الشرق الأوسط -7 يناير 2019 – عد مراقبون ومحللون توسعات جماعة «الإخوان» المسلمين في ألمانيا «مقلقة للغاية»، وباتت تخترق النظام الديمقراطي.وقد تحولت مدينة كولن، في ولاية شمال الراين فستفالن، منذ سنين إلى شبه مقر لجماعة «الإخوان» في ألمانيا. إلا أن زيادة تأثير الجماعة أخيراً، وتمددها في المدينة، دفع بهيئة حماية الدستور في الولاية (المخابرات الداخلية) إلى التحذير من أن الجماعة المتطرفة باتت تشكل خطراً أكبر من «داعش» و«القاعدة» على ألمانيا.نقل الصحافي أكسل شبيلكر، المتخصص في شؤون الإرهاب، عبر تقرير عن تمدد «الإخوان» نشرته صحيفتي «كولنر شتات أنزيغير» و«فوكس»، عن السلطات الأمنية في ولاية شمال الراين فستفالن، أن «شعبية الهيئات والمساجد التابعة لـ(الإخوان) تتزايد بشكل مضطرد. ووصف الكاتب الذي يكتب منذ سنوات عن الجماعات الإسلامية المتطرفة في ألمانيا توسع (الإخوان) في البلاد بأنه (مقلق)».
نفوذ متصاعد
وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، مقره كولن، تحول إلى المكتب الرئيسي لأنشطة «الإخوان المسلمين» في البلاد. ونقل شبيلكر عن الاستخبارات الداخلية قولها إن الجماعة «تخرق أسس النظام الديمقراطي بجهودها لخلق نظام اجتماعي وسياسي مبني على الشريعة».ونقل الكاتب عن بورخهارد فراير، رئيس هيئة حماية الدستور في شمال الراين فستفالن، أن «التجمع» في ألمانيا، والمنظمات التي تعمل معه، رغم نفيه، يهدف لأمر واحد، هو تأسيس «دولة قائمة على الشريعة» في النهاية. ومن هنا، وبسبب تزايد نفوذ الجماعة، استنتج فراير أن خطر «الإخوان» على ألمانيا على المدى المتوسط أكبر من خطر التنظيمات المتطرفة الأخرى، مثل «داعش» و«القاعدة»، مشيراً، نقلاً عن الاستخبارات في ولاية شمال الراين فستفالن، إلى أن «الجماعات المحلية المرتبطة بالإخوان تجتذب بشكل متزايد لاجئين عرباً في ألمانيا لتستخدمهم لأهدافها الخاصة».
وأكمل الكاتب أن سبب هذا التقييم يعود لسببين: الأول أن قادة «الإخوان» في ألمانيا على مستوى عالٍ من العلم، والثاني بزعم تلقيهم دعماً مالياً. وبحسب تقييم الاستخبارات الألمانية، فإن هيئات ومؤسسات «الإخوان» تقدم تعليماً شاملاً، وبرنامج تدريب للمسلمين والأشخاص ذوي الاهتمام الديني من كل الأعمار.
عظات ومحاضرات
من جهته، نقل شبيلكر عن الاستخبارات أن الهيئات التعليمية هذه تشمل تلك التابعة للمنظمة، وأيضاً التي تتعاون معها في مدارس قرآنية كثيرة، مثل «المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية»، و«الجمعية الألمانية للقرآن الكريم» التي تستهدف بشكل خاص الصغار في السن، مضيفاً أن محللين في الاستخبارات أكدوا أن «تعاليم المنظمة التابعة لـ(الإخوان)، والهيئات الأخرى التي تعمل معها، تصل إلى عشرات الآلاف من المسلمين عبر العظات والمحاضرات والتدريب الذي يقدم تفسيرات شديدة التطرف للقرآن».وتقدر السلطات الألمانية عدد أتباع «الإخوان» ضمن الدائرة الضيقة بألف شخص، تزداد أعدادهم بشكل مضطرد. وبحسب معلومات من «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، فإن المنظمة تضم 50 هيئة تعمل تحت مظلتها. وتعد الاستخبارات الداخلية في ولاية شمال الراين فستفالن 14 مسجداً تابعين للمنظمة، و109 دور عبادة متطرفة تنشر أفكار «الإخوان» في منطقة الراين والرو.
