السجون الأوروبية بؤر خصبة لتجنيد وتفريخ الجماعات المتطرفة
ينشط الفكر المتطرّف في السجون الاوروبية ويعتبره حاضنة ومفرّخة عبر الاستقطاب، وذلك وفق أساليب مخطّط لها، ويساعده في تحقيق اهدافه، الظرف النفسي للسجين، مما يجعله مادة سهلة للجماعات المتطرفة. ويختلط المعتقلون بجرائم جنائية داخل السجون بمتطرفين مدانين في قضايا ارهاب، ويقع استقطابهم بطرق تستثمر الجانب النفسي. ممّا ينبغي للسلطات المسئولة أن تعمل لحل هذه المشكلة، وتنسج على منوال تجارب متقدمة في هذا المجال.
ابرز الجماعات المتطرفة التي استغلت السجون الاوروبية بعمليات التجنيد
- الشريعة من أجل بلجيكا
تأسّس تنظيم “شريعة من أجل بلجيكا” فى 3 مارس 2010 متأثراً في جماعات سلفية أوروبية قائمة مثل «الإسلام من أجل بريطانيا» التي كان يقودها المتشدد الإسلامي “أنجم شاودري”، في تصريحاتهِ التأسيسية يقول تنظيم الإسلام من أجل بريطانيا: “لقدّ تأسس هذا التنظيم على أيدي مسلمين صادقين من أجل نشر الإيديولوجية الإسلامية السامية داخل الأراضي البريطانية”.
وينتمي معظم مؤسسين الشريعة من أجل بلجيكا الأوائل للتنظيم إلى الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين الذين تمّ تجنيد عدد كبير منهم في السجون ومن خلال حملات “دعوة الشارع”، الدعوة العلنية، التي كانت تقام بين فترة وأخرى،و اكتسب قائد التنظيم “فؤاد بلقاسم “الملقّب بأبي عمران شعبية كبيرة بين الشباب المسلم التائه في مدن بلجيكية كبيرة عدة مثل “أنتويرب وفيلفورد والعاصمة بروكسل”.
- فرسان العزة
يعود أول نشاط لمجموعة “فرسان العزة” إلى عام 2010 حين قامت مجموعة منهم بالتظاهر في ساحة “لاموت” في مدينة لاموج الفرنسية، دعوا خلالها إلى مقاطعة سلسلة المطاعم الأمريكية “ماك دونالدز” لاتهامها بخدمة إسرائيل، ونشر موقع مجموعة “فرسان العزة” على الإنترنت والذي تم إغلاقه لاحقا كتابات من قبيل “إن جماعتنا في حاجة إلى طاقات بشرية للعمل في سبيل الله، نبحث عن كل الكفاءات وخاصة عن جنود،فإذا كنتم تحبون رياضة القتال وتشعرون بأنكم قادرون على التدخل بسرعة عند الحاجة، فإننا نرحب بكم”.
وأفاد تقرير للاستخبارات الفرنسية حصلت عليه صحيفة “لوفيغارو” بأن مجموعة “فرسان العزة” تربطها علاقات مع أشخاص وجهات إسلامية في الخارج متورطين في أعمال إرهابية، واستنادا إلى نفس التقرير فإن هذه المجموعة تعمل بأسلوب أشبه بالميليشيات الخاصة ومجموعات القتال، كما أنهم يوفرون لبعض العناصر النشيطة تدريبا مكثفا على تقنيات القتال وسيناريوهات احتجاز رهائن.
السجون أرض خصبة للتطرف
ذكر مركز أبحاث بريطاني في تقرير عام 2016 أن السجون في أوروبا أصبحت “أرضا خصبة” للجماعات الجهادية، حيث يرى بعض المجرمين في التطرف العنيف شكلا من إشكال التكفير عما ارتكبوه.
وكشف المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في تقريره الذي درس شخصيات جهاديين أوروبيين تم تجنيدهم منذ 2011، أن نشوء تنظيم “داعش” ساهم في تقوية الرابط بين الجريمة والإرهاب.
وأضاف أن “داعش” بدلا من أن يتوجه إلى الجامعات أو المؤسسات الدينية، فإنه يتحول بشكل متزايد إلى “الغيتوهات” والسجون و”الطبقات الدنيا” لتجنيد أشخاص لهم ماض إجرامي.
وقام الباحثون في المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي بتحليل شخصيات 79 جهاديا أوروبيا لهم ماض إجرامي، من بلجيكا وبريطانيا والدنمارك وفرنسا وألمانيا وهولندا،و57% ممن شملتهم الدراسة كانوا في السجون قبل أن يجنحوا إلى التطرف، فيما 27% على الأقل ممن امضوا عقوبة في السجن، جنحوا نحو التطرف وهم خلف القضبان.
ويرى “رافايلو بانتوتشي” مدير دراسات الأمن الدولية للخدمات المتحدة في لندن أنّ السقوط في فخ التطرف في السجن هو أمر خطير ووارد، ويحدث أن يسجن أناس بشكل فردي ويلتقون في السجن مع متطرفين ينقلون إليهم أفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة، مشيرا إلى أنّ سجون أوروبا تشهد هي الأخرى اليوم عمليات تفريخ لـ “الجهاديين”، الذين وسعوا نشاطهم ليصل إلى إرساء شبكات عمل تدار من داخل السجون، ملفتا إلى أنّ إدارات السجون في أوروبا تتحمل مسؤولية ذلك من خلال خلط السجناء المتورطين في جرائم جنائية صغيرة مع كبار السجناء المتورطين في عمليات إرهابية واسعة، مما يسمح لهم في الغالب بتكوين علاقات صداقة حميمة فيما بينهم تتواصل حتى بعد الإفراج عنهم إثر قضاء سنوات الحكم.
الأسباب والمسببات خلف التطرف
يكون الاستقطاب في السجون هو الأصعب بسبب التواجد الأمني، إلا أن العناصر التي تقوم بعملية التجنيد تستفيد من الشعور بالحنق أو ربما بالظلم الذي يتعرض له السجين وتقوم بتحفيزه لكي يكون ناقماً على الدولة أو العالم بأسره، وبالتالي تسهل عملية تجنيده وتوجيهه، حتى إذا خرج من السجن تحول إلى أداة في أيدي التنظيم.
وترصد “إرين ماريا سالتمان”، الباحثة المتخصصة في مؤسسة كويليام ، فكرة التعميم فيما يتعلق ببحث الأسباب خلف التطرف لدى الشباب وتقول في دراسة بشأن ميولات المشاركة في الجهاد:” الشباب المسلم من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين هم المستهدفون في الغالب، لكن هناك أيضا حالات يكون أبطالها من الأشخاص الذين تحولوا للإسلام”.
وتوضح الباحثة أن الأشخاص الذين يتم تجنيدهم لهذه التنظيمات، لديهم عادة شعور الإحساس بالتميز في عالم يبدو لهم فيه تحقيق الثروة من المستحيلات، ومثل هذا الشعور بفقدان الأمل هو ما تستغله الجماعات المتطرفة لتحقيق أهدافها من خلال إقناع هؤلاء الشباب بالانضمام لجماعات قوية، ترتبط صورتها بمغامرة القيام بتغيير العالم.
وتتم عملية تجنيد الشباب لهذه الجماعات في الجامعات أو السجون، وتعتمد بشكل كبير على فكرة الانتشار ونقلها بين الأشخاص عبر الإنترنت،ويوضح فرانسيس في دراسة عن التطرف بجامعة “لانكاستر” أن مسألة تجنيد عناصر أجنبية تقوم على فكرة إعطاء الناس الشعور بأنهم جزء من مجموعة متنوعة متعرضة للخطر ، مثلا انطلاقا من فكرة “الغرب ضد المسلمين” .
كيف يتم تجنيد الأشخاص داخل السجون
تعمل عناصر التنظيمات المتطرفة داخل السجون على إقناع السجناء من المسلمين بالانضمام إليها، من خلال بث فيهم معاني: [ أنهم هم الذين يمثلون الإسلام وأنهم حماة الآسلام، وأنن القتال معهم هو جهاد في سبيل الله] ، ثم بعد ذلك يشرعون في شرح بعض المفاهيم الدينية لهم، وتلاوة بعض آيات من القرآن الكريم والتي يقومون بتفسيرها حسب ما يخدم أهواءهم، بهدف إقناعهم [بأنهم سيموتون شهداء وسيفوزون بالجنة]، ويصبحون صيداً سهلاً لاستقطابهم من قِبَل هذه الجماعات المتطرفة.
ونبه بحث أجرته هيئة “هينري جاكسون”، إلى أن المسلمين الذين اعتنقوا الدين، في مرحلة ما من حياتهم، مرشحون أكثر بواقع أربع مرات، لارتكاب أفعال إرهابية، مقارنة بمن ولدوا مسلمينفي المنحى نفسه أكدت جمعية إسلامية أنها حذرت في وقت سابق من محاولات لاستقطاب عناصر إرهابية داخل الحانات والسجون بغرض تسخيرهم لارتكاب أفعال عنيفة في الشوارع البريطانية.
يعتبر السقوط في فخ التطرف أمر خطير وهو وارد في السجون الأوروبية، إذ يحدث أن يسجن أناس لأسباب مختلفة ويلتقون في السجن مع متطرفين، ينقلون إليهم أفكارهم ومعتقداتهم المتطرفة، ولا شك أن تجنيد التنظيمات الإرهابية للسجناء أمر في غاية الخطورة، حيث أنه ينتشر بين مجموعة من المنحرفين في الأساس أخلاقياً وسلوكياً، وأنه حالَ اعتناقهم هذا الفكر المتطرف سيتضاعف تهديدهم وسيتعاظم خطرهم على بقية أفراد المجتمع
رابط مختصر … https://eocr.eu/?p=1112