الجهاديون ـ من سيكون القائد الجديد لتنظيم “داعش”؟

فبراير 22, 2022 | دراسات

أسئلة أثارها مقتل زعيم داعش الإرهابي!!

مرصد الأزهرـ أعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في مؤتمر صحفي عقده الخميس ٣ فبراير ٢٠٢٢م عن مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي المعروف بـ “أبو إبراهيم القرشي” أو “حاجي عبد الله قرداش” في غارة أمريكية شمال غربي سوريا مؤكدًا أن مقتله أزال تهديدًا إرهابيًّا كبيرًا، مضيفًا أن هذه العملية استغرق الإعداد لها عدة شهور، وأنها كانت بتوجيهات منه. وقد أثار هذا الإعلان عدة أسئلة يمكن إيجاز أهمها على النحو الآتي:

 كيف يُنظر إلى مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي؟

لا شك أن تصفية أية قيادة في تنظيم إرهابي يمكن أن تُرى نجاحًا تكتيكيًّا يرفع الروح المعنوية للدول التي تُحارب الإرهاب؛ إذ إنها تؤكد تفوق أجهزة مخابراتها على هذا التنظيم أو ذاك. وقد رأينا ذلك عندما أعلن “أوباما” مقتل “أسامة بن لادن”، وعندما أعلن “ترامب” مقتل “أبو بكر البغدادي”، وعندما أعلن الرئيس الفرنسي “ماكرون” مقتل “أبو الوليد الصحراوي”، وشاهدناه في خطاب “بايدن” الأخير عن مقتل “أبو إبراهيم القرشي”. كما رأينا في المدة من ٢٠١٤م وحتى ٢٠١٩م تنافسًا أمريكيًّا روسيًّا حول القيام بعملية لتصفية “أبو بكر البغدادي” أو القبض عليه.

والأهم من ذلك أن مقتل أية قيادة إرهابية من الممكن أن تحدث انخفاضًا في العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم على المدى القريب، كما يمكن أن تتسبب في فقدان التنظيم بعضٍ من ميليشياته، وحدوث خلافات بين قياداته وهذا كله يُعد نجاحًا. لكن لا ينبغي أن ننتظر من هذا النجاح حدوث تراجع قوي في إمكانيات تنظيم مثل داعش الإرهابي، وقدراته العملياتية على المدى البعيد لأسباب سنوضحها في الإجابة على سؤال آخر في هذا المقال. كما تؤكد عملية مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابي أيضًا على أن الولايات المتحدة الأمريكية في عهد “جو بايدن” مستمرة في إستراتيجية استهداف قادة التنظيمات الإرهابية في أماكن تواجدها. وهي الإستراتيجية التي اتبعتها منذ أحداث 11 سبتمبر ٢٠٠١م، وقامت بتصفية الكثير من قادة تنظيم القاعدة في العراق وأفغانستان عن طريق هجمات مكثفة وموجهة بطائرات بدون طيار.

ولقد استمرت هذه السياسة في عصر “أوباما” ضمن إستراتيجيته في حرب داعش، ونجحت في القضاء على كثير من قادة التنظيم. وهذه الإستراتيجية مرتبطة بدفع قوات أمريكية خاصة إلى مناطق الصراع لتصفية قادة التنظيمات بالتعاون مع عناصر محلية لا تجد حرجًا في الإعلان عنها بشكل إجمالي لا تفصيلي. لكن عملية “القرشي” الأخيرة كانت عملية إنزال بمروحيات أمريكية ولم تكن بطائرات دون طيار مثلها مثل عملية استهداف “أبو علاء الأنباري” مساعد “البغدادي” في سوريا، والذي قيل أنه فجر نفسه أيضًا بحزامٍ ناسفٍ في مايو ٢٠١٥م. ومن بين القادة الذين فقدهم تنظيم داعش في غاراتٍ جوية الإرهابي “أبو محمد العدناني” الذي وُصِفَ بأنه العقل الإستراتيجي للتنظيم، والذي كان مسئولًا عن العمليات الخارجية والأنشطة الإعلامية، و”أبو مسلم التركماني” مساعد البغدادي في العراق، و”حافظ سعيد خان” أمير التنظيم في أفغانستان.

