الإرهاب البيولوجي خدعة جهادية زائفة
العرب اللندنية- فرانشيسكو مارون يرى أن تنظيم داعش يستغل الظروف الاستثنائية في العالم لصنع هيمنة لا أساس لها على أرض الواقع. تهديد تنظيم داعش باستعمال فايروس كورونا ضد أعداء الإسلام، أنتج حالة من الارتباك لدى جهات أمنية عديدة في العالم، وهو ما حذر منه الخبير الإيطالي في تتبع حركة الإرهاب، فرانشيسكو مارون، في حواره مع «العرب»، مؤكدا أن الانتباه للحراك المتطرف في هذه الظروف الاستثنائية مسألة ملحة لإيقاف أي آمال بإنعاش قدرات الجماعات الجهادية.
تقفز التنظيمات الإرهابية كثيرا على التحولات والقضايا المتصاعدة في العالم، سواء كانت كارثية من صناعة بشرية أو كانت من تداعيات السياسة العامة، ومن ذلك أن تنظيم داعش يسعى إلى إقحام نفسه كمسؤول أو نتيجة لذلك التغيير.مع هيمنة انتشار فايروس كورونا على العالم، برز مؤخرا حراك بصور متعددة بين محاولة التنظيم تقديم نفسه كـ”دولة نظامية” تنصح أتباعها بالتوقي من مخاطر الوباء، أو كرسالة تهديد بتوجيه الفايروس للعدو عبر تدوير المسألة وادعاء استخدام العدوى الوبائية لصالح التنظيم.
يفند الباحث في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب فرانشيسكو مارون في حواره مع “العرب”، تلك الاستراتيجية الجديدة التي يتبناها داعش عبر ثلاثة اتجاهات متشابكة. الأولى تطويع الفضاء السيبراني لصالح صناعة هيمنة زائفة، وهي أداة معتادة للتنظيم هدفها صناعة مجد مخادع، وكسب مساحة غير حقيقية، وصناعة منظومة وحشية دموية لإثارة الرعب. يتشابك ذلك الاتجاه مع آخر يستخدم الأدوات الإعلامية التقليدية، إضافة إلى قنوات داعش على الإنترنت، لإذاعة خطاب إعلامي يوحي بتحرك داعش كجهة ترغب في حماية مواطنيها.
ويتبنى فلسفة دينية في الوقاية من الفايروس، تماما مثلما فعل مؤخرا عبر نشره تقارير في العدد الأخير من مجلة النبأ، تشرح كيفية مواجهة كورونا وتنصح المريدين بعدم الذهاب إلى المناطق الموبوءة، وعلى رأسها الصين وأوروبا.قال مارون إن الاتجاهين يتلاقيان مثل دائرتين في رسم هندسي لإخفاء الصورة الأشمل، وهي تراجع قدرات التنظيم وتداعي قدراته الميدانية والأهم انخفاض الأعمال الإرهابية. الإرهاب البيولوجي
ويحظى أي عمل إرهابي في الفضاء السيبراني بتضخيم كبير بغض النظر عن قيمته الحقيقية، وهي الآلية التي اعتمد عليها داعش منذ نشأته. وأضاف لـ”العرب”، أن الجماعات الجهادية ليست بحاجة إلى شن هجمات جديدة، بل يكفيها فقط مجرد التلميح إلى أن لديها قدرات خارقة، وهي تعلم جيدا أن الإعلام الغربي والأجهزة الاستخباراتية، ستقوم بالنقل عنها والتضخيم أكثر من تلك القدرات.
دروس مكافحة الإرهاب
تشير الإحصاءات الربع سنوية للمعهد الدولي للعلوم الاقتصادية والسلام، حول أعداد الهجمات الإرهابية، أن الربع الأخير من العام 2019 والأشهر الثلاثة الأولى من عام 2020، هي الأقل في الأعمال الإرهابية في العقد الأخير، فعدد ضحايا الهجمات انخفض لأكثر من 69 في المئة حول العالم، بينما قلت أعداد الهجمات نفسها نحو 60 في المئة مقارنة بالعام 2018.
