السويد … تنامى ظاهرة ” المجتمعات الموازية ”
العربى الجديد – مع بلوغ البنت عمر السنتين أو الثلاث سنوات تبدأ بوضع غطاء الرأس، حتى يعتدن ويتعلمن وتصبح الأمور أسهل وفقا لتعاليم الدين التي تشمل الملابس أيضاً”، تقول زهور جمالي، المقيمة في السويد منذ 4 سنوات لصحيفة “سفنسكا داغبلاديت” في تقريرها عن المجتمعات الموازية تعيش على الهامش وترفض العيش وفق الديمقراطية السويدية، ومن بينها المشاركة السياسية والانتخابات وحتى طريقة ونوع الملابس التي يسأل عنها بعض الشباب مثل “هل ارتداء ماركة نايك حلال أم حرام؟”.
وبحسب ما تنقل “سفنسكا داغبلاديت” من منطقة بوروس في وسط جنوب السويد، فإن “مجتمعات تتأسس داخل مجتمع السويد، تعيش وفق نظامها الديني الخاص، وشرطتها الدينية الأخلاقية، وحلول لمشاكلها العنفية بعيدا عن مؤسسات الدولة السويدية”.”القوى المحافظة تبني بنية تحتية ملتصقة بالمسجد كقاعدة لقوانينها”، وفقا لتحقيق أجرته الصحيفة في تلك المنطقة التي يغلب عليها طابع اللجوء والهجرة، في تجمعات سكنية أغلبها عمارات إسمنتية مرتفعة ومتجاورة، تشبه تجمعات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أو ما يطلق عليه في إسكندنافيا “نظام السكن الروسي”، الذي انتشر في تلك الفترة كسكن للعمال.
الانفصال عن السويد
ما يثير الانتباه في تحقيق هذه الصحيفة المشهورة والواسعة الانتشار أنها تطرح في مقدمة موضوعها الشامل الافتراض التالي: “غيرت الدعاية الإسلاموية من شكلها، فبدلاً من السفر إلى (الدولة الإسلامية)، يطلب من المسلمين فصل أنفسهم عن المجتمع السويدي”. وقبل أيام من الانتخابات العامة في بلد ديمقراطي إسكندنافي تسوق الصحيفة تقريرها المدعم بصور وأشرطة فيديو أن “هؤلاء باتوا أكثر انتشارا، فهم يرفضون الديمقراطية ويريدون العيش وفقا للشريعة، التي باتت آثارها تخلق المجتمعات الموازية التى تسود فيها قواعدها الخاصة”.
وتذهب الصحيفة إلى بوروس رغم أن الجمعية الإسلامية ترفض الحديث معها بحجة “الإسلاموفوبيا”، وتشير إلى أنها تجيب عن “الأسئلة المطروحة عبر فيسبوك” فقط. لكن معدي التقرير يجدون من يتحدثون معهم بصفتهم الرسمية، وفي شوارع المنطقة.أحد المتحدثين إلى الصحيفة هو ضابط الأمن ورجل الاستخبارات السابق، بيدر أنغلوند، والذي يملك مدة 35 عاما من الخبرة، وهو مدير حالي لقسم الأمن في مركز المعرفة والأمن في بلدية بوروس، المسؤول عن تحليل المعلومات في ما يخص الاندماج والعنف والتطرف ومكافحة الفساد والجريمة في بوروس، مع خبرة طويلة في المجتمعات المحلية وقضايا العيش على هامش المجتمع.
ويقول أنغلوند عن تلك المجتمعات الموازية “بعضهم يُضرب ويقبل أن تضيع حقوقه الإنسانية والقانونية ويعيش على هامش المجتمع السويدي. ظننت أني رأيت بما فيه الكفاية خلال تجربتي 35 عاماً قبل أن أخلع بدلتي الرسمية. ثمة تربية تنتشر اليوم وتقوم على ثقافة القبيلة والتشدد والانعزال عن المجتمع، في المجتمعات القائمة داخل مجتمعنا، وهو ما يخلق تحديات جديدة”.ويردف “يجب الحفاظ على حرية الأديان، لكن الحقيقة شيء آخر حين تهمين ترجمة متطرفة عن الإسلام وضد المشاركة الديمقراطية وقيمنا الأساسية والحرية الإنسانية، فأرى أنه من المفترض التوقف عند ذلك لوضع حد”.
ويشرح أنغلوند ما يجري في “المجتمعات الموازية” في السويد قائلا: “يجري انتهاك حقوق النساء والفتيات، والاندماج ليس هدفا، وذلك يخلق موقفاً وبعدا جديدا من المصاعب الكثيرة، بما فيها أنك ستكون أمام 58 في المائة ممن ولدوا خارج السويد بلا عمل بعد 8 سنوات إقامة، وذلك يعني أننا أمام تباطؤ في الاندماج، فلا أحد يستطيع أن يعرف ما يجري خلف جدران المنازل في تلك البيئات، والمصدر الوحيد لما يجري في المساجد هو وسائل التواصل الاجتماعي”.
