هل تعيد تركيا تشكيل خريطة العناصر الإرهابية من سوريا إلى ليبيا وأذربيجان؟
اندبندنت عربية – وجهت إسرائيل غارات استهدفت ميليشيات تابعة لإيران في جنوب العاصمة السورية دمشق، إذ أفادت مصادر استخباراتية غربية لوكالة رويترز بأن الضربات الإسرائيلية على سوريا جزء من حرب بالوكالة وافقت عليها واشنطن وجزء من سياسة مناهضة لإيران، قوّضت في العامين الماضيين قوة طهران العسكرية الواسعة من دون التسبب في زيادة كبيرة في العمليات القتالية.
وقال مسؤولون عسكريون إسرائيليون في الشهور القليلة الماضية إن إسرائيل ستكثّف حملتها ضد إيران في سوريا حيث وسّعت طهران وجودها هناك بمساعدة فصائل تابعة لها، وترسل أسلحة متطورة إلى حزب الله اللبناني. ويقول مراقبون إن هذا النهج الإيراني في نشر ميليشيات تابعة لها في دول المنطقة لتنفيذ أجندتها التوسعية، هو نفسه الذي يتخذه حالياً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعيد إرسال العناصر الإرهابية في سوريا وجماعات المرتزقة إلى بقاع أخرى من المنطقة لتحقيق أغراض مماثلة.
وفي أولى المؤشرات الدولية حول عمليات تركيا لنقل مرتزقة من سوريا إلى ليبيا، كشف تقرير المفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عن إرسال أنقرة ما بين 3500 و3800 عنصر إرهابي من سوريا إلى ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري. ويقول التقرير الفصلي حول عمليات مكافحة الإرهاب في أفريقيا، الذي صدر الأسبوع الماضي، إن تركيا دفعت وعرضت الجنسية على آلاف المرتزقة الذين يقاتلون إلى جانب الميليشيات المتمركزة في طرابلس ضد قوات الجيش الوطني الليبي في شرق ليبيا.
وهذا الأسبوع تحدثت وسائل إعلام سورية نقلاً عن مصادر داخل منطقة عفرين في ريف حلب، عن أن تركيا بدأت تجنيد مرتزقة من جماعة “الجيش الوطني” بهدف إرسالهم إلى الحدود الأرمينية الأذربيجانية للقتال ضد الجيش الأرميني، حيث يخضع البلدان لتوترات بشأن منطقة “ناغورني كاراباخ”، وذلك مقابل 2500 دولار شهرياً.
دراسات حول دعم أردوغان داعش والقاعدة – تركيا
وتعد علاقة النظام التركي الحاكم، برئاسة رجب طيب أردوغان، بالجماعات الإرهابية في المنطقة، وعلى رأسها تنظيم داعش، ليست خفية. حيث كشفت دراسة لفريق بحث من جامعة كولومبيا الأميركية، بقيادة ديفيد فيليبس، مدير برنامج بناء السلام والحقوق في معهد جامعة كولومبيا لدراسة حقوق الإنسان، والتي صدرت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، إن الحكومة التركية وفرت لتنظيم داعش التعاون العسكري والأسلحة والدعم اللوجيستي والمالي والخدمات الطبية.
وبحسب دراسة أخرى للمركز الأطلنطي (مركز بحثي في واشنطن)، بعنوان “شبكات الدولة الإسلامية في تركيا”، تعود إلى أكتوبر (تشرين الأول) 2016، فإن البنية التحتية العابرة للحدود، والتي استخدمت لنقل المجندين والإمدادات إلى تنظيم داعش من تركيا، مبنية على تنظيم القاعدة والشبكات الإرهابية منذ عقود عديدة والمتمركزة في العديد من المدن التركية، وكانت تستخدم سابقاً كطريق ثانوي للإرهابيين للانضمام إلى التنظيمات الأخرى خلال الاحتلال الأميركي العراق بين عامي 2003 و2011.
