واقع الإخوان المسلمين فى فرنسا
العرب اللندنية – أقيم “التجمع السنوي لمسلمي فرنسا” الذي ينظمه الإخوان المسلمون ويشرف عليه منذ 35 سنة فرعهم بفرنسا “اتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا”، الذي يسمي نفسه اليوم “مسلمو فرنسا”. ويزور البورجي قرب باريس، حيث ينظم بقصر المعارض، حوالي 35000 زائر يوميا أي حوالي 150000 خلال الأربعة أيام.
تدل تسمية هذا اللقاء المنعقد في بداية كل ربيع على الرغبة في إيهام السلطات الفرنسية والمسلمين في هذا البلد بأن الإخوان يمثلون كل المسلمين ومن هنا ذلك الاسم الجامع المانع “مسلمو فرنسا”.
تلك في الحقيقة عملية سطو في وضح النهار وتضليل دلالي، إذ يهدف الإخوان من حذف كلمة إسلامي في التسمية الأولى واستبدالها بكلمة مسلمين في هذه التسمية الجديدة إلى نفي غير مباشر للتهمة الموجهة إليهم عن حق وهي العمل على أسلمة فرنسا، فكأنهم يقولون إن اهتمامهم منصبّ على الدفاع عن الأشخاص المنحدرين من أصول إسلامية وليس على الأيديولوجية التي تريد فرض الخلافة.
وبغض النظر عن هذا النصب والتضليل المفضوح، يهدف الإخوان من تنظيم هذا اللقاء الديني والمعرض التجاري إلى ترسيخ الانعزالية وتقديم أنفسهم على أنهم يمثلون طليعة المجموعة الإسلامية في فرنسا، وذلك من أجل تسريع سيطرتهم على المسلمين الفرنسيين. ويولي الإخوان لهذا الاجتماع السنوي اهتماما خاصا باعتباره من أكبر التجمعات الإسلامية المعروفة بل أهمها من حيث الاهتمام الإعلامي وعدد المحاضرين.
كما يستعملونه كسلاح، وكوسيلة من وسائل الصراع الدائر بين أقطاب أخرى داخل البيت الإسلامي في فرنسا وعلى الخصوص تلك المنافسة التاريخية بين الإخوان ومسجد باريس والإسلام التركي غير التابع للإخوان كجماعة غولن. بالإضافة إلى المنافسة الأخرى الشرسة مع السلفيين. وحتى وإن جمعتهم مع الإخوان قواسم أيديولوجية مشتركة، فالسلفيون ينافسون الإخوان في الأحياء المأهولة من طرف الأغلبيات المسلمة وهي المناطق التي يريد الإخوان إحكام القبضة عليها واتخاذها كفأر تجربة للمشروع الذي يحضرون لفرنسا كلها.
عكرت فضيحتان كبيرتان الأجواء هذا العام وأفسدتا كل الاستراتيجية التقوية الإخوانية:
الأولى: تزامن ظهور فيديو قديم على الإنترنت تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع يظهر فيه عمار لصفر، رئيس “مسلمي فرنسا” اليوم وهو يخطب خارج فرنسا باللغة العربية ويقول عكس ما يضلل به الفرنسيين باللغة الفرنسية منذ عشريتين وقد صُدم كثيرون بعد اطلاعهم على الترجمة التي أظهرت لهم حقيقة الرجل وأماط الشريط اللثام على مشروعه الإسلامي الذي يخطط لأسلمة الغرب كله ويعرض الطرق التي يجب انتهاجها للوصول إلى ذلك الهدف، ومن بينها اقتحام المجالس المنتخبة والانقضاض على الحكم سلميا ولا يستثني الاعتماد على القوة للاستيلاء على السلطة عندما يحين وقت استعمالها!