وما يعزز موقف بيدر أنغلوند استشهاده بتقارير رسمية صدرت قبل أشهر قليلة عن تفشي البطالة ودورها في إفشال الاندماج، بل إن بعض النساء لا يعملن بعد مرور 16 سنة من إقامتهن في السويد.وكان تقرير أمني صادر عن أكاديمية الدفاع السويدية قبل أسابيع قد أشار إلى أن بوروس “واحدة من المناطق السويدية التي تنتشر فيها السلفية والعيش على هامش المجتمع السويدي” (أشار “العربي الجديد” إلى تفاصيل التقرير
ويذهب تحقيق “سفنسكا داغبلاديت” إلى الخوض في تفاصيل ما يجري في مجتمعات البيئة المسلمة في السويد، وكيف تنأى بنفسها حتى عن أبسط الأمور المرتبطة بثقافة اللباس والاحتفال بنهاية العام الدراسي. وتستشهد على ذلك بتقارير نشرت سابقا عن “الطلب من الخريجين المسلمين أن لا يحتفلوا مثل السويديين بتخرجهم، فذلك حرام وسيغضب الله”.
وتلك المقولات منشورة على “إنستغرام” من قبل بعض الشيوخ الذين يحرمون حتى “ارتداء منتوجات نايك وغيرها من الماركات”، بحسب ما نشرت أيضا سابقا صحيفة “إكسبرسن” في تحقيقها عن “تضييق المتشددين الإسلاميين على الشبان السويديين المسلمين”.وكان المثير هو بث الشيخ أنس خليفة خطبة له على مواقع التواصل، وفقا لإسكبرسن، متوعدا الصائم “بعقاب الله إن كان يقف بجانب مفطر أثناء احتفال بانتهاء العام الدراسي”.
وتثار هذه الأيام تحديدا مسائل ولاء المواطنين من أصول مهاجرة وإسلامية خصوصاً، ومشاركتهم الديمقراطية واحترام قيم وثقافة البلد، أكثر من همها إن كان ولاء الناس لإيران أو السعودية “فالجميع حضر إلينا مدعيا الاضطهاد وطلب اللجوء، لكن من غير المفهوم إصرارك على العيش هنا وأنت تعتبر أسلوب حياتك يتم وفق الشريعة الإسلامية ومعاداة الديمقراطية. هناك دول كثيرة يهيمن فيها النظام الإسلامي، فلماذا لا يكون انتقالك إليها هو الأصح”، وفقا لهذا الخبير الأمني حول وضع بوروس كأحد المجتمعات الهامشية، والذي يؤكد أنه “في النهاية القانون السويدي يجب أن يسود”.
وعلى الرغم من أن زهور جمالي ستشارك بالتصويت في الانتخابات المحلية (إذ يمنح القانون المقيمين حتى بلا جنسية التصويت محليا)، إلا أن أختها “لن تصوت، وهي لا تعرف شيئا من اللغة السويدية”. ومثل أختها يوجد كثيرون في مجتمعات السويد الموازية ويعيشون “وفق قوانين شبكات المنظمات الجنائية والأنظمة القبيلة الصومالية مع انتشار شرطة أخلاقية تدق أبواب الناس إن شعرت بأن شخصا لا يرتدي الملابس المناسبة أو الخطأ”، بحسب ما يذكر أنغلوند الذي يقع مكتبه في البلدية على بعد 10 دقائق من تلك التجمعات.
وتضاف إلى ذلك بالطبع المناداة بعدم جواز التصويت والمشاركة في الانتخابات لدى بعض الجماعات التي تحث الناس على العزلة، وتعتبر هجرتها “مثل هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم التي اضطر إليها في بداية الدعوة”.
ثقافة الصمت
الشرطة السويدية، التي تحدث بعض رجالها مع معدي التحقيق، وأحدهم باسمه الأول “نيكلاس”، يصنفون مشاكل هذه المجتمعات الموازية بطريقة مثيرة للانتباه، في ظل تركيز على مسائل الهجرة والاندماج في الطريق نحو الانتخابات.
فالشرطة إلى جانب عملها في مكافحة الجرائم، ومنها “انتشار المخدرات، تقدم أجوبة حقيقية لموظفي البلدية حول أوضاع اندماج الأطفال والشبيبة. ففي تلك التجمعات تنتشر ظاهرة الشرطة الأخلاقية الدينية التي تراقب لتضمن ألا أحد يشارك في الحياة على طريقة المجتمعات الغربية، فهناك ضغوط دينية واجتماعية هائلة، وعادة ما تتعرض العائلة التي يرفض أفرادها الخضوع إلى عملية عزل أو رحيل عن المنطقة”، بحسب قول الضابط “نيكلاس” لصحيفة “سفنسكا داغبلاديت”. ورغم ذلك يخبر الضابط بأنه “ليس من الصعب أن يعرفنا الناس على من يبيع المخدرات على سلالم العمارات، أو من يخفي السلاح، لكن حين نبحث عمن يكون في الشرطة الدينية الأخلاقية يسود الصمت”.
وما يقلق موظفي بلدية بوروس هذه الأيام، إضافة إلى ما تقدم، وفقا لما تنقل عنهم الصحيفة، أن “الجمعية الإسلامية” ربحت قضية تأسيس مدرسة إسلامية في بوروس تضم 500 تلميذ وستدير مدرسة إسلامية أخرى في غوتيبورغ “وهي تعرض تعليم دراسات إسلامية معمقة، وهذا أمر يتنافى تماما مع النظام التعليمي في السويد، وهو مدمر لأنه سيخلق المزيد من العزلة ويقسمنا أكثر في المجتمع إلى نحن وهم”، حسبما يختم أنغلوند ناقلاً مخاوف البلدية وموظفيها في مجال الدمج.
رابط محتصر … https://eocr.eu/?p=1483