المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
المسلمون في أوروبا… سردية الأرقام والرفض والقبول
كيف ستتعامل التيارات اليمينية المتطرفة مع ظاهرة التصاعد العددي لذوي الأصول العربية والإسلامية؟
إلى أين يمضي وجود الإسلام والمسلمين في القارة الأوروبية؟
أندبندنت عربية ـ هذا تساؤل مثير، ويستلفت اهتمام الكثيرين من الباحثين والدارسين غرباً وشرقاً، لا سيما في ظل التصاعد العددي لأرقام المسلمين هناك في العقود الأخيرة.ولعل من نافلة القول إن الإسلام كدين، لم يكن بحال من الأحوال بعيداً من أوروبا، لا سيما في القرون الوسطى، سواء سلماً أو حرباً، فقد جرت مياه التواصل الإنساني بالعديد من الكتّاب والمفكرين والفلاسفة الأوروبيين، وبين الإسلام كدين ورؤية إيمانية، وكذلك بين الأوروبيين والمسلمين كواقع حي وتعايش يومي إنساني، عبر التجارة وسفر الرحالة وكتابات الأولين، وأيضاً خلال مواجهات حربية كما في زمن حروب الفرنجة كما أسماها العرب أو الحروب الصليبية بحسب تسمية الدوائر الغربية.عطفاً على ذلك فإن خمسة قرون من الحضور الإسلامي في الأندلس، تركت بدورها بصمة حضارية واضحة في مسيرة حياة الأوروبيين.
ما الذي يعنيه ما تقدم؟
قطعاً القول بأن الإسلام والمسلمين، ليسوا حالة طارئة على العالم الأوروبي، فقط ربما يكون الجديد هذه المرة متمثلاً في هذه النسب المئوية العالية، وغير المسبوقة منذ سقوط الأندلس في الثاني من يناير (كانون الثاني) من عام 1492م.لماذا إعادة القراءة في هذا الملف مرة جديدة هذه الأيام؟ وما هو مصير هذا التوجه التصاعدي، فهل سيظل في التقدم؟ وما نوع مسلمي أوروبا الجدد، هل سيشكلون رؤية أنثروبولجية مغايرة عن أجيال المسلمين السابقين، والذين حلوا برحالهم من الشرق الأوسط وأفريقيا وبعض جهات شرق آسيا؟ ثم يبقى التساؤل الأهم هل تتقبلهم المجتمعات الأوروبية بشكل مؤكد على رغم محاولاتهم الحثيثة للاندماج في هذا النمط الغربي مع الحفاظ على الأبعاد الإيمانية الإسلامية؟
فرنسا… 10 في المئة من مواطنيها مسلمون
في الأسبوع الأول من يونيو (حزيران) الجاري، صدرت عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا الطبعة الجديدة التي تهتم بأحوال الهجرة والمهاجرين، والذي اهتم على نحو خاص بدراسة الدور المركزي الذي تلعبه الأسرة في إعادة إنتاج الانتماء الديني.الدراسة التي حملت عنوان “المهاجرون وأحفاد المهاجرين”، أكدت أن الأديان والإسلام على وجه الخصوص، لا تزال تمارس تأثيراً قوياً على الأفراد في فرنسا، وأنها أدوات تساعد في التكيف والتطور وسط عالم عدائي. هل فقدت أوروبا عامة وفرنسا خاصة الحس والملمس الدينيين، وكما يتراءى للكثير من المتابعين من خارجها؟
المؤكد أن الناظر إلى سطح الحياة العامة في فرنسا، يخلص إلى فكرة سيادة وهيمنة الاتجاه العلماني مرة وإلى الأبد في بلاد الغال، حيث الاعتقاد بأن الدين يذوب في الحداثة.غير أن الحديث ليس صحيحاً بالمطلق، لا سيما أن الأرقام التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا، أظهر أن 10 في المئة من السكان يعلنون أنهم من المسلمين، وبذلك باتوا يمثلون الكتلة الأكبر دينياً بعد الكاثوليك الذين يشغلون قرابة 29 في المئة من الفرنسيين، ما يعني أن فرنسا لا تزال على ولاءاتها الكاثوليكية التقليدية حتى الساعة بصورة أو بأخرى.