 هل يتسبب مقتل القرشي القضاء على التنظيم؟

تحدثت وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر في عدة مقالات سابقة عن مقتل قادة داعش الإرهابي وتأثير ذلك على التنظيم، وأكدت خلال هذه التقارير أن مقتل القادة قد يكون له تأثير على المدى القصير؛ نظرًا لانشغال التنظيم باختيار زعيمٍ جديدٍ له مواصفات خاصة لا تتوافر في معظم قادته الحاليين خصوصًا بعد مقتل جميع قياداته التاريخية. ثم بعد اختيار هذا القائد ينشغل التنظيم مدة بتشكيل الهيكل التنظيمي الجديد، والحصول على البيعات المزعومة من كافة الفروع والولايات، والقضاء على المشكلات التي نتجت عن مقتل الزعيم السابق، كما حدث سابقًا بعد مقتل “أبو بكر البغدادي” في ٢٠١٩م، ومن قبله مقتل “أبو عمر البغدادي”، حيث انزوى التنظيم على نفسه مدة من الوقت، وتولى قيادته “أبو بكر البغدادي” الذي أعاد هيكلته الجديدة التي ظهر عليها في عام ٢٠١٣م. لكن هذا التأثر كما ذكرنا ليس بالتأثر القوي الذي قد يسبب القضاء على التنظيم بصورة نهائية وذلك لعدة أسباب هي:

١- أن داعش ليس تنظيمًا تأسس حول شخصية ملهمة تتمثل في “أبي بكر البغدادي”، أو “أبي إبراهيم القرشي”، بل هو تنظيم ذو أيديولوجيا متطرفة يرتبط أعضائه بالفكر أكثر من ارتباطهم بالقائد أيًّا كانت الكاريزما التي يمتلكها، ومن ثم فإن تجفيف منابعه الفكرية أقوى بكثير من مقتل قياداته. كما أن التنظيم قد استفاد من تجربة تنظيم القاعدة وارتباط أعضائها بـ”أسامة بن لادن”، ومن ثم ضعفت “القاعدة” بعد مقتله، ولم يستطع “الظواهري” ملأ الفراغ الذي تركه “بن لادن”، ولذلك كان “داعش” حريصًا على إبراز أعماله الإرهابية وأيديولوجيته أكثر من إبراز قادته إعلاميًّا؛ ولعل هذا يفسر عدم ظهور “أبو إبراهيم القرشي” في أي تسجيل مرئي أو صوتي طيلة مدة توليه قيادة التنظيم الإرهابي. كذلك لم يظهر سلفه “أبو بكر البغدادي” سوى مرتين، أولهما على منبر مسجد النوري الكبير عام ٢٠١٤م ليعلن قيام دولته المزعومة، والثانية عام ٢٠١٩م ليعلن نهايتها بسقوط “الباغوز” آخر معاقله المكانية.

٢- أن هناك عددًا كبيرًا من عناصر داعش وقياداته الحالية والسابقة كانوا على خلفية عسكرية، وليس في أدبيات الميليشيات التي تتكون من قادة عسكريين سابقين والذين يمارسون إرهابهم لهدف واحد وفي أماكن مختلفة أن يسلموا أنفسهم لشخص أو أن يكون انتماؤهم للتنظيم بسبب شخص ما.

٣- أن تنظيم داعش الإرهابي بُني على هيكلية صلبة ويعمل بشكل لامركزي، ويوجد في التنظيم قادة برتب متفاوتة بينهم تواصل مباشر بالمقاتلين أكثر من تواصلهم مع زعيم التنظيم. كما أن تكوين وحدات حرب خاصة في التنظيم يعتبر من الممارسات التقليدية. وقد مُنحت هذه الوحدات استقلالية من قادة التنظيم، الأمر الذي جعلها تتخذ قرارات بعمل تغييرات تكتيكية دون الرجوع للقادة. وكان هذا الأمر بمثابة مرونة تكتيكية سببها الرئيس هو عدم وجود بنية تسلسلية للتنظيم في اتخاذ القرارات. وهذا الأمر الذي وُصف بالعشوائية من قبل التنظيمات الإرهابية الأخرى ساعد التنظيم كثيرًا في سيطرته المكانية قبل تكوين التحالف الدولي، كما جعل رابطة أفراد التنظيم بزعيمهم رابطة معنوية أضعف بكثير من ارتباطهم بالتنظيم ذاته.

