النمسا تتعقب أنشطة الإسلام السياسي على أراضيها – الإخوان المسلمون
العرب اللندنية – سارعت الدول الأوروبية إلى محاصرة مصادر تمويل التنظيمات الإسلامية المتطرفة كتنظيم الإخوان المسلمين عبر سن ترسانة من القوانين الجديدة التي ضيقت لحد ما على موارده المالية، إلا أن هذه الإجراءات ظلت قاصرة في ظل وجود طرق متشعبة ومتعددة تحول دون رصد وتعقب حركة الأموال ومصادرها. وفي هذا الإطار دشنت النمسا أول مركز بحث أوروبي مختص في توثيق تحركات الإسلاميين ما يؤسس لقاعدة بيانات يمكن الاستئناس بها في تطوير منظومة تعقبهم كلما طوروا أساليب خداعهم. الإخوان المسلمون
فيينا- أطلقت النمسا مركزا بحثيا متخصصا لمتابعة وتوثيق تحركات نشطاء الإسلام السياسي على أراضيها، في وقت تصاعدت فيه التحذيرات السياسية من تنامي خطاب التطرف والأصولية، ما يهدد السلم الاجتماعية وقيم الديمقراطية العلمانية.ويعد المرصد الأول من نوعه في أوروبا، حيث رصدت الدولة النمساوية مبلغ نصف مليون يورو لأعمال المرصد في عام 2020، فيما يأمل متابعون لأنشطة الإسلام السياسي في أوروبا تعميم التجربة على بقية دول المنطقة تباعا.
وقالت وزيرة الاندماج النمساوية سوسزانا راب، إن الحكومة النمساوية ترغب بمحاربة التنظيمات الإسلاماوية والهياكل المتفرعة عنها في البلاد، لكنها أكدت على ضرورة التفرقة بين الإسلام كدين سماوي له مكانته المقدسة واحترامه، وبين الإسلام السياسي كأيديولوجيا معادية للإنسانية.ويعول الإسلاميون في النمسا خاصة وأوروبا عامة على مناخ الحريات والديمقراطية في الدول الذي تستضيفهم لنشر أيديولوجيتهم وتعزيز مشاعر الانعزالية والأصولية لدى الشباب المسلم، ما يحول دون اندماجهم في مجتمعاتهم ويؤدي بالضرورة إلى التصادم والتدافع الاجتماعي وهي مفاهيم في صلب المناهج التي يرتكز عليها فكر الإخوان المسلمين. الإخوان المسلمون
ووصل الإخوان إلى أوروبا في الغالب تحت بند اللجوء السياسي، ثم أسّسوا شبكة علاقات ضمت جنسيات مختلفة، تداخلت فيها المصاهرات السياسية بالعلاقات الشخصية، وجمعتهم الخطط والأهداف وامتدت نشاطاتهم عبر مؤسسات ومراكز كثيرة وجمعيات خيرية.ورغم العمليات الإرهابية التي شهدتها كبرى العواصم الأوروبية لم يكن خطر الإسلام السياسي جليا لأن هذه الجماعات كانت في مرحلة التوطين، أي تهيئة الأرضية في سرية، لتكون جاهزة خلال مرحلة التمكين، التي اعتقدت أنها جاءت مع وصول أذرعها إلى السلطة في دول عربية.
واستثمر الإخوان القانون النمساوي الذي يسمح ببناء شراكات جمعياتية مع الخارج لاستجلاب الأموال الضرورية لتأمين أنشطتهم وتحركاتهم في فيينا وباقي الدول الأوروبية، حيث كانت كل من دولتي قطر وتركيا الراعي المالي الرسمي.
تجفيف منابع التمويل – الإخوان المسلمون
بعد أن انكشف خداع تنظيم الإخوان المسلمين ومناوراته التنظيمية سارعت عديد الدول الأوروبية إلى تطويق ومحاصرة مصادر تمويله عبر سن ترسانة من القوانين الجديدة التي ضيقت لحد ما على موارده المالية، إلا أن هذه الإجراءات ظلت قاصرة في ظل وجود طرق متشعبة ومتعددة تحول دون رصد وتعقب حركة الأموال ومصادرها.