وفي ما يتعلق بالانتماءات والممارسات الدينية داخل عائلات المهاجرين وأحفادهم في فرنسا يظهر الاستطلاع أن تناقص الممارسة الدينية بين العائلات المسيحية بشكل حاد لم ينطبق على العائلات المسلمة واليهودية. كما يظهر أن توريث الدين أقوى بين الأفراد الذين نشأوا في أسرة مسلمة، إذ اعتبر 91 في المئة منهم أنهم ينتمون إلى ديانة آبائهم، مقابل 84 في المئة من اليهود، و67 في المئة فقط بين الكاثوليك.
هل من أرقام بعينها عن عدد مسلمي فرنسا؟
تعد فرنسا البلد الذي يوجد به أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، إذ يقدر عددهم بحوالى 6.3 مليون مسلم، أغلبهم ينتمون إلى دول المغرب العربي وشمال أفريقيا، وقد عرفت أعداد المسلمين في البلاد تزايداً واضحاً وملحوظاً بعد الحرب العالمية الأولى، إذ كانت الجمهورية الفرنسية في حاجة إلى الأيدي العاملة وقتها.هل هذا هو العدد الصحيح بشكل مطلق؟ الشاهد أن هناك آراء أخرى تميل إلى القول إن العدد الكلي يفوق هذا العدد بكثير.
تبدو أعداد المسلمين الفرنسيين مرشحة لمزيد من التصاعد، ولا يرجع ذلك إلى زيادة أعداد المهاجرين من العالم العربي والإسلامي، بقدر المفارقة الكبرى بين معدلات الإنجاب بين الفرنسيين والتي لا تتجاوز 1.8 في المئة، في مقابل معدلات خصوبة لدى مجتمع المسلمين الفرنسيين بلغت في بعض الأوقات 8.1 في المئة.وفي جنوب فرنسا المعروف تقليدياً بأنه من أكثر المناطق المكتظة بالكنائس في العالم فإنه يحوي اليوم عدداً أكثر من المساجد الإسلامية مقارنة بعدد الكنائس.
بريطانيا… ارتفاع ملحوظ خلال ثلاثة عقود
تبدو قصة الإسلام والمسلمين في بريطانيا مشابهة لما يجري في فرنسا، وإن بنسبة أقل.ارتفع عدد المسلمين قبل عقدين من 82 ألفاً إلى 3.5 مليون نسمة، يمثلون نحو 5.5 في المئة من تعداد السكان بزيادة قدرها 30 ضعفاً وبأكثر من ألف مسجد تنتشر في أرجاء البلاد، علماً بأن أغلب تلك المساجد كانت كنائس من قبل… هل تقدم هذه الجزئية دلالات بعينها؟ ذلك كذلك بالفعل، فقد كشفت أولى معطيات الإحصاء العام الذي جرى في بريطانيا عام 2021، عن تحولات عميقة وغير مسبوقة داخل المجتمع الإنجليزي، خصوصاً على مستوى الديانة، ففي حين تتراجع بقدر كبير أعداد الأشخاص الذين يعلنون أنهم يعتنقون المسيحية، ارتفع عدد المواطنين الذين قالوا إنهم يعتنقون الإسلام.
