكن تدخل بوريل الوحيد في مواقف مشابهة، إذ أعلن، عقب زيارة “غير مقررة” لمفوضة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير إلى إسرائيل منتصف الشهر الماضي أحدثت جدلا كبيرا، قدمت خلالها دعما غير مسبوق لإسرائيل حين قالت “ليس من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها فحسب، بل من واجبها أن تحمي مواطنيها وتدافع عنهم”، أنه “يتم تحديد الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي بشأن أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية، وأكرر، من خلال المبادئ التوجيهية الرسمية للاتحاد الأوروبي”، وأن المواقف والقرارات تتخذ بإجماع الأعضاء الـ27، بمعنى أن فون دير لاين، “لا تتحدث باسم الكتلة”.
الانقسامات حلت في الولايات المتحدة
الانقسام تسرب أيضا إلى أروقة السياسة الأمريكية، إذ نشرت مجلة “بوليتيكو” الإثنين الماضي مذكرة مسربة من وزارة الخارجية الأمريكية، تنتقد دعم واشنطن لإسرائيل، وتدعو الإدارة الأمريكية والرئيس جو بايدن لدعم وقف إطلاق النار في غزة.وأظهرت المذكرة تنامي الغضب انقسام متزايد في أروقة صناعة السياسة الأمريكية من الحرب الإسرائيلية. كما أشارت إلى أن الموقف الأمريكي (المنحاز لإسرائيل) “يساهم في التصورات العامة الإقليمية بأن الولايات المتحدة جهة فاعلة متحيزة وغير نزيهة، وهذا في أحسن الأحوال لا يخدم المصالح الأمريكية…”.وأضافت المذكرة، حسب ما جاء في المجلة الأمريكية، “علينا أن ننتقد علنًا انتهاكات إسرائيل للمعايير الدولية مثل الفشل في جعل العمليات الهجومية مقتصرة على الأهداف العسكرية المشروعة… عندما تدعم إسرائيل عنف المستوطنين والاستيلاء غير القانوني على الأراضي أو تستخدم القوة المفرطة ضد الفلسطينيين، يجب علينا أن نعلن علنًا أن هذا يتعارض مع قيمنا الأمريكية حتى لا تتصرف إسرائيل دون عقاب”.
“الانقسامات قد تؤثر على إعادة صياغة السياسات الأمريكية:
وكان موقع “أكسيوس” الأمريكي قد نشر تقريرا مطلع الشهر الجاري حذر فيه من أن “أمريكا تنقسم على نفسها بشكل صارخ بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس”، في حرم الجامعات وأماكن العمل وشوارع المدن وداخل مبنى الكابيتول والبيت الأبيض، والفجوة آخذة في الاتساع.وأوضح الموقع المتخصص بتحليل الشؤون الدولية أن هذه الانقسامات العميقة قد تؤثر على إعادة تشكيل السياسة الأمريكية.ووصلت الانقسامات حول الحرب في غزة إلى “هوليوود”، معقل السينما الأمريكية. إذ تحدثت “نيويورك تايمز” عن انقسام الممثلين بين مؤيدين للفلسطينيين ورافضين “لحرب الإبادة” التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، ومؤيدين لإسرائيل يجمعون التبرعات لها.
رابط مختصر .. https://eocr.eu/?p=11192
المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا