الشرق الأوسط ـ 17 يونيو 2018 – تثير مظاهر الانعزال الاجتماعي والتباهي بالاختلاف وعدم الثقة بالجمهورية في منطقة تراب القريبة من باريس وفي أماكن أخرى، قلق السلطات الفرنسية من تنامي التيار الأصولي الذي يعتبر بوابة العبور لاعتناق الآيديولوجيا المتطرفة».ورغم أن لاعب كرة القدم نيكولا انيلكا والكوميدي المعروف جمال دبوز من أبناء منطقة تراب الفقيرة الواقعة على بعد 30 كلم غربي باريس، فإن المنطقة تبقى سيئة الصيت. وكانت آفتها في السابق المخدرات والانحراف أما اليوم فبات الإسلام المتشدد هو الذي يثير قلق الشرطة وأجهزة المخابرات».
ومع أن المدينة شهدت أول أعمال شغب ذات خلفية دينية في 2013. فهي لا تشكل جيبا معزولاً أو «غيتو» بل إن ضغط الإسلام المتطرف على الحياة اليومية يمارس بشكل تدريجي ومتصاعد في مجالات الدراسة واستهلاك الكحول والمنشآت الرياضية».وبحسب مصدر في أجهزة مكافحة الإرهاب، فإن خمسين شخصا مروا عبر شبكة تراب للتوجه للقتال مع متطرفين في العراق وسوريا. وأكد رئيس بلدية المدينة الاشتراكي غي مالاندين في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية توجه 40 إلى 50 من سكان المدينة إلى سوريا والعراق وبينهم شاب كان يعمل في البلدية ويتولى رعاية أطفال».
وجعلت هذه الأعداد من المتشددين من تراب «مشكلة» من نوع جديد في بلد شهد سلسلة اعتداءات إرهابية دامية. فالمدينة التي شكلت معقلا سابقا للشيوعيين، توسعت بشكل كبير في ستينات القرن الماضي مع استقبال عمالة مغاربية استقرت بها للعمل في صناعة السيارات».ومثل ضواحٍ باريسية أخرى، تعاني تراب اليوم من ارتفاع كبير في نسبة البطالة (20 في المائة) ومن انكفاء ديني دفع أقلية إلى اعتناق التطرف».
أنشأ إبراهيم ايريس أول مكتبة للكتب الدينية الإسلامية في المقاطعة قبالة مقر البلدية. وهذا الفرنسي الذي اعتنق الإسلام يربي لحية طويلة غزاها الشيب ويرتدي قميصا تقليديا طويلاً، وأشار هذا المدرب الرياضي السابق (51 عاما) إلى أنه «حين رأت الأمهات أطفالهن يعودون إلى ممارسة العبادات، شكل ذلك عامل ارتياح لديهن. المسلمون لم ينتبهوا لما يحدث. ما كانوا على درجة كافية من اليقظة».
وبحسب مذكرة لأجهزة المخابرات ارتفع عدد أتباع «التيار الذي يصعب أن يتلاءم مع نمط الحياة الغربية» من خمسة آلاف في 2004 إلى ما بين 30 و50 ألفا اليوم من إجمالي نحو ستة ملايين مسلم في فرنسا».ويقول ايريس بأنه في تراب «هناك أقلية من المسلمين تعتنق هذه الآيديولوجيا» مفاخرا بأنه أقنع خمسة شبان بالعدول عن فكرة الجهاد».ويؤكد رئيس بلدية تراب غي ملاندين «طبعا هناك بعض الناشطين. لا يقتصر الأمر على الأتقياء. لكن لا توجد جمعية يهيمن عليها أو يقودها «متطرفون».
لكن شرطياً يؤكد في المقابل أنه وبالتدريج يصبح الإسلام المتطرف «هو السائد» في تراب، مشيرا إلى أنه ما زال يحتفظ «بذكرى صادمة» عن تطويق مفوضية الشرطة من 200 متشدد «تقدح أعينهم بشرر الكراهية».كان ذلك في 2013 حين اشتعلت المدينة لعدة ليال بعد أن طلبت الشرطة من امرأة منتقبة إبراز هويتها. وكانت تلك أول أعمال شغب على خلفية دينية تشهدها مدينة فرنسية».وقال عثمان نصرو زعيم كتلة اليمين في البلدية «هناك أقلية تعتنق الأفكار الأصولية. لكن هذه الأقلية لا يمكن الاستهانة بها والمشكلة أنها تتنامى. هناك شرخ آخذ في الاتساع. في السابق لم نكن ندرك الظاهرة واليوم يبدو الجميع مصدوماً».
ومع ذلك فإن تراب لا يمكن اعتبارها جيبا منعزلا. ففي حي ميريسييه حيث يقيم غالبية المسلمين، أتاح برنامج للتجديد العمراني أنفق عليه أكثر من 300 مليون يورو استبدال أبراج بعمارات سكنية لائقة مع ميادين خضراء».وفي حانة ساحة السوق قال مديرها علال إنه لا يعرف السلفيين. لكنه أكد أن «رقم أعماله تضاعف أربع مرات» منذ أن توقفت الحانة عن بيع الكحول في 2015.
وفي المدينة التي يوجد بها خمسة مساجد، ولا تبيع متاجرها سوى اللحم الحلال. وفي السوق غالبية النساء محجبات. وبحسب تقرير سري من مصدر قضائي في 2016. فإن نحو 80 أسرة فضلت تعليم أطفالها في المنزل على مدارس الجمهورية». ولاحظ رئيس البلدية أن «هناك إرادة في تحديد طابع الحياة الاجتماعية من خلال الانتماء الديني». وقبل بضع سنوات قدمت مجموعة من 200 امرأة لتطلب منه، بلا جدوى، تخصيص أوقات لهن في المسبح البلدي. ومؤخرا اضطر رئيس البلدية للتدخل لوقف استخدام مكبرات الصوت عند الأذان في مسجد يديره اتحاد مسلمي تراب».
ورفض الاتحاد، وهو جمعية قريبة من «الإخوان المسلمين»، الرد على أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية وكذلك فعل أفراد كانوا أمام المسجد».وهذه المسائل تبقى حساسة في بلد متمسك تماما بالعلمانية. ولا تصدر فرنسا أي إحصائيات رسمية عن العقيدة الدينية لمواطنيها. ويؤكد رئيس بلدية تراب أن ما بين 25 و30 في المائة من سكان المدينة مسلمون. لكن مصدرا قضائيا محليا قدر أن الرقم أعلى بكثير «بين 60 و70 في المائة».وقال عثمان نصرو «إن ما يزعجني هو تنامي خطاب الانعزال على أساس الهوية، لقد فوجئت من نسبة الشبان الذين استحسنوا الاعتداء على مجلة شارلي إيبدو» في 2015 وذلك بعد نشرها رسوما مسيئة للنبي محمد.
وندد بـ«قانون الصمت» السائد في تراب بشأن الموضوع متهما بعض المسؤولين المنتخبين بممارسة «الزبائنية» السياسية».ورفض رئيس البلدية هذه الاتهامات لكنه يؤكد أنه «ليس لديه القوة الكافية» لمواجهة تحدٍ بهذا الحجم. وطالب بـ«توضيح» عاجل من الدولة في وقت يستعد فيه الرئيس إيمانويل ماكرون لتقديم خطته إزاء الديانة المسلمة».وحذر رئيس البلدية من أنه «إذا لم يتم التركيز على دعم أنصار الإسلام المعتدل ذي الصبغة الأوروبية، سنواجه صعوبات جمة».
رابط مختصر :https://eocr.eu/?p=494