المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
من أين لتغريدات منصة “إكس” تأجيج الشغب في بريطانيا؟
independentarabia – حتى قبل معرفة الكثير عن الأحداث في “ساوث بورت”، بدأت التكهنات بشأنها تظهر على الإنترنت. جاء معظمها مغلوطاً كالتدوينات عن اسم المُهاجِم وهويته المسلمة المفترضة، لكنها احتلت صدارة المعلومات المتداولة إلى أن ظهرت الحقائق الفعلية.
في المقابل، أدت تلك التدوينات كل ما سعتْ إلى فعله “فعلت فعلها وبلغت مآربها”. إذ حركت حشوداً واسعة وعنيفة من اليمين المتطرف، ثم، بعد نحو أسبوع، سيطرت على مدن في بريطانيا فوضى وأعمال عنف.
وكذلك أجمع الخبراء على استحالة الحسم بمدى مسؤولية بيانات مضللة وتدوينات مغلوطة، عن تلك الفوضى. لكن، من الواضح أنها أسهمت في إشعال فتيل سردية غير حقيقية، لكنها أفادت مجتمعات اليمين المتطرف التي كانت متأهبة فعلياً.
وبحسب مارك أوين جونز، بروفيسور مساعد متخصص بالإنسانيات الرقمية في “جامعة نورث ويسترن” بقطر، “جاءت الفوضى كاستجابة للاتهامات المغلوطة بالكامل القائلة بأن القاتل في حوادث الطعن بمدينة “ساوث بورت”، شخص مسلم. بالتالي، يصعب القول بأن المعلومات الكاذبة لم تؤدِ أي دور في اللحظة الراهنة”.
وأضاف، “لم تحدث تلك الأمور بأثر من عنصر مفرد. ولا تقتصر المسألة على اللحظات التي تلت مباشرة حوادث القتل أو سبقتها. وطيلة شهور سابقة استُهدِفَتْ المملكة المتحدة بتغذية منتظمة بالكراهية للأجانب والمعلومات الكاذبة والمعلومات المضللة المعادية للمهاجرين. بالتالي، أعتقد أنه يجدر بنا التفكير في الكيفية التي تسهم فيها تلك الأمور كلها في ما حدث”.
عن أسباب موجة الشغب في بريطانيا
أكاذيب اليمين المتطرف أشعلت الشغب في المملكة المتحدة. وليس بالضرورة إنه ممكن الحديث عن مدى مسؤولية المعلومات المضللة بالمقارنة مع الدوافع المترسخة قبلها، لأن المعلومات الكاذبة تفعل فعلها بالضبط حينما تنتشر في أوساط أناس متهيئين لقبولها.
يشبه “إن ساندر فاندر ليندن”، هو بروفيسور في السيكولوجيا الاجتماعية [علم النفس الادتماعي] وخبير المعلومات المضللة في جامعة كامبريدج “المعلومات المضللة بفيروس، بل إن خبراء المعلومات الكاذبة يستخدمون النماذج الوبائية في تقصي انتشار المعلومات الزائفة، بمعنى حاجتها إلى العثور على “مضيف لديه قابلية للإصابة بها”. وعلى غرار كون أناس في موضع الخطورة للإصابة بمرض، هنالك من لديهم استعداد لتصديق الأكاذيب”.
وبحسب ليندن، “أعتقد أن [انتشار المعلومات الكاذبة] يحصل في المساحة التي تتقاطع فيها مع مجتمعات [أوساط] يمين متطرف سرت فيها بشكل متطاول زمنياً، معلومات زائفة معادية للمهاجرين ومناهضة للمسلمين. بالتالي، تملك تلك المجتمعات أفكاراً جاهزة وممنهجة، ولديها باع طويلة من الانخراط فيها، بالتالي، يسهل عليهم التنسيق بين ذلك الخطاب وبين ما تروجه شبكاتهم على الإنترنت”.
وقد جاء شطر كبير من المعلومات الزائفة عن الهجوم [في “ساوث بورت”] من موقع شبكي يسمّى “شانيل 3 ناو” Channel 3 Now، [معناها حرفياً، “القناة 3 الآن”]، الذي يولِّد أشرطة فيديو لتقارير تبدو متشابهة مع ما تبثه الأقنية التلفزيونية الرئيسة. في المقابل، ربما كان للفيديو والمزاعم الزائفة عن اسم المُهاجم، أن يبقوا بعيداً من الأضواء نسبيّاً، لو لم يُسلط الضوء عليهم بسبب مزاعم أكبر وأوسع نطاقاً.
