الجماعات المتطرفة وتكوين بؤر فكرية للتجنيد والاستقطاب
مرصد الأزهر – لا شك أن هناك الكثير من الاختلافات بين التنظيمات المتطرفة، هذه الاختلافات قد تكون في الأهداف أو في وسائل الترويج للفكر، أو في الأيديولوجيات الفكرية ذاتها، أو في العدو المستهدف قتاله، أو في نوعية الشباب المستهدف استقطابه، أو طبيعة التركيب التنظيمي للفصيل في حد ذاته.
وأحيانًا تكون هذه الاختلافات سببًا في حدوث خلافات وانشقاقات داخل التنظيم الواحد، وتشكيل تنظيمات أخرى. وأحيانًا تكون سببًا في حل اتفاقيات وتحالفات بين بعض الفصائل، وأحيانًا تتولد خلافات أشد من ذلك بكثير، فتكون سببًا في دس الجواسيس بين التنظيمات بعضها بعض، وتفسيق وتكفير التنظيمات لقادة بعضها بعض، بل وأحيانًا كثيرة تكون الخلافات سببًا في قتال التنظيمات بعضها بعض.
وقد رأينا الاختلافات الكثيرة التي بين تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين منذ نشأة جماعة “التوحيد والجهاد” ــ التي تعتبر البذرة الأولى لتنظيم داعش ــ على يد “أبي مصعب الزرقاوي” عام 2002، والتي كان من أهمها العدو المستهدف قتاله. وقد أدّت هذه الخلافات في النهاية إلى الانشقاق بين التنظيمين في زمن “أبو بكر البغدادي” واتهمت القاعدةُ أعضاء تنظيم داعش الإرهابي بأنهم خوارج، واتهم داعشُ القاعدة بالتدليس والعمالة لصالح الغرب.
خداع العقول
وبالرغم من هذه الخلافات فإن هناك مشتركات عديدة بين جميع الفصائل المتطرفة خصوصًا تلك التي أسّست تطرفها على نهجٍ فكري مثل تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين وغيرهما. من أهم هذه المشتركات هو الحرص على خداع عقول الشباب وتشويه فكرهم، فهذا هو أهم عامل تستخدمه تلك التنظيمات للترويج لفكرها المتطرف؛ لتضمن من خلاله استمرار هذا الفكر عبر الأجيال المختلفة.
فكل التنظيمات المتطرفة حريصة على استقطاب وتجنيد أتباعٍ جدد خصوصًا من الشباب. الفرق قد يكون في نوعية الشباب المراد استقطابه، فالقاعدة على سبيل المثال تجند شبابًا على قدرٍ معين من التدين! بخلاف تنظيم داعش الذي لم يضع حدودًا أو شروطًا أمام من يريد الانضمام إليه، بل فتح التنظيمُ البابَ على مصرعيه أمام الجميع، الأهم عند التنظيم هو مبايعة خليفتهم المزعوم.
ومن ثم فإننا نرى أن حرمان هذه التنظيمات المتطرفة من الوصول إلى الشباب غايةً تتطلب جهودًا كبيرة ومشتركة من جميع مؤسسات المجتمع بداية من الأسرة مرورًا بالمدرسة والنادي والجامعة والمسجد والكنيسة والتلفاز ….إلخ.
تكوين بؤر فكرية للتجنيد والاستقطاب
كذلك أيضًا من أهم المشتركات بين التنظيمات المتطرفة تكوين بؤر فكرية للتجنيد والاستقطاب، فكل فصيل مُتطرف له فكر خاص يعينه على التحريض والتأويل والتبرير والتأييد وإضفاء المشروعية على أعماله الوحشية التي لا يتقبلها الإنسان السوي المعتدل صاحب الفطرة السليمة والسلوك القويم. من أجل ذلك يمكن أن نعتبر أن كل تنظيم متطرف لديه منظومة فكرية، لها خططها واستراتيجياتها.
وغالبًا ما تأخذ هذه المنظومة الفكرية شكلًا هرميًا، تهبط المعلومة فيه من القمة إلى القاعدة، فهناك منشأ لأفكار الفصيل التي تُحرض على العنف، هذا المنشأ تؤيده مجموعة من المنظرين والشارحين لتلك الأفكار، تتبعهم مجموعة من الدعاة الذين يُحسنون فن الإلقاء والخطابة والكتابة وترويج الفكر.
تقوم هذه المجموعة بنشر هذا الفكر على المنصات المختلفة، وإقناع من يؤمن به من الشباب بالمشاركة في نشره كل على قدر استطاعته. وبهذه الطريقة يستطيع التنظيم المتطرف تحويل المؤيدين له من حالة التأييد السلبي إلى التأييد الإيجابي.
في الوقت ذاته تقوم اللجان الإلكترونية للتنظيم المتطرف بمتابعة مدى انتشار فكر التنظيم عبر منصات التواصل الاجتماعي ومدى تفاعل رواد هذه المواقع معه، وتنظر إلى نقاط الضعف التي يعاني منها مؤيدو التنظيم ويستغلها من يجادلونهم على هذه المواقع، وينقلون نقاط الضعف هذه إلى منظري التنظيم كي يدرسوها ويجدوا لها ردودًا عبر التلاعب بالمواد العلمية ليعاد تدويرها على المنصات الإعلامية مرة أخرى كي يستفيد منها المؤيدون ويردون بها على المعارضين. الجماعات المتطرفة
ومن ثم فإننا نرى ضرورة تواجد العلماء والمثقفين والوعاظ على منصات التواصل الاجتماعي بقوة وبتأثيرٍ فعّال ومنظّم، فوجودهم في الفضاء الإلكتروني هو الضمانة الأولى لهزيمة هؤلاء المتطرفين الذين يرون العنفَ مشروعًا في ساحة الفكر. الجماعات المتطرفة
الارتباط بالفكرة
أيضًا من المشتركات الموجودة بين جميع التنظيمات المتطرفة فكريًا هو ارتباط أعضاء التنظيم بالفكرة أكثر من ارتباطهم بقائد التنظيم. فليس في أدبيات هذه التنظيمات المتطرفة فكريًا أن يسلموا أنفسهم لشخصٍ أو أن يكون انتمائهم للتنظيم بسبب شخص ما أيًا كانت شخصيته أو الكاريزما التي يمتلكها. ولعل هذا واضح تمام الوضوح في بقاء تنظيم القاعدة بعد مقتل “بن لادن” وبقاء “داعش” بعد مقتل “أبو بكر البغدادي”.
نعم كلا التنظيمان تأثرا بمقتل زعمائهما لكنه لم يكن التأثير القوي الذي يؤدي إلى انهيار التنظيم كلية. ولعل هذا أيضًا هو السبب الذي يجعل هذه التنظيمات لا تنشغل بأخذ الثأر لمقتل قادتها فقد قُتِل “أبو مصعب الزرقاوي”، وقتل “أبو عمر البغدادي”، وقُتل “أبو حمزة المهاجر”، وقُتل “حذيفة” ابن “البغدادي” وقتل “أبو بكر البغدادي”، وقتل “أسامة بن لادن” وابنه “حمزة بن لادن” ولم تقم هذه الجماعات بعمليات انتقامية لمقتل أحد من هؤلاء، ولكن دائمًا ما يكون هناك بعد مقتل القادة انشغال بالشأن الداخلي وإعادة بناء الهيكل التنظيمي، واختيار من سيرث القائد ويتولى مكانه.
ومن ثم فإن هذا يؤكد رؤيتنا بأن مكافحة التطرف ليست عسكرية فقط بل هي تمثل إشكالية معقدة تتداخلُ فيها أبعاد ثقافية ودينية وسياسية واقتصادية وإعلامية، فهي قضية ينبغي أن تحلق حولها جميع فئات المجتمع حتى نقوي مناعة شبابنا ضد فيروس التطرف الذي يريد أن يستشري في كافة المجتمعات.
رابط مختصر… https://eocr.eu/?p=2245