باتت نسبة المسيحيين في كل من إنجلترا وويلز تشكل 46.2 في المئة للمرة الأولى في تاريخ المملكة، علماً أنها كانت تشكل 59.3 في المئة خلال إحصاء 2011.كما أظهر الاستطلاع أن الأشخاص الذين يعرفون أنفسهم بأنهم لا يعتنقون أي ديانة باتوا يشكلون 37.2 في المئة من سكان المملكة المتحدة، مما يجعلهم ثاني أكبر كتلة بعد المسيحيين، وبات عددهم 22.2 مليون شخص.في المقابل زادت أعداد الأشخاص الذين يعرفون أنفسهم بأنهم مسلمون بنسبة 44 في المئة خلال السنوات العشر الماضية. إحصاءات اليوم عن مسلمي بريطانيا اختلفت عما كانت عليه قبل عشرين سنة، فقد ارتفعت أعدادهم من 2.7 مليون شخص في 2011 إلى 3.9 مليون في 2021، بزيادة قدرها 1.2 مليون مسلم في 10 سنوات، وبات المسلمون يشكلون 6.5 في المئة من مجموع سكان بريطانيا.
تتميز لندن بكونها المدينة الأكثر تنوعاً من حيث الثقافات والديانات، فلا عجب إذاً من نتائج الإحصاءات الأخيرة التي قالت إن عاصمة الضباب هي مدينة متعددة الديانات، حيث لا يشكل المسيحيون فيها سوى 25.3 في المئة، وتتوزع بقية النسب على أتباع الديانات الأخرى أو من أعلنوا أنهم لا يعتنقون أي ديانة.وتشير أحدث الدراسات الإحصائية إلى أن بريطانيا لم يدخلها لاجئون مسلمون كثر بين 2010 و2020، إذ قدر عددهم بـ 60 ألفاً، وبشكل عام، فعدد المسلمين الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة منذ 2010 يناهز 43 في المئة من المهاجرين لبريطانيا.هل من دولة أوروبية أخرى لها دلالاتها الدينية والإيمانية في تاريخ القارة الثقافي والديني، بات عدد المسلمين فيها يشكل حضوراً واضحاً وزيادة مضطردة؟
إيطاليا وهولندا وبلجيكا… أوروبا مغايرة
تظهر الإحصاءات الأخيرة أن تزايد أعداد المسلمين في القارة الأوروبية لا يتوقف عند دولة بعينها، ارتبط تاريخها بعلاقات ما مع العالم العربي والإسلامي، كما الحال مع فرنسا، بل يمتد إلى دول أخرى ذات تاريخ مسيحي مهم بل مركزي في القارة كما الحال مع إيطاليا، عاصمة الكنيسة الكاثوليكية.تشير آخر الإحصاءات الإيطالية إلى أن عدد المسلمين في البلاد يقدر بنحو 1.8 مليون نسمة، معظمهم يتركزون في الجهات الصناعية شمال البلاد، في حين تضم العاصمة روما وحدها أكثر من مئة ألف، وبالنسبة لدور العبادة، فتضم روما واحداً من أكبر المساجد في أوروبا، فضلاً عن مساجد أخرى تنتشر في المدن والحواضر.
وفي تقرير أعدته منظمة كاريتاس ومؤسسة “مبجر” التابعة لمجلس الأساقفة الإيطاليين عن الهجرة إلى إيطاليا نشر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وجد أن المسلمين يمثلون أكثر من 29 في المئة من بقية الأجانب المقيمين في البلاد.وأشار التقرير إلى أن عدد المواطنين المسيحيين في إيطاليا انخفض إلى أقل من 2.8 مليون نسمة مقارنة بنحو 2.9 مليون العام الماضي.تأتي بلجيكا بعد فرنسا من جهة الإيمان بالمعتقد الكاثوليكي، وهي بدورها مقصد للمهاجرين المسلمين من أصول مغربية بنوع خاص ويتجاوز عددهم هناك 700 ألف مسلم.يحتل الإسلام في بلجيكا المرتبة الثانية ضمن الديانات المعتنقة في هذا البلد الأوروبي المتميز بنوعية الحياة وببعض من أفضل الجامعات.
