العربية نت ـ4 أكتوبر 2019 ـ في حين يساور الدول الأوروبية الأخرى القلق من مقاتلي داعش العائدين من سوريا والعراق، تواجه بريطانيا مشكلة أخرى وهي ظهور خلية مسلحة محلية، هي “المهاجرون”، التي تعد أكثر الشبكات المتطرفة انتشارا في أوربا، والتي تورطت في تفجيرات لندن عام 2005، وفقا لما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.وبعد هذه الهجمات، أقرّت الحكومة البريطانية حزمة من قوانين مكافحة الإرهاب، وبدأت حملة ضد المتطرفين الإسلاميين، وصدرت أحكام على العديد منهم بالسجن، أو تحديد إقامتهم لمدة 10 سنوات وأحيانًا أكثر.
انتهاء الإقامة الجبرية
لكن تم تصوير أحد مؤسسي تنظيم “المهاجرون”، أنجم شودري، بالقرب من منزله في شرق لندن مرتديًا سوار كاحل إلكترونيا أسود أول أمس الاثنين، وأكد المسؤولون الحكوميون أن شودري، أحد أشهر الدعاة الإسلاميين المتطرفين في بريطانيا، تم إطلاق سراحه من الإقامة الجبرية تحت المراقبة بأحد الفنادق، بعد أن قضى أكثر من نصف مدة السجن الطويلة للترويج لدعم داعش، ولا يزال شودري خاضعا للمراقبة المشددة، لكنه بدأ المراحل المتدرجة ليصبح حرّا مجددا، كما أنه لا يُعدّ الوحيد الذي يمرّ بهذه العملية، حيث يتم إطلاق سراح في وقت متزامن لعدد من أعضاء شبكة شودري القديمة من الاحتجاز، بعد قضاء مدة الأحكام ضدهم.
إعادة التعبئة في بلدة لوتون
وبعيدًا عن فترة المعاقبة، بدأ عناصر تنظيم “المهاجرون” في إعادة التعبئة، متعهدين بمواجهة المتطرفين اليمينيين، وتجديد حملتهم المستمرة منذ عقود للقضاء على الديمقراطية في بريطانيا، وإقامة الخلافة التي تحكم بقوانين الشريعة، وفقًا لما ورد في مقابلات مع حفنة من الأعضاء السابقين.تأسس تنظيم “المهاجرون” في عام 1996، واستخدم أسماء مختلفة على مرّ السنين، وأمضى أعضاؤه سنوات يتهكمون من قوات الأمن البريطانية بشكل فعال، من خلال قدرتهم على مواصلة أنشطتهم على الرغم من حظر التنظيم في عام 2006، بسبب صلاته بالإرهاب، بعد فترة من السكون، يتم إعادة تجميع صفوف التنظيم حاليا من خلال الاستمرار في تغيير اسمه، واعتماد تكتيكات سرية، واستخدام التطبيقات المشفرة والاجتماع في مواقع سرية.وفقًا لإفادة أعضاء سابقين في التنظيم، تشمل المناطق التي تعيد الشبكة تجميع صفوفها فيها، شرق لندن وتحديدا بلدة لوتون، التي تقع شمال العاصمة البريطانية، ومقاطعة بيدفورشير المحيطة بها.
وقال ليث، وهو عضو سابق في شبكة “المهاجرون” المتطرفة، والذي اكتفى بذكر اسمه الأوسط فقط خوفا من تعرضه للمحاكمة: “يتعرض المسلمون للهجوم في جميع أنحاء العالم، إن مهمتنا أصبحت أكثر إلحاحًا الآن، ومع خروج أنجم والإخوة الآخرين من السجن، فقد حان الوقت لإعادة تجميع صفوفهم والخروج بقوة أكبر من ذي قبل”.موضوع يهمك?خطط الشاب السعودي فهد الصاعدي الحربي لتخليص أهل منطقته من ذئب شرس يعدو على ماشيتهم في وادي ريم جنوب المدينة المنورة،… شاهد.. ماذا فعل سعودي بعد أن اصطاد ذئبا “يأكل القلوب”؟ السعودية
مخاوف السلطات البريطانية
بالنسبة للسلطات البريطانية، فإن إمكانية عودة ظهور التنظيم المتطرف تشكل مصدر قلق عميق، وفي الشهر الجاري، أصدر أندرو باركر، المدير العام لـ MI5، وكالة مكافحة الإرهاب والأمن المحلية البريطانية، تحذيرًا علنيًا نادرًا بشأن المخاطر المستمرة للشبكات المتطرفة، وأكد على التهديدات التي تشكلها الجماعات المتعاطفة مع داعش، وبحسب ما كتبه باركر في صحيفة The Evening Standard، مازال هناك “في المملكة المتحدة، أفراد ملهمون” من دعاية داعش، “على الرغم من عدم اهتمامهم بالسفر إلى سوريا”.أعربت الأجهزة الأمنية عن انزعاجها الخاص من احتمال قيام شبكة “المهاجرون” النشطة حديثًا، بمحاولة تجنيد أعضاء، بينما يحاول بعض مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي والمتعاطفين معه العودة إلى بريطانيا، بعد سقوط المنظمة الإرهابية في العراق وسوريا، واتخذت بريطانيا موقفا صارما ضد العائدين المحتملين، حيث ألغت جوازات سفر أكثر من 150 شخصا.