ولذلك اعتبر مارون، أن هذا التراجع هو نتاج عمل كثيف من المكافحة والحصار الأمني الذي وضع داعش في معادلة صفرية لا يمكن تخطيها سوى عبر خطاب مليء بالمبالغات.وأوضح أن أيديولوجية التنظيم الإعلامية تتأسس على إطلاق أوهام بشأن القدرة التدميرية للأسلحة السيبرانية، ضد أي أهداف ينبغي استخدامها، وظهر ذلك في مواقف عدة مثل ظهور حديث بين عامي 2015 و2016 عن منصات التواصل الاجتماعي، عن امتلاك داعش صواريخ نووية قادرة على شنّ حرب نووية ضد الولايات المتحدة والصين وروسيا، لإبادة جميع أعداء الإسلام في آن.
هذه الأفكار التقطتها بعض وسائل الإعلام الغربية ونقلتها كما لو أنها تعكس خططا إرهابية ملموسة، في حين أنها كانت في واقع الأمر بعيدة كل البعد عن ذلك، فهي على أقصى تقدير مجرد “نعرة شوفينية” أو أمان تُلهم بعض الجهاديين المزيد من الانتماء والتعصب. أشار الباحث الإيطالي إلى التحولات التي جعلت الحراك الداعشي يبدأ أولا بخطاب عاطفي يدعو فيه مناصريه إلى اتباع السنة النبوية في الحماية من الوباء وتجنب الأماكن الموبوءة، ليصل إلى استخدام خطاب مواز يتحدث عن قنابل بشرية موقوتة تحمل الوباء للعالم.
الوباء سيرحل تاركا خسائر اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأكبر الخسائر هي الفوضى الأمنية، وأول تداعيات ذلك عودة النشاط الإرهابي لزخمه انتشرت العشرات من المقاطع المصورة التي تتحدث عن الإرهاب البيولوجي الذي يثير الذعر بأن داعش يمكنه أن يتحكم في جنوده، وكأنهم قنابل بشرية انتحارية أو سيارات مفخخة بفايروس كورونا يمكن إشعال فتيلها وتفجيرها في ميدان عام بمدينة أوروبية مثلا.
أكد مارون أنه على الرغم من سذاجة الفكرة لأسباب متعددة، ومنها خروج الفايروس عن السيطرة، ومخاطر أن يفتك الوباء بالإرهابيين قبل أن يكون مدعاة لإثارة فوضى بمكان آخر، إلا أن وسائل إعلام وجهات رسمية أخذت نصوصا من تلك الأبواق المزيفة وأعادت نشرها.
ذهبت وثائق عدة إلى المغالاة والتضخيم، منها وثيقة استخباراتية حديثة لوزارة الداخلية العراقية جاء فيها “إن تنظيم داعش يسعى إلى تجنيد عناصره المصابين بفايروس كورونا، ونشرهم في عموم محافظات العراق، لاسيما في المحافظات الجنوبية والمزارات الدينية الشيعية واستخدام هؤلاء المصابين كقنبلة بيولوجية بشرية”.
منظرون وتبريرات
أضاف مارون، أن هناك حالة ارتباك عالمية مع تضخيم قوة داعش وقدراته التكنولوجية، وزادت تلك المخاوف من الإرهاب البيولوجي مع إعلان القوات العراقية عام 2017 أنها عثرت على أدلة ومستندات في حواسيب تابعة لتنظيم داعش تحوي شروحات للتعامل الآمن مع الأسلحة البيولوجية، ووجدت معملا لإنتاج غاز الخردل في القسم الشرقي الذي تم تحريره من مدينة الموصل، ويعزز ذلك من فرضيات تطور كوادر التنظيمات الإرهابية في مجالات الكيمياء والفيزياء.