وأشار شبيلكر إلى أن الألماني برنار فولك، الذي اعتنق الإسلام وتطرف، كان يرتاد المسجد الأخير. وفولك كان ينتمي لليسار المتطرف، وسجن 13 عاماً بعد أن نفذ عمليات إرهابية يسارية، ثم اعتنق الإسلام في السجن. وبعد خروجه، راح يرتاد المساجد، حيث يعتقد أنه تطرف، وغير اسمه، وبات يعرف باسم المنتصر بالله. ويعد فولك من المتعاطفين مع فكر تنظيم «القاعدة»، وهو ينشط اليوم في مساعدة المتهمين والمسجونين بتهم تتعلق بالتطرف.
وتنفي جماعة «الإخوان» في ألمانيا تبنيها للعنف أو التطرف، إلا أن الاستخبارات الداخلية تقول إن تعاليم الجماعة تهدف إلى تقوية السلوك السلبي تجاه القيم الغربية، والترويج لمسافة مع الديمقراطية. وأضاف الكاتب، في تقريره، أن ما يثير القلق أيضاً أن المنظمة نجحت في «التأثير» على المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، الذي يعتبر المظلة الواسعة للمسلمين في أنحاء البلاد. ونقل الكاتب عن الاستخبارات الداخلية أن جماعة «الإخوان» تحاول تقديم نفسها على أنها منفتحة، وتتبنى منهج الإسلام الوسطي، إلا أنه خلف الأبواب هناك قادة بارزون فيها يتحدثون عن هدف تأسيس «دولة إسلامية» على المدى المتوسط.
علاقات متشابكة
وتنفي منظمة «التجمع الإسلامي في ألمانيا» علاقتها بالإخوان، إلا أن الكاتب شبيلكر أشار إلى أن صفحة رئيس المنظمة، خالد سويد، على موقع التواصل «تويتر»، تشير إلى تعاطفه مع جمعيات تدعو لمقاطعة إسرائيل، بينما صفحته على «فيسبوك» ينشر عليها صوراً لشعار «الأصابع الأربعة» الذي يستخدمه «الإخوان». واستخدم «الإخوان» الشعار إبان ثورة «25 يناير» عام 2011 في مصر، التي أوصلت محمد مرسي إلى الرئاسة لفترة وجيزة. وغالباً ما يشاهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وهو يرفع إشارة «رابعة»، وقد شوهد وهو يؤدي التحية بأربعة أصابع خلال زيارته إلى ألمانيا قبل بضعة أشهر، التي تضمنت زيارة إلى مدينة كولن، وافتتاحه أكبر مسجد في أوروبا فيها.
وفي تقرير سابق لتلفزيون «إي آر دي» الألماني، وصف محمد مهدي عاكف، المرشد السابق لـ«الإخوان» في مصر، الرئيس الأسبق لـ«التجمع الإسلامي في ألمانيا»، آنذال إبراهيم الزيات، بأنه «رئيس الإخوان في ألمانيا»، علماً بأن الزيات نفى ذلك. وترأس الزيات المنظمة بين عامي 2002 و2010، وحكم عليه بالسجن غيابياً في القاهرة لمدة 10 سنوات في عام 2008، بعد أن أحاله الرئيس المصري الأسبق في ذلك الوقت، حسني مبارك، إلى المحاكمة العسكرية عام 2006، إلى جانب قيادات أخرى من الإخوان. وأصدر عنه مرسي عفواً عاماً عام 2012.