ونقلت مواقع إخبارية عن ورينز فدينو، مدير مركز التطرّف في جامعة جورج واشنطن الأميركية، والباحث الذي أعدّ تقرير الاستخبارات النمساوية عن نفوذ الإخوان في 2014، إنه في ما يتعلق بالتمويل الخارجي، فعلى الرغم من صعوبة إثباته بشكل قاطع، فإنّ هناك دلائل واضحة على تلقي الإخوان في النمسا وفي أوروبا بشكل عام تمويلا من قطر وتركيا.
وأضاف فدينو “مصادر تمويل الإخوان متعددة ومتشعبة، فقد اعتادت على الاعتماد على مساهمات أعضائها العاديين، وتبرعات أعضائها من رجال الأعمال، كما تلقت دعما ماديا من منظمات نمساوية تعمل بشكل مباشر مع الحكومة لمساعدتها في ملفات مثل اندماج المسلمين في المجتمع”.
وفي إطار جهودها ومساعيها المتواصلة لتجفيف منابع تمويل الإسلاميين، فعّلت النمسا قانونا يحظر التمويل الخارجي لأئمة المساجد، وتبع ذلك مؤخرا إقامة أولى الدعاوى القضائية ضدّ أئمة المساجد الذين يحصلون على الدعم المالي من تركيا.وتهدف الإجراءات النمساوية لمنع تمويل الكثير من الاتحادات الإسلامية والمساجد من تركيا، ما يجعلها عرضة للاتهام بالترويج لقيم مثيرة للشك على المستوى السياسي ودعم تكوين مجتمعات موازية.
وسبب التمويل الخارجي للمساجد حالة غليان في النمسا، خاصة بعد إغلاق سبعة مساجد وطرد العشرات من الأئمة العام الماضي. ويعود السبب في ذلك إلى الحملة التي شنتها الحكومة النمساوية للاشتباه في حصول رجال الدين على دعم مالي مباشر من هيئة الشؤون الدينية التركية.
ومنذ عام 2015، يحظر قانون خاص بالإسلام في النمسا التمويل الخارجي، حيث ينصّ هذا القانون، على أنه يجب على المؤسسة الدينية المُعترف بها بحسب القانون العام تغطية مصاريف الخدمات الدينية من مصادر تمويل محلية.وتضم النمسا مليونا و700 ألف أجنبي بينهم قرابة 700 ألف مسلم. ويعد الأئمة الأتراك واجهة خفية لتشكيل الحياة الدينية للأتراك المقيمين في أوروبا لخدمة أهداف سياسية، علاوة على الدور المحوري الذي يلعبونه لتكريس توجهات سلطة الحكم في تركيا.
ورغم أن الاتحاد الذي تأسس في العام 1924، كان الهدف منه الحفاظ على الإسلام في الجمهورية التركية العلمانية، لكنه تحول في عهد أردوغان إلى أداة سياسية لتعزيز مصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم.ويتجلى الاستخدام السياسي للأئمة الأتراك في أوروبا، في ترويج خطاب سياسي يستدعي إرث العثمانية القديمة، ومحاولة إحياء مظاهرها في ثوب جديد، خصوصا أن أردوغان يرى أن هناك عددا من دول أوروبا تُعد امتدادا للتواجد التاريخي العثماني في أوروبا في الماضي.
وتبدي أوروبا قلقا بشأن دعم أنقرة الكيانات الدينية المتطرفة في عدد كبير من دول المنطقة، من خلال توفير الاستضافة والدعم المالي والمنصات الإعلامية، حيث يقترن الرفض النمساوي للأئمة الأتراك، بتوجهات دول أوروبية تتصاعد شكوكها حيال دور سياسي مشبوه للأئمة الأتراك.وتجلت مخاوف أوروبا، في فبراير 2015 عندما وافق برلمان النمسا على مشروع قانون ينص على إخلاء البلاد من الأئمة الأتراك العاملين في مساجد تابعة لفرع الاتحاد الإسلامي التركي بالنمسا، والامتناع عن استقبال أئمة جدد من تركيا.