وقال ديفيد فيديست، محقق بريطاني سابق في مجال مكافحة الإرهاب، إن المواطنين البريطانيين الذين انضموا إلى داعش سيشكلون خطرًا واضحًا إذا عادوا، موضحا أنهم إذا عادوا “فسيكون لدى بريطانيا، بشكل مفاجئ، مقاتلين مدربين ربما لديهم الدافع للقيام بهجمات استشهادية، وفقا لما هو معروف تاريخيا عن الشبكات المتطرفة”.يخضع شودري حاليا للمنع من الإدلاء بأحاديث عامة أو التواصل مع أعضاء شبكته القديمة، لكن العديد من الأعضاء السابقين قالوا إن إطلاق سراحه من السجن، إلى جانب الإفراج عن شخصيات أخرى، يعد بمثابة قبلة الحياة لأعضاء الشبكة، التي تم إدانتها بـ 25% من جميع حوادث الإرهاب الشبكات المتطرفة في بريطانيا بين عام 1998 و2015.
تفجيرات سريلانكا
وقال بروفيسور مايكل كيني، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة بيتسبيرغ، “لقد بدأ بعض النشطاء في الاجتماع مرة أخرى، ويقومون بتحسس الأوضاع أثناء عودتهم إلى نشاطهم”.أمضى بروفيسور كيني سنوات مع مجموعة منبثقة عن شبكة “المهاجرون” كجزء من عمله البحثي الذي تكلل بإصدار كتاب “داعش في بريطانيا”.من الصعب المبالغة في تقدير الدور الذي لعبه شودري في تحفيز المتطرفين الإسلاميين، فقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية، خلال الشهر الجاري، على سبيل المثال، أن أحد المهاجمين وراء تفجيرات سريلانكا، وهو عبد اللطيف جميل محمد، تحول إلى التطرف الديني على يد شودري نتيجة لحضوره خطبه خلال برنامج الدراسة بالخارج عام 2006.وقال نيك لوليس، مسؤول تنفيذي في جمعية Hope Not Hate البريطانية المناهضة للعنصرية، والتي يقول إنها تواصلت مع 120 متشددًا إسلاميًا لهم صلات بشودري: “لم يكن لأي مواطن بريطاني آخر تأثير كبير على الكثير من الإرهابيين مثل تشودري”.
إجراءات أمنية صارمة
فيما صرح ممثل وزارة الداخلية البريطانية، التي تضطلع بمسؤولية مراقبة الجماعات المتطرفة، إن الحكومة تدرك التهديد المحتمل الذي يمثله شودري وتنظيم المهاجرون، وتتبع الأجهزة الأمنية إجراءات صارمة للتعامل مع مثل هذه الحالات.وأضاف ممثل الداخلية البريطانية: “عندما يتم إطلاق سراح أي مجرم إرهابي من السجن، تكون الأجهزة الأمنية على دراية بذلك وتمتلك صلاحيات سرية وعلنية قوية للتحقيق في أي تهديد محتمل منه، ولا يزال الأشخاص الذين تم إطلاق سراحهم يخضعون لرقابة صارمة ومحكمة، والتي إذا تم انتهاكها يمكن على الفور إعادة اعتقالهم”.
تكتيكات السرية والتكتم
أفاد معظم الأعضاء رفيعي المستوى السابقين في تنظيم “المهاجرون” بأنهم ظلوا تحت مراقبة صارمة، شملت اتصالاتهم الإلكترونية، وهو ما أكدته وزارة الداخلية. ولكن كنتيجة لهذه الإجراءات، يقول هؤلاء الأعضاء إنهم يقومون بأنشطتهم بتكتم، ويتجنبوا أي ذكر أو ارتباط بالاسم السابق للمجموعة.ويقول النشطاء إنهم حوّلوا أساليبهم في الاستقطاب والتجنيد من الوعظ والمظاهرات العامة، إلى منتديات الإنترنت السرية والاجتماعات الأصغر عددا في أماكن غير محددة، وأوضحوا أنه تم تغيير اسم التنظيم لأنه إذا كانت المجموعة تستخدم اسمًا لم يتم تحديده كاسم لجماعة إرهابية، فإن التجمعات تكون قانونية.
عهد الأمن
يلتزم معظم أعضاء المجموعة بما يسمونه “عهد الأمن” الذي يحظر الهجمات على غير المسلمين في بلد إقامتهم، لكنها مسألة اختيار فردي.في السنوات الأخيرة، تأثر أعضاء التنظيم بشكل متزايد بالمجموعات الراديكالية الأجنبية مثل تنظيم القاعدة وداعش، مما ألهمهم لتنفيذ الهجمات على جسر لندن ومناطق محيطة به في عام 2017 وقتل الجندي البريطاني لي ريجبي بلندن عام 2013.
