المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا
البحر الأحمر ـ ألمانيا في مهمة عسكرية بأبعاد اقتصادية
DW – أثار قرار الحكومة الألمانية المشاركة بالفرقاطة “هيسن” في العملية العسكرية الأوروبية بالبحر الأحمر ردود فعل وتعليقات سياسية وإعلامية، بشأن ما وصفه وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، بالعملية “الأخطر” للبحرية الألمانية منذ عقود.
توجهت الفرقاطة “هيسن” الأحدث في ترسانة البحرية الألمانية للمشاركة في عمليات الاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر، وذلك بعدما أعطى وزراء خارجية التكتل القاري الضوء الأخضر لمواجهة المخاطر الناجمة عن هجمات الحوثيين ضد سفن الشحن وطرق الملاحة البحرية في المنطقة ضمن عملية تحمل اسم “أسبيدس”. مهمة أطلقها الاتحاد القاري رسميا في (19 فبراير/ شباط 2024)، وتعد ألمانيا من أوائل الدول التي التزمت بمشاركة سفنها البحرية في هذه المهمة المحفوفة بالمخاطر. ويذكر أن الحوثيين اليمنيين المدعومين من إيران، بدأوا منذ (19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) هجمات متفرقة على السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر وبحر العرب التي يشتبهون بأنها مرتبطة بإسرائيل أو متّجهة إلى موانئها. وفي تبريرهم لتلك الهجمات يقول الحوثيون إنهم يقومون بذلك دعمًا للفلسطينيين في قطاع غزة بعد الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بين إسرائيل وحركة حماس، التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وقد أثرت هجمات الحوثيين فعلا على حركة الملاحة التجارية في المنطقة رغم محاولات ردعهم، من قبل القوّات الأميركيّة والبريطانيّة. وينفّذ الجيش الأميركي، من وقت لآخر، ضربات لوحده، يقول إنها تستهدف مواقع أو صواريخ ومسيّرات تابعة للحوثيين معدة للإطلاق. وفي الأسابيع الأخيرة بدأ الحوثيون استهداف السفن الأميركية والبريطانية في المنطقة، معتبرين أن مصالح البلدين أصبحت “أهدافًا مشروعة”. وفي هذا السياق يتعين فهم عملية “أسبيدس” الأوروبية التي تساهم فيها ألمانيا. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “روندشاو” الألمانية (19 فبراير) “يأمل الاتحاد الأوروبي في أن تتمكن شركات الشحن مرة أخرى من إرسال سفنها التجارية عبر البحر الأحمر دون تردد. ففي الآونة الأخيرة، اضطرت الكثير من السفن تجنب أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا. ولأن الطريق البديل حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، هو طريق أطول بكثير، فإن الشركات تضررت كثيرا من هذه الأزمة”.
“هيسن” تفويض أوروبي ألماني واضح
المجال الجغرافي الذي تشمله “أسبيدس” واسع نسبيًا، لكن التفويض محدد وواضح من قبل الاتحاد الأوروبي والبرلمان الألماني “بوندستاغ” ويشمل البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج العربي. مبدئيا تلتزم السفن الحربية الأوروبية بالتحرك في المياه الدولية فقط. وفي الحالات التي يتعين عليها الإبحار إلى المياه الإقليمية للقيام بمهمتها، يتعين عليها الحصول على موافقة الدولة المجاورة.
ومع ذلك، فإن تفويض بوندستاغ يحد من استخدام الأسلحة، إذ “لا يمكن تنفيذ المهمة (..) في المجال البحري شمال خط عرض مسقط في خليج عمان، وفي مضيق هرمز وفي البحر الفارسي (الخليج)”. ولذلك أكدت وزارة الدفاع الألمانية أنه لا ينبغي أن تنشأ توترات إضافية مع القوة الإقليمية التي تمثلها إيران. ويقول وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بهذا الصدد «نعم، سنكون قريبين من إيران، ولكن بما أن مهمتنا دفاعية بحتة، فلدينا حجج جيدة لتجنب التوترات”.
“هيسن” في مهمة غير مسبوقة
تعتبر “هيسن” فخر البحرية و”معيارا ذهبيا” وفق توصيف وزير الدفاع بوريس بيستوريوس. وتضم الفرقاطة الألمانية طاقما مكونا من 240 شخصا بينهم 27 امرأة. ولم يسبق للبحرية الألمانية أن كلفت بمهمة مماثلة منذ تأسيس الجيش الألماني بعد الحرب العالمية الثانية. ورغم أن الجيش قام سابقا، بحماية السفن التجارية من هجمات القراصنة في نفس المنطقة، لكن المهمة كانت تتعلق آنذاك بقراصنة ومجرمين يستخدمون أسلحة خفيفة للسيطرة على السفن التجارية. أما المهمة الحالية فتكمن في مواجهة ميليشيا مسلحة (الحوثيون) من قبل قوة إقليمية عدوانية (إيران)، تقوم بمعدل خمس هجمات أسبوعية على السفن البحرية في المنطقة.