وبحسب تقرير لجريدة “إيكونوميست” البلجيكية، فإن نصف أطفال المدارس الحكومية في بروكسل من عائلات مسلمة، كما يوجد في العاصمة أكثر من 300 مسجد. تعترف بلجيكا بالدين الإسلامي وتخصص ميزانية لتدريس التربية الإسلامية، وتدفع رواتب بعض الأئمة.على أن قصة هولندا مع الإسلام ذات ملمح خاص، فهي في العقود الأخيرة من القرن المنصرم، وجدت نفسها في حاجة إلى المزيد من الأيدي العاملة، الأمر الذي فتح الفرص لعشرات الآلاف وقتها من تركيا والمغرب للهجرة إليها.يبلغ عدد سكان هولندا من المسلمين اليوم نحو مليون نسمة، أي حوالى 6 في المئة من عدد السكان الإجمالي، كما أشارت صحيفة AD الهولندية أخيراً إلى أن الإسلام يعرف انتشاراً واسعاً داخل البلد، وعززت ذلك بأرقام تفيد تنامي الإسلام في العاصمة أمستردام على غرار الديانات الأخرى.
ألمانيا والنمسا والسويد… موجات قديمة وجديدة
للمسلمين مع ألمانيا قصة طويلة، تعود إلى ما قبل ستينيات القرن الماضي، وسابقة على تفضيل تيار الإخوان المسلمين اللجوء إليها، وهو الأمر الذي فصله الكاتب الكندي “إين جونسون” في كتابه الشهير “مسجد في ميونيخ”.غازل الزعيم النازي أدولف هتلر المسلمين في تركيا وشمال أفريقيا ومصر خلال الحرب العالمية الثانية، ولعب كثيراً على أوتار القضية الفلسطينية، وبلغ به الأمر حد تكوين ما عرف بالفيلق الإسلامي في الجيش الألماني.لهذا يمكن القطع بأن الحضور الإسلامي في ألمانيا، سابق على غيره من الدول الأوروبية الأخرى.
في هذا الصدد ليس سراً القول إن ألمانيا من بين أهم الدول التي قصدها المسلمون من نهاية الحرب العالمية الثانية، ويقدر عدد المسلمين هناك بنحو 5.5 مليون مسلم، وتتجاوز نسبة الأتراك الثلثين، كما أن عدد المسلمين بهذا البلد عرف تزايداً بنوع خاص ما بين الأعوام 2010 و2020، حيث قصدها نحو مليون لاجئ، بنوع خاص من دول ما سمي بالربيع العربي، وتشير الإحصاءات الألمانية إلى أن 86 في المئة من هؤلاء هم من المسلمين.
هل تعداد المسلمين الألمان مرشح للزيادة مرة أخرى؟
ذلك كذلك، وبخاصة في ضوء نسبة الولادات المتراجعة بشكل كبير بين الألمان، حيث يبلغ معدل المواليد 1.5 في المئة وهو الأدنى في القارة الأوروبية، الأمر الذي يجعل التركيبة السكانية لألمانيا على المدى الطويل لمصلحة المسلمين، ما يبين أهمية قبول “الواقع الإسلامي في ألمانيا”.وبحلول عام 2050 سوف ترتفع نسبة مسلمي ألمانيا من 6 في المئة إلى 20 في المئة ما يعني أن واحداً من كل خمسة أشخاص قد يكون مسلماً في المستقبل.وما ينطبق على ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، ينسحب كذلك على إسبانيا التي عاش جزء كبير منها تحت الحكم الإسلامي لمدة خمسة قرون، ولا تزال تحتفظ بعض مدنها بآثار تشهد بذلك.
اليوم هناك نحو 3 ملايين مسلم في إسبانيا، وينحدر أكثرية المسلمين هناك من الأصول الأمازيغية، بخاصة من شمال المغرب العربي وبعض البلدان الأفريقية، ويتوزع المسلمون على مدن عدة مثل مدريد وكتالونيا والأندلس وفالنسيا وموثيا وكانارياس.لم تتوقف زيادة نسبة مسلمي أوروبا على الدول القريبة تقليدياً من الشرق الأوسط والعالم العربي جغرافياً، بل انسحب الأمر كذلك على بعض الدول الإسكندنافية مثل السويد، والتي كانت حتى وقت قريب جداً حديثة العهد بفكرة استقبال المهاجرين.