وتأسس «التجمع الإسلامي في ألمانيا» عام 1958، وهو من أقدم المنظمات الإسلامية في البلاد. وتزعم الاستخبارات الداخلية الألمانية أنه منظمة تسيطر عليها جماعة «الإخوان» المسلمين. وذكرت الاستخبارات في تقييمها السنوي العام الماضي أن الجماعة تهدف لإقامة دولة مبنية على «الشريعة». ويرتبط المركز بشبكة جمعيات واسعة في مختلف المدن الألمانية، من بينها برلين وفرانكفورت وشتوتغارت ومونستر وماربيرغ.
وفي تعريف الاستخبارات الألمانية في ولاية شمال الراين فستفالن عن جماعة «الإخوان»، تفصل تاريخ تأسيسها في مصر عام 1928، على يد المؤسس الراحل حسن البنا. وتحدد الاستخبارات الألمانية أن من أهداف «الإخوان» استبدال الحكومات في مختلف البلدان بأنظمة مبينة على أسس الشريعة. وتضيف أن الجماعة تهدف لتحقيق ذلك من خلال «اختراق الدول ثقافياً، وبالعنف إذا استدعت الحاجة». ويذكر موقع الاستخبارات الداخلية في ولاية شمال الراين فستفالن مثالاً على ذلك محاولات «الإخوان» تنفيذ انقلاب في سوريا عام 1982، وفي الجزائر في التسعينات، ليضيف: «انطلاقاً من هذه الأهداف والأنشطة المطابقة، فإن مؤيدي جماعة (الإخوان) الذين يعيشون في ألمانيا يعرضون مصالح السياسة الخارجية الألمانية للخطر».
منصات التحريض
وكانت صحيفة «فوكس» قد نشرت مقابلة أجراها الكاتب شبيلكر نفسه مع الباحثة بالشؤون الإسلامية سوزان شروتر، حذرت فيها من التقليل من شأن قدرات «الإخوان» في ألمانيا، فرغم أن «قادة الجماعة غالباً ما يرفضون العنف في العلن، فإن هناك علاقات سرية تربطهم بأشخاص يدعون للعنف».ويضيف موقع الاستخبارات الداخلية أن «الإخوان» ممثلون في جماعات مختلفة في ألمانيا مندمجة في شبكات مترابطة دولياً، وأن الهدف الأساسي هو التأثير آيديولوجياً على المسلمين الذين يعيشون هنا، وكسبهم إلى جانبهم. وتشير الاستخبارات في تقييمها إلى أن «أتباع الإخوان نادراً ما يظهرون في العلن، وأن المراكز التابعة لهم تستخدم كمنصات للتحريض السياسي من جهة، وأيضاً كغطاء لتنظيم لقاءات لمختلف أتباعها في دول كثيرة».
ويشير موقع الاستخبارات الداخلية إلى أن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» تأسس قبل عام 1960، وهو المنظمة التي تضم أكبر عدد من أتباع الإخوان في ألمانيا. ويضيف أن التجمع يتخذ اليوم من مدينة كولن مقراً له، وأنه يمول نفسه من خلال رسوم انتماء لأعضائه، وتبرعات يجمعها من المساجد، إضافة إلى مساعدات خاصة يتلقاها.وفي عام 2017، صدر تحذير من الاستخبارات الداخلية في ولاية ساكسونيا، الواقعة شرق البلاد، من توسع جماعة «الإخوان» فيها. وذكر حينها التقرير بأن الجماعة تستغل اللاجئين الجدد لزيادة أعداد أتباعها، بهدف تأسيس دولة قائمة على الشريعة. وأشار التقرير حينها أن الجماعة تستغل «نقص عدد المساجد، بعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين، لكي تتمدد وتنشر أفكارها».
وكشف رئيس الاستخبارات في ولاية ساكسونيا، غورديان ماير – بلات، عن أن الجماعة تشتري أعداداً كبيرة من المباني والأراضي والمقرات، لفتح مساجد وتأسيس مراكز التقاء، مضيفاً أن هذا الأمر «لا علاقة له بالجهاد، ولا الإرهاب؛ هدف (الإخوان المسلمين) هو (فرض) قانون الشريعة في ألمانيا».
رابط مختصر … http://bit.ly/2pIEl66