ويعود التعاطي السلبي مع الأئمة الأتراك في جانب معتبر منه إلى شكوك أوروبية في الخطاب المؤدلج للدعاة الأتراك، فضلا عن حرص أوروبي على ضمان تلبية متطلبات الاندماج في المُجتمعات الغربية، وضمان التنوع الثقافي بجوار الحفاظ على مبادئها العلمانية.وتفحص النمسا، منذ وقت، ملفات رفعها نائب عن حزب الخضر بيتر بيلز، يتهم فيها فرع الاتحاد في النمسا بالتجسس لصالح أنقرة، مؤكدا حيازته معلومات تثبت ضلوع هذا الفرع في مراقبة عناصر من جماعة “خدمة” إضافة إلى أكراد وصحافيين معارضين.
ويكشف الرفض النمساوي لتعيين أئمة أتراك جدد عن تراجع مضطرد في إعجاب الغرب بنموذج حزب العدالة والتنمية الإسلامي في تركيا، الذي ادعى وقت ولادته أن فكرة برنامجه السياسي تم استلهامها من الأحزاب المسيحية الديمقراطية في أوروبا التي تجمع بين الديمقراطية والدين.
ميللي جورج
رغم امتلاك نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العديد من المنظمات الإسلامية المتطرفة النشطة في أوروبا، إلا أن تقارير ووثائق نمساوية- ألمانية تؤكد أن منظمة ميللي جورج المرتبطة بالإخوان المسلمين تعتبر واحدة من أهم وأخطر الجماعات في القارة والأكثر تطرفا.وأفادت وثيقة للبرلمان النمساوي تعود إلى 26 يونيو 2014 أن حركة ميللي جورج تتواجد في النمسا عبر شبكة واسعة من التنظيمات والمساجد والمدارس، وتحاول أن ترسخ أقدامها عبر الدخول في حوار مع الحكومة. الإخوان المسلمون
وتابعت الوثيقة البرلمانية أن مديرية الشؤون الدينية التركية التي تخضع لإشراف مباشر من أردوغان، تضع فيينا جنبا إلى جنب مع ستراسبورغ الفرنسية كمناطق رئيسية لانتشار المدارس والمؤسسات التابعة لميللي جورج في أوروبا.وتعمل الحركة في النمسا تحت اسم “الاتحاد الإسلامي”، وتملك 22 مسجدا في عموم البلاد، و40 مؤسسة تعليمية وثقافية، و12 ألف عضو، فيما يحضر دروس الاتحاد أيام الجمعة نحو 20 ألف شخص، وفق وكالة الأنباء النمساوية الرسمية.
وفي سبتمبر 2019، أصدر البرلمان النمساوي توصية بحظر الاتحاد الإسلامي التركي في النمسا “إتيب”، وحركة ميللي جورج التي وصفها مشروع القرار بأنها “قريبة من جماعة الإخوان”.ومرر البرلمان مشروع القرار بعد موافقة كتلتي حزب الشعب الحاكم، وحزب الحرية ثالث أكبر كتلة برلمانية، والمعارضة بزعامة السياسي بيتر بيلتس. وتطالب التوصية البرلمانية الحكومة بفحص ومراقبة كل المنظمات التابعة لإتيب ومللي جورج في النمسا وحظرها.