إيديولوجية جهادية
دأب شودري على إلقاء خطب وعظ تروج لإيديولوجية متطرفة يتهم فيها الغرب بإيذاء المسلمين، وتمكن المحامي السابق شودري من البقاء خارج السجن لسنوات عديدة، حتى عندما اعتقلت السلطات العديد من أعضاء شبكته الأوسع.
التقليل والتدمير
قال محمد شمس الدين، الذي جنده شودري قبل أكثر من 20 عامًا: “يجب أن أعترف بأن التقليل والتدمير، كان تكتيكًا ناجحا”. وأضاف شمس الدين أن السلطات لم تعد قادرة على اتخاذ إجراءات صارمة بنفس الطرق المعهودة.وقال شمس الدين: ” يتم حاليا إطلاق سراح جميع الرجال الذين اعتقلتهم منذ 10 سنوات، إنهم أكثر صحة وأقوى من ذي قبل، ويأتي ذلك في وقت تنتشر فيه قوات الشرطة في مساحات ممتدة (مما يشتت جهودها) بينما تعاني بريطانيا ككل من أزمة الخروج من الاتحاد الأوربي”.
إشارات إلكترونية
بموجب قانون التحقيقات والإجراءات الوقائية لمكافحة الإرهاب لعام 2011، جرت مراقبة العديد من كبار النشطاء في تنظيم “المهاجرون”، الذين يعيدون تجميع صفوفهم، ويوفر هذا التشريع إطارًا لبرنامج يقيد تحركات الأفراد المشتبه في تورطهم في أنشطة متعلقة بالإرهاب، من خلال استخدام العلامات الإلكترونية والإقامة الجبرية ليلا، ولكن وصف بعض من تم وضعهم تحت قيود برنامج الإقامة الجبرية بأنها تشبه إلى حد كبير قضاء عطلة طويلة.
نتائج عكسية
وقال أحد أعضاء الشبكة، ممن فرضت عليهم إقامة جبرية ورفض ذكر اسمه، حيث إنه غير مصرح له قانونا بالتحدث حول ظروف الاحتجاز، قائلا إن الوضع كان رائعا، وعرض صورة فوتوغرافية له أمام منزل تحيط به حديقة، وقال إنه تم احتجازه “في منزل من أربع غرف نوم في أجمل مناطق إيبسويتش (بلدة في شرق إنجلترا)”، وأشار إلى أنه استعاد طاقته بعدما حصل “على فترة راحة جيدة بعد سنوات من العمل الشاق”. واختتم حديثه قائلا: “لقد أنفقوا كل هذه الأموال ولكن في النهاية عدت إلى تويتر وفيسبوك وانضممت لزملائي مجددا، لقد عدت إلى المجتمع وأقوم بدوري”.
صراع أيديولوجي فقط
أنكر بعض النشطاء في الشبكة أن شودري شجع أعمال الإرهاب، مدعيا أنه وجه طاقتهم إلى صراع إيديولوجي، وليس صراعا عنيفا، وقال عبد الله مهيد، العضو السابق في تنظيم “المهاجرون”، البالغ من العمر 42 عامًا: “لقد ارتكبت الحكومة البريطانية خطأً كبيرًا بوضع أنجم (شودري) في السجن”، موضحا “إنه (شودري) يؤمن بعهد الأمن وكان قادرًا على السيطرة على الشباب أثناء حصولهم على تعليمهم من شخص متعلم، الآن، أصبح الجميع مستقلين، ويتعرضون للتطرف عبر الإنترنت”.
بيانات محدودة
لا يوجد بيانات محددة تضم عدد الناشطين المنتمين للتنظيم، الذي كان يُعرف سابقًا باسم “المهاجرون”. ووفقًا لبروفيسور كيني من جامعة بيتسبرغ، لم يكن هناك أكثر من 200 عضو بالشبكة خلال سنوات الذروة للتنظيم، في أواخر التسعينيات من القرن الماضي إلى أوائل العقد الأول من القرن العشرين.كما أنه من غير الواضح ما إذا كان شودري سيؤكد قيادته للتنظيم، بعدما تنتهي فترة المراقبة والقيود المفروضة عليه حتى عام 2021، وكان هناك أعضاء في المجموعة تحدوا قيادته في الماضي، وأرجح بعض من لا يزالون ناشطين في الشبكة أنه قد تم استبداله، ولكن قال كثيرون إنهم ينتظرون بفارغ الصبر عودة شودري.
شرارة الاشتعال
وأكد أحد النشطاء، الذي لم يعد خاضعا لبرنامج الإقامة الجبرية، أن أعضاء التنظيم “ينتظرون الإفراج عن أنجم (شودري). إنهم ينتظرون تلك الشرارة”.واختتم حديثه قائلا: “إن برامج المراقبة تؤدي إلى أحد أمرين، إما أنها تحطم معنويات الشخص أو تشحذ قوته وتجعله أكثر تشددا، وبالنسبة لي، أشعر بالراحة حاليا وأشعر بشحذ المزيد من الطاقة والقوة وفي كامل الاستعداد”.
رابط مختصر :https://eocr.eu/?p=285