لماذا ترفض فرنسا عودة مواطنيها الداعشيين من سوريا؟
اندبندت عربية ـ دانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الأربعاء الـ 14 من سبتمبر (أيلول) الحالي، فرنسا لرفضها طلباً تقدم به أهالي امرأتين فرنسيتين غادرتا إلى سوريا في عامي 2014 و2015 وتعيشان منذ عام 2019 في مخيمي الهول وروج، شمال شرقي سوريا. وكانت العائلتان قد تقدمتا بطلب عودة ابنتيهما وأطفالهما في عام 2021، وهما تبلغان من العمر 31 و33 سنة.وأشار بيان المحكمة إلى “غياب أي قرار رسمي من السلطات المتخصصة لرفض الطعن حرمهما من أي إمكانية للاعتراض بشكل مفيد على الدوافع والأسباب التي اعتمدتها هذه السلطات”. وخلصت المحكمة بالقول إن فرنسا تكون بذلك خرقت البندين 2 و3 من البروتوكول 4 من الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان.
وكانت عائلتان فرنسيتان قد توجهتا إلى المحكمة الأوروبية بعد أن باءت محاولاتهما لدى السلطات الفرنسية بالفشل، واعتبرت العائلتان أن الرفض ينتهك مواد من الاتفاق الأوروبي لحقوق الإنسان، كونه يعرض بناتهم وأحفادهم “لمعاملة غير إنسانية ومهينة”.
الخبر تزامن مع بدء محاكمة مرتكبي اعتداءات مدينة نيس في الـ 14 من يوليو (تموز) 2016، ويأتي بعد شهرين من انتهاء محاكمة مرتكبي اعتداءات 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. هذا إلى جانب انتشار خبر وجود زوجة سامي أميمور، أحد منفذي اعتداء الباتاكلان، في الـ 13 من نوفمبر 2015، بين مجموعة النساء الـ16 اللاتي أعادتهن فرنسا في شهر يوليو الماضي من مخيم الهول، وتدعى كاهنة آش، وهي من بين نساء “داعش” المتطرفات، إذ أشار بيان المحكمة الفرنسية إلى أنها غادرت لسوريا في عام 2014 وأرسلت شريط فيديو إلى شقيقة زوجها تهدد فيه بأنها ستأتي إلى فرنسا لـ”ذبح الكفار”، كما أرسلت بريداً إلكترونياً إلى إحدى معارفها بعد اعتداءات الـ 13 من نوفمبر تقول فيه إنها وزوجها سامي أميمور كانا على علم مسبق بالهجوم وشجعته على القيام بذلك وتمنت لو كانت معه لتفجر نفسها.
يذكر أن جميع النساء اللاتي أعادتهن فرنسا وجهت إليهن الاتهامات أو تم سجنهن، وجميعهن تطالهن أوامر تفتيش أو اعتقال في حين عهد بالقاصرين إلى المنظمات الاجتماعية المتخصصة برعاية الأطفال.وعلى خلاف الدول الأوروبية الأخرى التي استعادت معظم مواطنيها الذين انضموا إلى تنظيم “داعش”، فإن فرنسا لم تستقبل سوى الأطفال الأيتام، أو المعزولين أو الذين قبلت أمهاتهم الانفصال عنهم. وعمدت إلى دراسة عودة النساء بعد درس كل حالة على حدة، إلى أن تمت أول عملية إعادة جماعية في يوليو الماضي، حين استقبلت 16 امرأة و35 طفلاً.
الحكومة الفرنسية لم تتأخر بالرد على الإدانة، إذ علق الناطق باسمها أوليفيه فيران، في مؤتمره الصحافي مباشرة بعد إعلان المحكمة، قائلاً إن “الحكومة الفرنسية لم تنتظر الإدانة للنظر في ملفات الفرنسيين العالقين في شمال شرقي سوريا”، مشيراً إلى عملية الإعادة الجماعية التي نفذتها في يوليو الماضي وضمت 16 امرأة و35 طفلاً، وهذا “يعني أن فرنسا أجرت تعديلات وطورت قواعد دراسة ملفات عودة المواطنين الفرنسيين الموجودين في شمال شرقي سوريا”. وأضاف أن كل ملف يشكل حالة إنسانية هي محل دراسة دقيقة تراعي الظروف الإنسانية والاحترام والحرص على سلامة وأمن الفرنسيين”.
معضلة
وبرزت معضلة مقاتلي “داعش” وعائلاتهم فور سقوط الرقة في 2019، وكان معظم النساء المحتجزات في الهول قد التحقن بـ”داعش” ما بين 2014 و2015، وفي عام 2017 بعد هزيمة “داعش” في الرقة على يد “قسد” (قوات سوريا الديمقراطية) التي يتشكل معظمها من وحدات حماية الشعب الكردية، هرب عشرات آلاف من رجال “داعش” والنساء والأطفال، وأوقفت “قسد” عدداً منهم ونقلتهم إلى مخيمي الهول وروج بين ديسمبر (كانون الأول) 2018 ومارس (آذار) 2019.