ووفق مشروع القرار، فإن اتحاد إتيب مرتبط بنظام الرئيس التركي، ومعتمد ماليا وإداريا عليه، ويملك العشرات من المساجد والمؤسسات الثقافية في النمسا.وقال بيلتس زعيم قائمة “الآن” في البرلمان النمساوي في حوار مع وكالة الأنباء النمساوية الرسمية “إيه.بي.إيه” إن النظام السياسي في النمسا مخترق من الجماعات الإسلامية التركية والإخوان المسلمين، مضيفا “الأخطار المرتبطة بالإسلام السياسي في النمسا، ازدادت بشكل درامي”.
ونهل الرئيس التركي في شبابه من أفكار المنظمة المتطرفة التي أسسها السياسي نجم الدين أربكان في ستينات القرن الماضي، حيث كان لها دور أساسي في صعوده إلى سدة الحكم في تركيا.
وجاء في وثيقة للبرلمان الألماني مؤرخة بـ30 أغسطس 2016، “لم يكن صعود أردوغان للسلطة في تركيا عام 2003 ممكنا دون دعم حركة ميللي جورج، باعتباره نشأ في الحركة، وتبنى مبادئها”.وتابعت الوثيقة “بعد وصوله للسلطة، عمّق أردوغان العلاقة مع ميللي جورج، وباتت ذراعا رئيسية لنظامه خاصة في أوروبا”، مضيفة “على سبيل المثال، كان الأمين العام السابق لميللي جورج، مصطفى ينار أوغلو، واحدا من أبرز داعمي الرئيس التركي، وشغل لسنوات عضوية البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم”.
ولفتت الوثيقة إلى أن “السياسي التركي الراحل، نجم الدين أربكان أسس الحركة في سبعينات القرن الماضي، بهدف استبدال الأنظمة العلمانية والديمقراطية بأنظمة ثيوقراطية شمولية”.رغم العمليات الإرهابية التي شهدتها كبرى العواصم الأوروبية لم يكن خطر الإسلام السياسي جليا لأن هذه الجماعات كانت في مرحلة التوطين، أي تهيئة الأرضية في سرية، لتكون جاهزة خلال مرحلة التمكين
ويثير توسع منظمة ميللي جورج في 11 دولة أوروبية قلق أجهزة استخبارات أوروبية بسبب خطورة أنشطتها وسعيها لتحقيق أهداف غير دستورية، بعد أن باتت أكثر التنظيمات التابعة للنظام التركي نفوذا في أوروبا، وأداة للتطرف والتجسس.ويقول الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي ديفيد فيلهابر، إن المنظمة تنشط في 11 دولة أوروبية، أبرزها ألمانيا والنمسا وإيطاليا”، متابعا “تملك المئات من المساجد والمنظمات الثقافية في ألمانيا وحدها”. الإخوان المسلمون
وتابع فيلهابر في دراسة نشرها معهد هودسون الأميركي للدراسات (غير حكومي)، أن المنظمة “هي أكثر التنظيمات الإسلامية المتطرفة تأثيرا في ألمانيا، وواحدة من أهم التنظيمات التي تنشط في الشتات التركي في أوروبا”.وتملك المنظمة 87 ألف عضو في أوروبا، بينها 30 ألف عضو في ألمانيا وحدها، فيما يحضر الدروس في المساجد والمؤسسات التابعة لها، 300 ألف شخص أسبوعيا.
وذكر تقرير لصحيفة “دي برسه” النمساوية أن المنظمة، توسعت بشكل كبير ومقلق في أوروبا خلال السنوات الماضية، حيث ارتفع عدد المساجد المنضوية تحتها في القارة من 510 إلى 650، بالإضافة إلى 2000 مركز ثقافي وشبابي ونسائي.
وتؤكد صحيفة فولكس بلات النمساوية أن أعضاء المنظمة يحافظون على علاقات وثيقة مع السياسيين والكنائس والإعلام في النمسا وألمانيا، لـ”رسم صورة غير صحيحة عن أهداف الحركة وأنماط تصرف أعضائها”، مشيرة “تعمل المنظمة على الاندماج بشكل واضح في المجتمعات الأوروبية، كغطاء لتحركاتها وأهدافها الحقيقية”.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=3897