 هل سيقوم داعش بعملياتٍ انتقامية ردًّا على مقتل زعيمه؟ عقب مقتل “أبو بكر البغدادي”

قال الباحث العراقي الراحل “هشام الهاشمي”: “إن نظرة تاريخية إلى التنظيمين الأشهر في العراق (القاعدة وداعش) نجد أنهما لم يحاولا القيام بعمليات انتقامية للرد على مقتل أحد زعمائهما من أصحاب الأسماء المشهورة. فقد قُتِل “الزرقاوي”، و”أبو عمر البغدادي” و”أبو حمزة المهاجر” وقُتل “حذيفة بن البغدادي”، و”حمزة بن لادن” ولم يقم التنظيمان بعمليات انتقامية لمقتلهم. ودائمًا ما ينشغل التنظيم بعد مقتل قائده بالأمر الداخلي وإعادة بناء الهيكل التنظيمي، واختيار من سيرث القائد ويتولى مكانه.

 من سيكون القائد الجديد للتنظيم؟

فقد تنظيم داعش الإرهابي جميع قياداته التاريخية تقريبًا، ولذلك قد يكون اختيار زعيم جديد للتنظيم هذه المرة أصعب من المرات السابقة. وقد يكون “جمعة البدري” شقيق “أبو بكر البغدادي” هو الأقرب إلى تولي قيادة تنظيم داعش الإرهابي، فهو الشخص الذي قد يلقى قبولًا من أفرع التنظيم؛ نظرًا لكونه شقيق البغدادي من جهة ورئيس مجلس شورى التنظيم من جهة أخرى. ويقول الباحث “أحمد كامل بحيري”: إنه ربما يتولى “أبو صفاء الرفاعي” قيادة التنظيم، وهو شخصية عسكرية وقوية بين قيادات التنظيم الحالية. كما يرى بعض الباحثين أن “اللجنة المفوضة” ربما تتولى قيادة التنظيم لفترة من الوقت لحين اختيار الزعيم الجديد. وختامًا يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن التنظيمات التي تتبنَّى أفكارًا مغلوطة لا سبيل للقضاء عليها إلا بتجفيف منابعها كافة وعلى رأسها المنابع الفكرية؛ ومن ثم فإن الجهود الفكرية المضادة للخطابين الإعلامي والإفتائي للمتطرفين يُعوَّل عليها كثيرًا في القضاء على تأثير التنظيمات المتطرفة وحماية المجتمعات من هذا الفكر الهدام.

رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=8001

تابعنا على تويتر

مقالات ذات صلة

داعش ـ تنامي التهديدات الأمنية في مخيم الهول

داعش ـ تنامي التهديدات الأمنية في مخيم الهول

 المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا أنفاق وأحزمة ناسفة داخل "الهول" أكبر مخيم اعتقال للدواعش في سوريا اندبندنت عربية - تتفاقم المشكلات والعقبات الأمنية في مخيم الهول، الواقع في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، والقريب من الحدود العراقية، إلى درجة التهديد بالانفجار...

ألمانيا ـ استراتيجيات لمكافحة التطرف اليميني

ألمانيا ـ استراتيجيات لمكافحة التطرف اليميني

 المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا ألمانيا ـ استراتيجيات جديدة لمكافحة التطرف اليميني والكراهية DW - تتواصل ردود الفعل حول الاجتماع السري الذي جمع متطرفين يمينيين ومحافظين متشددين في بوتسدام في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حيث ناقش المجتمعون خططا لعمليات طرد جماعي...

داعش لا يزال يشكل تهديدا للأمن الدولي

داعش لا يزال يشكل تهديدا للأمن الدولي

 المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا الأمم المتحدة: تنظيم داعش لا يزال يشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين news.un.org - خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي اليوم الخميس، استعرض وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، التقرير الذي...

Share This