شهدت السويد تدفقاً كبيراً للاجئين المسلمين من البوسنة والشيشان والعراق ولبنان والصومال وأفغانستان، عطفاً على سوريا بنوع خاص، ما جعل نسبة المسلمين هناك تبلغ بين 6 و8 في المئة من نسبة السكان السويدين، حيث يصل السكان المسلمون إلى ما بين 500 إلى 800 ألف نسمة من جنسيات مختلفة أكبرها السورية 185 ألف والعراقية 145 ألفاً.هل من صورة إجمالية لمستقبل الإسلام والمسلمين في القارة الأوربية العجوز، والتي يمكن للمهاجرين وأجيال المسلمين الجدد تجديد شبابها من خلال معدل ولادات أعلى مما هي فيه الآن ما يتسبب في كارثة ديموغرافية قريبة؟
عن مركز “بيو” ومسلمي أوروبا مستقبلاً
من أهم وأوثق مراكز الأبحاث العالمية والأميركية بنحو خاص، يأتي مركز “بيو” للأبحاث في واشنطن، والذي أصدر أخيراً دراسة توقعت ارتفاعاً واضحاً في أعداد المسلمين في القارة الأوروبية.تقرير مركز “بيو” يشير إلى أن عدد المسلمين في أوروبا يصل الآن حوالى 53 مليون مسلم، منهم 16 مليوناً في دول الاتحاد الأوروبي.عند القائمين على مركز “بيو” أن هناك ثلاثة نماذج مختلفة يستند إليها التنبؤ بزيادة أعداد مسلمي أوروبا وهي كالتالي:
** النموذج الأول ينطلق من احتمالية وقف أي عملية دخول للمهاجرين إلى الدول الأوروبية، وحينها يتوقع ارتفاع نسبة المسلمين من 5 في المئة إلى 7.5 في المئة بحدود عام 2050، وتفسير ذلك يعود إلى طبيعة الجالية الإسلامية في أوروبا، لكونها جالية “شابة” مقارنة ببقية سكان أوروبا، كما أن معدل مواليد المسلمين مرتفع عادة عن معدل مواليد غير المسلمين.** النموذج الثاني، ينطلق من احتمالية وقف تام لعملية استقبال اللاجئين، لكن من استمرار العمل بالهجرة الاعتيادية للطلاب والباحثين عن العمل وأسر المهاجرين تقريباً بنفس الوتيرة التي كان عليها في العقود الماضية. وفي هذه الحال تتوقع الدراسة نمواً في نسبة المسلمين إلى حدود 11 في المئة في عام 2050.
** أما النموذج الثالث فيعتمد على استمرار وصول المهاجرين بذات الوتيرة التي سجلت بين عامي 2014 و2016 في ألمانيا وأوروبا عموماً. وعندها ترتفع إلى حدود 14 في المئة في عام 2050.والثابت أنه لم يكن مركز “بيو” فقط من ذهب في سبيل تلك التوقعات، فقد نشرت صحيفة “تلغراف” البريطانية أوائل العام الماضي قراءة أشارت فيها إلى التغيرات التي تحدث في قلب القارة الأوروبية على صعيد الهوية الدينية لسكانها.روح القراءة تشير إلى زيادة مضطردة في أعداد الجاليات المسلمة المهاجرة من جهة، وارتفاع معدلات مواليد مسلمي القارة من ناحية ثانية.