الثانية: جود طارق رمضان منظر إخوان فرنسا وراء القضبان بتهمة الاغتصاب ولكن بدل محاولة غلق ملفه الثاني وترك العدالة الفرنسية تقوم بواجبها راح عمار لصفر يخطب في الحاضرين منتقدا القضاء الفرنسي وزاعما أن في الأمر مؤامرة على من يسميه “المفكر المرجع” الذي يبقى فكره سليما حتى وإن حكمت عليه المحكمة، بكلمات أخرى سيظل في رأيه مرجعا حتى وإن كان مغتصبا! ودعا البشير بوخزر، من على نفس المنصة الحاضرين للوقوف “وقفة تضامن” مع الأخ طارق. وليس هذا فحسب بل خصصت للجنة التضامن معه منصة في المعرض لبيع الكتب وجمع التبرعات والتوقيعات ووزعت قمصانا كتب عليها “الحرية لطارق رمضان”، وهذا بغض النظر عن الأموال الهامة التي جمعت للدفاع عنه سابقا والمسيرات الفاشلة التي دعا إليها مناصروه مرارا.
وكعادتهم، يستغل ممثلو الإخوان، كل شيء لإظهار أنفسهم في ثوب الضحية ويستغلون كل الذرائع الممكنة لإيهام الرأي العام بأن هناك مؤامرة ضد المسلمين في فرنسا والغرب كله. وها هم يستعملون حبس طارق رمضان في خدمة دعايتهم القديمة الجديدة والكاذبة دائما القائلة إن المسلمين يعيشون تحت الظلم في فرنسا. ونشر هذا الشعور بين الشبان المسلمين بهدف استعطافهم لجذبهم ثم أسلمتهم.
وحتى وإن تمت النشاطات الثقافية بشكل طبيعي والسوق شبه مزدهرة، يشعر كل متجول في معرض هذا العام بنوع من الاختلاف عن الطبعات السابقة، إذ هناك في الجو ما يشبه الارتباك والترقب لدى المنظمين والزائرين وصدقت نبوءة زعيم الإخوان الذي صرح قبل بداية فعاليات التظاهرة بقوله “دون طارق رمضان، سيكون الأمر صعبا في جذب الشبان، سنفتقد إلى شخصيته الكاريزماتية”. وطبعا سيفتقد عمار لصفر، أيضا الشيوخ المعتادين على المجيء والممنوعين اليوم من دخول التراب الفرنسي بسبب تورطهم في قضايا تمجيد الإرهاب.
ولئن اتصف التجمع في السنوات الماضية بنوع من الهجومية والمبالغة في إظهار العضلات، فإنه في طبعة 2018 تبدو عليه مسحة دفاعية واضحة حتى وإن حاول زعيم الإخوان في فرنسا عمار لصفر، التظاهر ببعض جرأة كانتقاد القضاء الفرنسي في قضية طارق رمضان.
وعلاوة على الفضيحتين المذكورتين سابقا، يعود هذا التغير إلى انعقاد طبعة هذا العام بعد مرور أسبوع فقط على اعتداء جنوب فرنسا الذي ارتكبه إرهابي إسلامي والذي تبناه تنظيم داعش وراح ضحيته 4 أشخاص من بينهم العقيد أرنو بلترام، والذي أقيمت له مراسيم وداع وطنية مهيبة يومين قبل انطلاق التظاهرة الإخوانية، مما جعلها تبدو وكأنها استفزازية بالنسبة إلى الفرنسيين، وهو ما يبدو واضحا من خلال بعض النظرات المتأففة في وسائل النقل أمام منظر النساء المحجبات والرجال الملتحين. وعلى كل حال، لقد تغير الجو ولم يعد الإخوان المسلمون يصولون ويجولون تحت حماية الأموال القطرية وبعض المسؤولين الفرنسيين المنتفعين.
لقد انكشف أمرهم وهم اليوم تحت المراقبة الإعلامية وقد نشرت مقالات ودراسات نقدية كثيرة أظهرت وجههم الحقيقي المتطرف رغم إكثارهم من المساحيق المحسنة. وتتعالى اليوم الصيحات ليس لمنع هذا التجمع السنوي الأصولي بل للمطالبة بمنع تنظيم “مسلمي فرنسا” ذاته الذي يشرف على تنظيمه.
رابط مختصر … https://eocr.eu/?p=1181