وعلى منصة “إكس”، سارع مستخدمون ممن لديهم متابعون كثر، لمشاركة ذلك الفيديو ونشره في ذلك الموقع [منصة إكس]. وعلى منصات اخرى كـ”تيك توك”، حيث قد تنتشر أشرطة فيديو كالوباء حتى لو نُشرتْ على حسابات أشخاص لا تتابعهم أعداد كبيرة من متصفحي الإنترنت، سجل ذلك الفيديو آلافاً من المشاهدات. ويرجع ذلك إلى نوع الخوارزميات المستعملة في ذلك التطبيق. وفي لحظة ما، تسيد الاسم الزائف للمُهاجم عمليات البحث التي يجريها الجمهور على منصتي “تيك توك” و”إكس”، ما يعني أنه أُظهِر لمستخدمين لم يكن من شأنهم إبداء رأي به على الإطلاق، لولا انتشاره الذريع على المنصات.
ولقد اشتعل جزء كبير من المعلومات المضللة التحريضية، على “إكس”، وهي المنصة التي يمتلكها الآن إيلون ماسك. ومنذ شرائه لها في ختام عام 2022، بعد أن حملت طويلاً اسم “تويتر”، انتُقِدت منصة “إكس” والحساب الشخصي لماسك، بشكل متكرر بسبب إفساح المجال أمام المحتوى الخطير والزائف، في التعاظم على تلك المنصة.
ومنذ وقت طويل، بنتْ الشبكات الاجتماعية أنظمتها حول مفهوم توسيع الانخراط، لأن ذلك يجلب الأموال، والتدوينات التحريضية والمعادية مثلت دوماً طريقة سريعة في تشجيع الانخراط. لكن، يتوافق الخبراء على أنه من غير المرجح أن المعلومات المضللة كانت لتنتشر بهذه الطريقة لو أنها نُشرت على “تويتر” القديم، أي قبل استحواذ ماسك عليها.
وقد أعقب ذلك أن ماسك طرد عدداً من موظفي [شؤون السلامة على المنصة]، مثلاً، ممن ساعدوا في التصدي للمعلومات المضللة. وجاء ذلك مترافقاً مع إضعاف القواعد بشأن [القيود على] المعلومات المضللة، وكذلك طرق تنفيذها. (من الناحية الرسمية، تستمر قواعد العمل التي وضعت أيام “تويتر”، التي تنص على حظر “السلوك التحريضي الذي يستهدف الأفراد أو مجموعات تنتمي إلى فئات محمية”).
وكذلك غيَّر ماسك “واجهة التقاطع بين التطبيق والبرنامج” Application Programming Interface ، واسمها المختصر “أي بي آي” API، بطريقة ترهق الباحثين إلى حد المنع والاستحالة، إذا سعوا إلى جمع تغريدات، تتبع المعلومات المضللة وانتشارها. وكذلك يفيد بحّاثة بأن الغياب النسبي للتمكين [ضد المعلومات المضللة] على منصة “إكس” سَهَّل على منصات أخرى عملية تخفيض التمكين ضد المعلومات المضللة وخطاب الكراهية. بالتالي، لم تحتفظ تلك الشركات إلا بحفنة ضئيلة من المتطلبات القانونية الفعلية، فيما تستمر الضغوط الاجتماعية في التأثير عليها.
[تُعرَّف الـ”أي بي آي” بأنها مجموعة من البروتوكولات والقواعد التي تتيح للتطبيقات المختلفة أن تتواصل وتتفاعل مع بعضها البعض. ومثلاً، تتواصل تطبيقات حجوزات السفر مع برامج تربطها مع قواعد البيانات والمعلومات لدى مواقع الفنادق. بالتالي، تتيح “أي بي آي” للباحثين التدقيق في مصادر المعلومات أيضاً].
ثمة إجراءات سهلة نسبياً قد تستطيع الشركات كلها اتخاذها كي تلجم انتشار المعلومات، وفق ملاحظات أولئك الباحثين الذين أشاروا أيضاً إلى أن منصة “إكس” قد عملت بموجب تلك الإجراءات، أو بعض منها في الأقل، خلال أوقات سابقة. وكذلك بإمكان تلك المنصة أن تدعم بشكل أوسع، تطبيق قوانينها على خطاب الكراهية، أو في الأقل، أن تقيِّد موقتاً الحسابات التي تعرضه.
وتستطيع “إكس” إعادة النظر أيضاً في أدوات التثبت [بشأن خلو التدوين عليها من خطابات الكراهية] التي باتت تعني أن كل من يدفع يستطيع تدعيم المحتوى الذي ينشره عليها [إشارة إلى إجراء إعطاء العلامة الزرقاء التي يفترض أن تعني موثوقية المحتوى، لكل من يدفع اشتراكاً مالياً للحصول على تلك العلامة]. وكذلك رأى الباحثون أنفسهم أن “إكس” قد تُرغم على فعل بعض تلك الأشياء [التي يطالبون بها]، مع زيادة تركيزها على سياساتها الآتية من “الاتحاد الأوروبي” التي قد تقودها إلى زيادة التدقيق والتمحيص، بالمقارنة مع السياسات الآتية من حكومات أخرى.