ويضم المخيم 62 ألفاً معظمهم من الأطفال الأيتام أو من الذين فصلوا عن ذويهم ويعيشون في ظل ظروف صعبة للغاية، وذلك بحسب تقرير الصليب الأحمر الدولي، نشر في مارس 2021، ومن بين هؤلاء سوريون وعراقيون وجنسيات أخرى، أما عدد الفرنسيين فيتراوح بين 80 امرأة و250 طفلاً، مما يعني أنه بقي منهن 64 امرأة و215 طفلاً بعد عملية يوليو الماضي.وتقول المحامية الناشطة في هذا الملف ماري كروازيه لـ”اندبندنت عربية” إن “عدد هؤلاء يبلغ 250، وهناك 200 طفل تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات، ومنهم من توفي ومعظمهم لم يعرف (داعش)، كل ما عايشه هؤلاء هو هذا المخيم”.كروازيه لم تتمكن من زيارة المخيم بسبب رفض الأكراد دخولها إليه بناءً على تعليمات السلطات الفرنسية، بحسب قولها.
انقسام فرنسي
ومنذ البداية انقسمت الآراء في فرنسا حول هذا الموضوع سواء في الطبقة السياسية أو في الرأي العام، وقد يكون للاعتداءات الدموية وعمليات الذبح التي شهدتها فرنسا أثرها في انقسام الرأي حول هذه القضية. فالقانون الفرنسي يمنع حرمان أي مواطن من جنسيته وموطنه الأصل، فيما يدافع المعارضون عن أن ذلك لا يمكن اعتباره عودة من منفى كون هؤلاء انضموا بكامل إرادتهم لهذا التنظيم وعقيدته.
وعبر وزير الدفاع ووزير الخارجية سابقاً جان إيف لودريان عن رأيه في نقاش عبر إذاعة “أوروبا الأولى” يوم كان لا يزال وزيراً بالقول إن “اللاتي التحقن بداعش في سوريا لم يغادرن بقصد السياحة”. ويعتبر مناهضو عودة هؤلاء أن ما من دليل قاطع بإمكانية نزع بذرة العنف والحقد نهائياً من عقول الذين انضموا إلى “داعش”، كما أن مديرية الأمن العام كانت تعتبر أنه من الأسهل مراقبة هؤلاء ضمن الأراضي الفرنسية من أن يبقوا في الخارج، لكن النظرة تبدلت تدريجاً فيما بعد بحجة أن مراقبة الأشخاص بعد خروجهم من السجن تبقى محدودة ولا يمكن تمديدها إلى ما لا نهاية، ناهيك بأن انتشار مقاطع الفيديو في سنوات “داعش” التي أظهرت أطفالاً أوكلت إليهم مهام إعدام بعض السجناء يربك البعض.
وفي شهر فبراير (شباط) 2022 عرضت شاشة تلفزيون “بي أف أم”، وثائقياً حول أوضاع أمهات فرنسيات وأطفالهن في هذا المخيم، إذ بدت بعضهن نادمات على خيارهن ومستعدات لتقديم أنفسهن للمحاكمة، وأبدين رغبتهن بأن يحظى أطفالهن ببيئة أفضل. وطاول الانقسام أيضاً هؤلاء النساء، ومنهن من ندم ويريد المحاكمة ودفع ثمن أفعالهن، فيما تصر أخريات على مواصلة جهادهن.وتعتبر القوات الكردية المسيطرة على المخيم أن ترك هؤلاء لمصيرهم يشكل تربة خصبة تتغذى منها “داعش” لإعادة تشكيل قوتها، فيما يخشى البعض أن تشكل النساء في السجن قوة لنشر فكر “داعش” والعمل على تجنيد أخريات.
وفي رد على سؤال أحد الصحافيين بعد جلسة مجلس الوزراء أشار الناطق باسم الحكومة أوليفيه فيران إلى أن “المحكمة أقرت أنه من غير الممكن تحميل فرنسا مسؤولية ظروف الحياة السائدة في المخيم شمال شرقي سوريا، كون لا سلطة قضائية لها في هذه البقعة. وأن المحكمة أكدت أن التزامات فرنسا المعاهدات الدولية لحماية حقوق الإنسان لا تلزمها ترحيل وعودة الأشخاص المحتجزين، لكن بأن تعيد النظر في هذه الطلبات”.
وأضاف أن تكرار “هذا النوع من العمليات وإعادة أطفال وأمهاتهم سيتم كلما سنحت الظروف بذلك آخذة بعين الاعتبار تطور الوضع في هذه المنطقة، وبخاصة الظروف الأمنية التي تحيط باحتجاز الرعايا الفرنسيين المحتجزين في مخيمات شمال شرقي سوريا”.وحول الإجراءات المنتظرة لاستقبال الأطفال بحسب ما تقول المحامية ماري دوزيه “فهناك مراحل مدروسة وتم التهيؤ لها بحزم، وهي تابعة لمؤسسات الدولة الفرنسية، وتم تدريب عديد للتعامل مع هؤلاء النساء واليوم تمنع عودتهن فهذا دليل على وجود تناقض فيما يخص هذه المسألة”.
وتضيف “أسست تجمع (الأسر الموحدة)، حتى يتمكن الأطفال من زيارة الأمهات في حال أودعن السجن والتواصل مع الأجداد. فالنساء عبرن عن رغبتهن بمواجهة مصيرهن وتحمل مسؤولية أفعالهن”. وتساءلت عن سبب عدم تقديم فرنسا العون لهؤلاء الأطفال “عددهم لا يتجاوز 200 طفل أي ما يعادل ثمانية صفوف مدرسية. أعتقد أنه بمتناول السلطات الفرنسية استقبال ثمانية صفوف مدرسية”.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=9265