ونوه مارون في حواره مع “العرب”، إلى أن الجهاديين يروّجون فكرة أن المصاب بكورونا مثل شخص يحمل حزاما ناسفا، ويردون على المشككين في قدرة استخدام ذلك كقنبلة بيولوجية، بأن هؤلاء الإرهابيين الانتحاريين لا يخشون الموت، وينظرون للأمر بعين الشهادة. الإرهاب البيولوجي
وأوضح “لقد بدأ بالفعل منظرو الجماعات المتطرفة في استنباط لغة تسترشد بالآيات والأحاديث الدينية، وتربط بين استخدام كل الأدوات المتاحة طالما كانت ردعا للكفار ونصرة لأهل الحق والدين، وهناك منشور لأحد كبار المفتين لداعش، واسمه مؤمن أبوعدنان المقدسي، على تلغرام، اعتبر أن “الجهاد الحق لا توقفه الوسيلة، لكن تحركه الغاية، وهو الفتك بأعداء الدين”.
يتناقض الخطاب الداعشي بين دعوات تجنب المناطق المنتشر فيها كورونا، وبين إرسال آخرين للمساعدة في تفشي المرض، لكن الباحث الإيطالي الذي خصص رسالة الدكتوراه في دراسة الهجمات الانتحارية للجهاديين، يعتقد أن المسألة تحمل تناسقا، فموت عناصر داعش دون تحقيق هدف استراتيجي خسارة كبيرة، ودليل فقهي بأن هناك غضبا إلهيا عليهم، غير أن تحويل المسألة وكأن الوباء سلاح فتاك من الله تحت سيطرة داعش وعبر جنوده، يعطي زخما مطلوبا للتنظيم ويزيد من الشرعية الدينية التي طالما لوحوا بها للتجنيد والتوسع.
وتابع مارون “كل الأمور لا تتخطى الجدال والتنفيس على الإنترنت، وأن حقيقة حدوثه على أرض الواقع وادعاء تخصيص جيش من جنود الله لنشر الوباء ما هو إلا استمرار للخصائص الخمس المكونة لخطاب داعش الإعلامي؛ وهي الوحشية المطلقة، والخصوصية الإلهية، والهيمنة السياسية، والظهور ككيان منظم، وأخيرا تعزيز الترابط مع خلاياه المنتشرة”.
تكمن أزمة مكافحة الإرهاب، من وجهة نظر مارون، في القصور لدى بعض أجهزة الأمن في الغرب، وبدت الدول الكبرى فاقدة لقدراتها الاستخباراتية في حماية العالم وإبقاء الجماعات المتطرفة تحت رقابة لصيقة.
ذهب الباحث الإيطالي إلى أن القضية الآن تتعلق بكيفية الإبقاء على النجاحات الأمنية الكبيرة التي تحققت ضد الإرهاب في العامين الأخيرين، وعدم تحول فترة المرض المتفشي لمصدر أمل لدى التنظيمات المسلحة لتبعث بقوة من جديد.عكست الحالة الاستثنائية التي يعيشها العالم الآن سقف وحدود الأجهزة الأمنية وأسقطت الكثير من هيبتها، وترك انتشار الإشاعات الخطيرة حول استغلال الإرهاب للفايروس أكبر دليل على غياب الحكمة في تلك الأجهزة.
أشار مارون إلى أن الإدارة الأميركية بدت عاجزة عن العمل وسط ظروف العالم الحالية، وأخفقت في التعاون مع حلفائها في مواجهة الإرهاب، وربما السياسة الحالية للرئيس الأميركي دونالد ترامب الرامية إلى المزيد من السيادة والاستقلالية على حساب التحالفات الدولية كانت نتيجة طبيعية لما آلت له الأمور والحالة المطروحة الآن.
ولفت مارون إلى أن الوباء سيرحل مع الوقت تاركا خلفه خسائر اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأكبر الخسائر التي ستحل على العالم هي الفوضى الأمنية، وأول تداعيات ذلك عودة النشاط الإرهابي لزخمه السابق، وقد تتكرر كوابيس سنوات سابقة، ونرى تنظيما بهيكلة جديدة ينشط ميدانيا ويثير ذعرا في العالم أكثر من الأمراض.
رابط مختصر … https://eocr.eu/?p=2369