ماذا عن المستقبل؟
التوقعات تشير إلى تغير كبير يتضاعف خلال عقود، والسبب عائد إلى أن الأوروبيين أنفسهم وبعيداً من فكرة “الاستبدال العظيم”، تلك التي يروج لها اليمين الأوروبي المتطرف معرضون للضمور العددي لأسباب متعددة في طليعتها طبيعة ثقافة الحياة العصرية.بحسب البحوث العلمية الحديثة فإن أي ثقافة تحتاج إلى 2.11 في المئة كحد أدنى لمعدل الخصوبة في كل عائلة لتتمكن تلك الثقافة من الاستمرار لمدة 25 عاماً على الأقل.معنى ذلك أن أي ثقافة لا تمتلك هذا الحد الأدنى من الخصوبة سيكون مصيرها التراجع والاندثار الحتمي.على جانب آخر، أثبت التاريخ بأن ثقافة تمتلك معدل مواليد يبلغ 1.9 في المئة لن تتمكن من الانتشار نهائياً، وإذا تدنى ذلك المعدل إلى 1.3 في المئة فإنها ستحتاج إلى مدة تبلغ من 80 إلى 100 عام لعكس اتجاه النمو السلبي لتلافي الاندثار، حيث أنه لا يوجد أي نظام اقتصادي يستطيع أن يمكن الثقافة متدنية الخصوبة من البقاء والاستمرار.
هل عكس تلك المعدلات أوروبياً أمر متاح بشكل فوري وسريع؟
يؤكد علماء السكان أو الديموغرافيا استحالة عكس النمو المتراجع لتلك المجتمعات على المدى المنظور، وأن أوروبا كما نعرفها اليوم بمعدلات الخصوبة تلك تحتاج إلى سنوات قليلة فقط لتتوقف عن الوجود بشكلها الحالي. مسلمو أوروبا بين الاندماج والقبول المجتمعي قبل بضع سنوات وتحديداً في عام 2017 تعرض معهد “بيرتلسمان” الألماني، لواحدة من أهم القضايا المتقاطعة مع الوجود الإسلامي في أوروبا، ونعني بها قضية الاندماج من جهة والقبول المجتمعي من جهة ثانية.الدراسة التي أعدها المعهد أجريت في خمس دول أوروبية حول اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية، وأجريت على عينة من 10000 شخص في ألمانيا والنمسا وسويسرا وبريطانيا وفرنسا.
استند المعهد إلى عدة مؤشرات لقياس مدى اندماج المسلمين في مجتمعات غرب أوروبا، وهي مستوى التعليم والتوظيف والراتب وعلاقتهم مع غير المسلمين.طرحت الدراسة على الأوروبيين سؤالاً يبين مدى تقبلهم للتعايش مع المسلمين وهو: “هل تقبل أن يكون جارك مسلماً؟”، جاءت النمسا في المرتبة الأولى لعدم تقبل المسلمين حيث أجاب 25 في المئة بالرفض، وجاءت المملكة المتحدة في المركز الثاني حيث رفض 21 في المئة ذلك، ثم ألمانيا 19 في المئة، وسويسرا 17 في المئة، وأخيراً فرنسا 14 في المئة.
ما الذي خلصت إليه الدراسة؟
خلصت إلى أن المسلمين استطاعوا تحقيق تقدم ملحوظ نحو الاندماج في المجتمعات الأوروبية، وذلك على رغم العقبات التي يواجهونها، بخاصة في مجال العمل.تشدد الدراسة على أن مفهوم الاندماج لا يعني “الاستيعاب” أو الانخراط التام في ثقافة البلد المضيف، ولكن الاندماج في البلدان متعددة الثقافات يجب أن يقاس بالقدرة على تحقيق المشاركة المجتمعية بين الثقافات المختلفة من دون أي تمييز.من هذا المنطلق يمكن القطع بأن الاختلافات الدينية لا تشكل عقبة أمام الاندماج، والمسلمون يمكنهم إثراء التعددية في البلاد الأوروبية، بخاصة في حالة التزامهم إزاء البلد الأوروبي الذي يعيشون فيه.
ويختتم المعهد دراسته بالتنويه إلى أن إنجاح عملية الإندماج هي مسؤولية مشتركة تتحمل الدول المضيفة جزءاً كبيراً منها، فيجب عليها احترام التعددية والطقوس الدينية، ووضع أطر تتيح مشاركة الجميع في شتى سبل الحياة من دون تمييز، للوصول إلى مجتمع ديمقراطي تعددي ومزدهر.
رابط مختصر .. https://eocr.eu/?p=10455