وتشير الدراسة إلى أنه منذ بداية الصراع في سوريا، سافر المواطنون الأتراك ذهاباً وإياباً، في كثير من الأحيان للانضمام إلى الجماعات الفرعية الناطقة بالتركية المناهضة لبشار الأسد، وأبرزها جبهة فتح الشام وهي فرع القاعدة الذي أعيد تسميته في سوريا، والذي كان يُدعى سابقاً (جبهة النصرة)، وتنظيم أحرار الشام السلفي. ومع صعود داعش في 2013، بدأ الأتراك في السفر إلى دولة الخلافة المزعومة في الموصل والرقة، حيث انضموا إلى الوحدات الناطقة باللغة التركية. وعلاوة على ذلك، تشير إلى أن 93 في المئة من المقاتلين الأجانب، استخدموا إسطنبول كنقطة عبور رئيسية للوصول إلى العراق وسوريا.
البحث عن ملاذات للسيطرة
في ظل هذه العلاقة الوثيقة التي جمعت الرئيس التركي بتلك التنظميات الإرهابية في المنطقة، بينما تقترب الحرب في سوريا على نهايتها، بعد فشل ما يسمى دولة الخلافة وسقوط تنظيم داعش أولاً بفعل ضربات التحالف الدولي، ثم الانتصارات التي حققها النظام السوري واستعادة معظم الأراضي السورية، من سيطرة التنظميات والجماعات المتطرفة، بات لابد من البحث عن مأوى جديد لهذه العناصر التي تنتمي إلى طيف واسع من الأيديولوجيات الإرهابية، ناهيك عن آلاف المرتزقة ممن يعملون لصالح تركيا على الأراضي السورية، والذين يمكن للرئيس التركي توظيفهم لتحقيق أهداف توسعية في بلدان أخرى من المنطقة مثلما هو الحال في ليبيا أو ربما إرسال بعضهم إلى أذربيجان لدعم تطلعاته بتوسيع نفوذه في القوقاز.
فعلى سبيل المثال، يشير تقرير صادر عن البنتاغون، الصيف الماضي، إلى أن عدد مقاتلي داعش يتراوح بين 14000 و18000. فيما قدّر المحللون والمسؤولون الأميركيون العدد بنحو 10000 عندما أعلن التنظيم دولته المزعومة في يونيو (حزيران) 2014.
ويقول كولن كلارك، أستاذ العلوم السياسية والزميل لدى مؤسسة راند للأبحاث، في الولايات المتحدة، إنه عندما ينتهي صراع ما، إما من طريق القوة أو التسوية أو التفاوض، فمن المرجح أن يتفرق الإرهابيون في اتجاهات عديدة.
ويصنف كلارك تلك الجماعات إلى مجموعات من بينهم من يسمون “العملاء الأحرار” أو المرتزقة المحتملين الذين يُمنعون من العودة إلى بلدانهم الأصلية. والذين من المتوقع أن يشكلوا مجموعة من الإرهابيين العديمي الجنسية ممن سيسافرون إلى الخارج بحثاً عن المسرح التالي لعملياتهم – اليمن أو ليبيا أو غرب أفريقيا أو أفغانستان – لحماية واستمرار وتوسيع حدود ما يسمى الخلافة. هؤلاء هم ذرية الإرهابيين الأصليين، أو الإرهابيين العابري الأوطان الذين عملوا قبلاً في صفوف القاعدة وقاتلوا في أفغانستان ضد السوفيات، وفي الشيشان والبلقان. ومن المرجح أن يرحب المنتسبون إلى تنظيم داعش والإرهابيون المحليون في هذه الأماكن بتدفق رفاق متشددين.
اختلاف المفاهيم
وفي حديثه إلى “اندبندنت عربية” يوضح ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، أن مفهوم هذه الجماعات اختلف عما كان متعارفاً عليه في التسعينيات حيث يخضع الأمر لرؤية وسياسة التنظيم، فهناك عمليات اندماج حدثت بين الجماعات الإرهابية في الفترة الأخيرة ومثال على ذلك جماعة (أنصار الشريعة) في ليبيا، حيث أصبحت عملية الاندماج والتموضع بهدف الانتقال وأصبحت التنظيمات عابرة للحدود ومقسمة إقيليماً.