في المقابل، ليست منصة “إكس” سوى منصة واحدة ضمن البيئة الفاعلة للإعلام العام التي تساعد في سرعة نشر المعلومات، مع إيلاء اهتمام ضئيل لكونها حقيقية أم لا. إن التدوينات التي تبدأ على “إكس” تشق طريقها إلى منصات أخرى في السوشيال ميديا [مواقع التواصل الاجتماعي]، إضافة إلى تطبيقات الدردشة مثل “واتساب” و”تيليغرام”، وهما تطبيقان يتمتعان بالخصوصية وبالتالي يصعب تتبعهما.
وتتنشر المعلومات أيضاً عبر طرق أخرى. لكن، ثمة ميزة تتسم بها منصة “إكس” تتيح للناس تطوير منصات كبيرة عليها، بالتالي، نشر المعلومات إلى جمهور رئيسي وواسع، فيما قد لا يتمكن أناس من تتبع أمثال تلك الشخصيات إلا عبر “إكس”.
في ذلك السياق، لم تستجب منصة “إكس” لطلبٍ وُجِّهَ إليها بالتعليق أيضاً على القضايا التي أثارتها “اندبندنت”. وطردت تلك الشركة أشخاصاً كثيرين من طاقمها الصحافي في سياق عملية الاستحواذ التي نفَّذها ماسك.
وفي الغالب، استُخدِمَ الحساب الشخصي لإيلون ماسك بغية لفت الاهتمام إلى حسابات أخرى مثيرة للجدال رُبِطَت مع الاضطرابات. وغالباً ما يردُّ السيد ماسك على تدوينات مثيرة للاهتمام، بوضع علامات تعجُّب أو عيون في الوجوه التعبيرية “إيموجي”. لقد فعل ذلك الأسبوع المنصرم، في استجابة منه على تدوينات تومي روبنسون. [يعتبر روبنسون الرمز الأبرز لنشطاء اليمين المتطرف في بريطانيا، خصوصاً في الحملات المعادية للإسلام].
قد تبدو تلك الإجابات قصيرة، لكنها قد تساعد في ترويج التدوينات لحسابات أناس آخرين ممن لم يكن من شأنهم تتبع الحسابات الأصلية [التي صدرت منها التدوينات المثيرة للاهتمام أو الجدال].
ومثلاً، أظهر البروفيسور جونز أن إجابات مماثلة من السيد ماسك ساعدت بالفعل في زيادة التفاعل مع تدوينات من شأنها أن تبقى مغمورة نسبياً لولا ما فعله ماسك بشأنها.
في غالبية الأحيان، انخرط السيد ماسك ببساطة مع تلك التدوينات الإشكالية، بدلاً من مشاركتها بنفسه، لكن ذلك حمل معنى أن أناساً كثراً على تلك المنصة، سوف يشاهدونها، خصوصاً أن ماسك هو الشخص الذي يمتلك العدد الأكبر، بما لا يقاس، من المتابعين.
وفي بعض الأحيان، بدا كأنه يساعد في تعزيز معلومات مضللة من صنعه. خلال الأسبوع المنصرم، كتب السيد ماسك تدوينة كاستجابة لشريط فيديو عن العنف في ليفربول. وكتب “الحرب الأهلية حتمية”. ولم تكن تلك التدوينة سوى واحدة من تدوينات تحريضية كتبها بالاستجابة إلى الاضطراب الجاري في المملكة المتحدة. وقد جلب ذلك عليه إدانة من الحكومة البريطانية وغيرها.
ولقد تزايدت تدوينات السيد ماسك عن تلك المواضيع وما يشبهها، في خضم استحواذه على الموقع [منصة تويتر السابقة]. وقبل استيلائه عليها، استمر إلى حد كبير، في مقاومة تبني أي وجهة نظر سياسية. ولكن، منذ ذلك الاستحواذ، أبدى تأييداً مُعلناً لدونالد ترمب، وكذلك كتب تدوينات أكثر عمومية تشمل مسائل يكثر كلام اليمين المتطرف عنها.
وبحسب البروفيسور ليندن، “إذا نظرتَ إلى المسألة من منظور الزمن، ترى أنه [ماسك] كان شخصاً يتحدث عن إيجاد حلول لتغيُّر المناخ، ويعمل على موضوعات كبرى. وفجأة، انزلق إلى بيئة مغلقة تُردد أصوات نظريات المؤامرة وإنكار العلم والتطرف والعنصرية. وكيف آل به الأمر إلى تلك البيئة؟ إن أبرز ما تغيَّر بين ما كانه سابقاً وحالته حاضراً، يتمثل في أنه بات يصرف أوقاتاً كثيرة على منصة “إكس””.
وأضاف ليندن، “قد لا يقدم ذلك تفسيراً سببياً [على ما تقدم]، وقد لا يوافق أناس كثيرون على فرضية غرفة الصدى [بيئة مغلقة تسري فيها أفكار المؤامرة والطعن في العلم والعنصرية]. في المقابل، أظن أنه إذا وُجِد من يضرب به المثل عن شخص يفرط، ولو قليلاً، في صرف أوقاته على منصة “إكس”، فقد يكون إيلون ماسك [خير مثال]”.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=12008