ويشير إلى أن شركة “سادات” التركية للأمن هي واحدة من أكبر الشركات التي تعمل في مجال تجنيد هذه العناصر ونقلها إلى مناطق الصراع، فتركيا تدعم المرتزقة الخارجين من سوريا من طريق توفير حرية الانتقال وإفساح الأراضي التركية كمحطة للانتقال، فضلاً عن الدعم المالي عبر جمعيات تتخذ واجهات اجتماعية. وهناك محطات انتقال جديدة خصبة ربما تكون أذربيجان واحدة منها، فهذه الدول التي كانت تابعة للاتحاد السوفياتي، ومنطقة القوقاز خرج منها العديد من العناصر التي تم تجنيدها في تنظيمَي داعش والقاعدة.
جماعات أذربيجان – تركيا
تشير دراسة نشرتها شركة الأبحاث تيلور أند فرانسيس، مقرها لندن، في أغسطس (آب) 2016، بعنوان “الدولة الإسلامية وعلاقاتها بالشبكات الجهادية التاريخية في أذربيجان” إلى أنه قبل الحرب الأهلية السورية، كانت الجماعات الإرهابية في أذربيجان مرتبطة في المقام الأول بالتمرد في شمال القوقاز. ومع ذلك، أدت الحملات الأمنية المشددة على الجماعات السلفية بعد تفجير مسجد أبو بكر عام 2008 إلى رحيل العديد من هذه العناصر التي شكلت طلعية الجماعات الأذربيجانية التي انضمت إلى القاعدة في سوريا.
ويقول منير أديب، باحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، إن الإعلان عن سقوط دولة داعش في 22 مارس (آذار) 2019، كان بالنسبة إلى الرئيس التركي بمثابة سقوط مشروع الإسلام السياسي في المنطقة. ومن ثم أصبح أردوغان أمام فكرة إعادة تشكيل أو إعادة تأسيس دولة جديدة تمثل هؤلاء المتطرفين وتم اختيار ليبيا حيث يحاول إنشاء إمارة إسلامية من خلال الإرهابيين الذي يجري نقلهم. ولم يتردد في الإفصاح عن ذلك علانية في فبراير (شباط) الماضي، مُقِراً بنقل المرتزقة للقتال على الأراضي الليبية وهو ما جاء تقرير البنتاجون قبل أيام ليؤكده.
وفي 21 من فبراير (شباط) الماضي، أقرّ الرئيس التركي للمرة الأولى بوجود مقاتلين سوريين موالين لأنقرة في ليبيا، إلى جانب عناصر التدريب الأتراك. وقال في لقاء مع الصحافيين في إسطنبول، “تركيا موجودة هناك، عبر قوة تُجْري (عمليات) تدريب. يوجد كذلك أشخاص من الجيش الوطني السوري”، في إشارة إلى جماعة التمرّد السورية التي كان يطلق عليهم سابقاً اسم “الجيش السوري الحر”.
غير أنّ تركيا كانت ردّت بغضبٍ على تصريحات مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، الجنرال هربرت ماكماستر، في ديسمبر (كانون الأول) 2017، التي اتهم فيها أنقرة والدوحة بـ”تمويل تنظيمات متشددة”، وقال “تركيا مسؤولة بشكل رئيس عن نشر (الأيديولوجيا الإسلامية المتطرفة)”. وهو ما دفع بالخارجية التركية للرد في بيان قائلة، “المزاعم التي أدلى بها ماكماستر، وهو الشخص الأكثر اطّلاعاً على الحرب التي تخوضها تركيا بشكل لا هوادة فيه ضد الإرهاب والتطرف بكل أشكاله وصوره، أمر صادم وغير مقبول”.
عداء الأرمن – تركيا
ويضيف أديب، في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إن أردوغان يستخدم المرتزقة للقتال بالنيابة عن الأتراك، فلديه نظرة استعلائية على العرب وبالتالي يأتي بالعرب لقتال العرب وربما يستخدم الدماء العربية في المعركة الدائرة بين أذربيجان وأرمينيا لقتال المختلف معه عقائدياً وهنا هو يريد أن يحقق طموحه السياسي في إعادة أملاك أجداده. فمن ناحية يحقّق طموحاته التوسعية ومن ناحية أخرى يحقّق مشروعه للإسلام السياسي والذي يسمح له بمزيد من النفوذ في المنطقة العربية ودول أفريقية.
ويوضح أنه بالنسبة إلى أرمينيا، فأردوغان لديه عداء مع هذه الدولة، لأن الأرمن استطاعوا الحصول على اعتراف دولي بما اقترفه العثمانيون من مذابح بحقهم عام 1915، كما أن أرمينيا لديها خصومة مع النظام الحالي الذي يناصبها العداء باعتبارها دولة مسيحية بينما النظام التركي متعصب ويتماهى مع التنظيمات المتطرفة.
كما أن دعمه أذربيجان في مشكلتها مع أرمينيا، لا ينفصل عن طموحه في إعادة إرث أجداده أو ما وصفه بالأمانات العثمانية. ويضيف “بالنسبة إلى ليبيا، فإن أردوغان يعتبرها أمانة عثمانية كانت تسيطر عليها تركيا قبلاً وكذلك الحال مع العديد من الدول في البلقان والدول العربية وأفريقيا، إذ لديه مشروع توسعي قائم على الاحتلال ومحاولة إعادة الإرث القديم الذي كان تحت سيطرة الدولة العثمانية.
تغير مفهوم الحرب- تركيا
كما يشير فرغلي إلى تغير مفهوم الحرب التقليدية القائم على المواجهات بين جيوش نظاميه إلى ما يطلق عليه حرب شوارع تقوم بها الميليشيات المسلحة وجماعات المرتزقة ويقول، إن أردوغان يسير على درب إيران في هذا الصدد، فالنظام الإيراني يعتمد على استخدام جماعات وكلاء في دول أخرى مثل حزب الله في لبنان وصولاً إلى اليمن والعراق، لتنفيذ أجندته في المنطقة. ويضيف “لو حارب الجيش التركي أمام المصري في ليبيا سينهزم بالتأكيد، لذا فإن أردوغان يستخدم تلك الميليشيات المتطرفة من المرتزقة ويمدهم بالمعلومات والدعم اللوجيستي، ويبدأ حرب شوارع تستنزف خصمه، هذه هي الحروب الجديدة”.
تهديد عالمي جديد
ويمثل الموقف الغربي من ممارسات الرئيس التركي بخاصة في ليبيا علامة استفهام كبيرة، لكن يفسرها التنافس المحموم بين روسيا والولايات المتحدة على النفوذ في المنطقة، ومن جانب آخر انشغال أوروبا بتوسع النفوذ الروسي. ويحذر كلارك، في حين أن الاتحاد الأوروبي مشتّت بين أزمات داخلية والتركيز على التدخل الروسي، فإن الإرهابيين المتشددين سوف يتدفقون إلى أوروبا، الذين بعضهم مصمم على توجيه هجمات. وبينما يتدفق الإرهابيون عبر الحدود الوطنية بلا شك إلى ليبيا واليمن، فإن التحدي الحقيقي سيكون منع المزيد من الهجمات حول العالم، بما في ذلك في المدن الأوروبية الكبرى.
ويعتبر منير أديب من ناحية أخرى أن المجتمع الدولي متورط في مشروع أردوغان، فالولايات المتحدة والناتو مشغولان فقط بالتواجد الروسي في ليبيا، التي تبعد عن سواحل أوروبا حوالي 200 كم فقط. ويشير خبير الإرهاب الدولي إلى أن أوروبا تعتقد خطأ أن خطر وجود هذه الميليشيات الإرهابية في ليبيا يقتصر فقط على أفريقيا والدول العربية، بينما هو خطر يهدّد الأمن القومي العالمي وبالتالي دعم هذه التنظيمات المتطرقة سيطال أوروبا.
ويضيف “عندما نقول إن مصر والإمارات والسعودية يدافعون عن الأمن القومي العربي، نقصد به مواجهة الإرهاب الذي لا يعرف الحدود سواء في القارة السمراء أو القارة العجوز”. ويخلص بالقول إلى أن المجتمع الدولي يقع في الخطأ نفسه الذي يتعلق بتأسيس داعش في الرقة والموصل عندما أدركت الولايات المتحدة وأوروبا، بعد سنوات، أن خطر هذه التنظيمات سيمتد إليها فتحركوا وأسسوا التحالف الدولي ضد داعش.
رابط مختصر .. https://eocr.eu/?p=3739