وتشارك في مهمة “أسبيدس” 17 من دول الاتحاد الأوروبي وبمساهمة نرويجية. أما فرقاطة “هيسن” فمجهزة بأحدث الأسلحة من بينها صواريخ مضادة للطائرات بعيدة المدى. وتم تصميم الفرقاطة خصيصًا للمرافقة والمراقبة البحرية. ويمكنها استخدام رادارها لمراقبة مجال جوي بحجم بحر الشمال بأكمله، أي حوالي 350 كيلومترًا في جميع الاتجاهات. ويبلغ مدى صواريخها المضادة للطائرات أكثر من 160 كيلومترا. وتحمل الفرقاطة طائرتي هليكوبتر، وتقدم مجموعة خدمات طوارئ الطائرة، بما في ذلك فريق من الأطباء.
ويعتقد على نطاق واسع أن تستمر المعركة ضد الحوثيين عدة أشهر أخرى، كما يرى خبير شؤون الشرق الأوسط هانز جاكوب شندلر من “مبادرة مشروع مكافحة التطرف” (CEP). واعتبر جاكوب شندلر في حوار نقلته صحيفة “فرانكفورته روند شاو” الألمانية (التاسع من فبراير) عن موقع “إيبن ميديا” أن الأزمة في البحر الحمر “لن تنتهي هذا خلال شهرين أو ثلاثة أشهر (..) سيتعين على التحالف البقاء في الموقع لفترة طويلة”. واعتبر الخبير أنه لا يكفي تدمير صواريخ المتمردين الحوثيين وطائراتهم بدون طيار وأسلحتهم. “عليك تأمين المنطقة إلى الحد الذي تستعيد فيه شركات الشحن العالمية الثقة في سفنها التي تبحر هناك”.
تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي
نقلت وكالة الأنباء الألمانية “د.ب.أ” في قصاصة لها (22 فبراير) عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن هجمات الحوثيين خفًضت عدد السفن العابرة في قناة السويس بنسبة 42% خلال يناير / كانون الثاني/ لوحده، مقارنة بالذروة خلال النصف الأول من العام الماضي، محذرة من أن الفاعلين والعملاء التجاريين المعنيين لم يشعروا بعد بكامل التداعيات للأزمة الحالية في البحر الأحمر. ووفق نفس المصدر، فقد ارتفعت الأسعار الخاصة بالحاويات المتجهة من شنغهاي إلى أوروبا بنسبة 256% بين بداية ديسمبر/ كانون الأول/ ونهاية يناير / كانون الثاني/ يناير الماضيين. هجمات الحوثيين انضافت لتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على حركة الملاحة التجارية في البحر الأسود، وانخفاض مستويات المياه في قناة بنما، التي تربط المحيطين الأطلسي والهادئ. كل هذه الأزمات باتت تهدد طرق شحن الحاويات، وبالتالي سلاسل الامداد العالمية وما لها من أثر على ارتفاع التكاليف والتضخم. ويذكر أن النقل البحري يمثل 80% من حركة شحن البضائع عالميا.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” (12 يناير) معلقة “نادرا ما وصلت الاضطرابات إلى هذا المستوى في محيطات العالم”. وذكرت الصحيفة بعد الأحداث المتفرقة في ظاهرها لكنها تساهم كلها في خنق ممرات التجارة العالمية “.. جنود إيرانيون سيطروا للتو على ناقلة نفط في خليج عمان. وبعد فترة طويلة من الهدوء، هاجم القراصنة الصوماليون سفينتين. وكما لو أن ذلك لم يكن مشكلة كافية، فإن السفن تتراجع أمام قناة بنما. يتعين على مشغل القناة توفير المياه التي تحمل سفن الشحن عبر الأقفال. بحيرة غاتون، حيث تأتي المياه، تجف بشكل أسرع من المتوقع، وتغير المناخ يؤثر سلبًا. ولذلك، سيتم السماح بمرور عدد أقل من السفن في المستقبل المنظور. وبدلاً من ذلك، تم نسف الخطة البديلة لبعض شركات الشحن لشق الطريق عبر البحر الأحمر من قبل الحوثيين”. غير أن محللين من “موديز” لخدمات المستثمرين (23 فبراير) أكدوا أن هجمات الحوثيين تؤدي إلى تأخر البضائع ورفع تكاليف الشحن، إلا أن ضعف الطلب ووفرة السفن يخففان من تأثيرها على التضخم.
أي تداعيات على الاقتصاد الألماني؟
خلال منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أوقفت شركة تصنيع السيارات الكهربائية “تيسلا” الإنتاج إلى حد كبير في موقعها الألماني في غرينهايده لمدة أسبوعين بسبب تأخر تسليم المكونات. خبر كهذا يظهر مدى تداعيات الوضع في البحر الأحمر على سلاسل الإمداد بالنسبة للصناعة الألمانية والأوروبية عامة. وكانت شركة الأثاث السويدية العملاقة “إيكيا” قد حذرت العملاء في السابق من أن قطع الأثاث ستصل متأخرة أو لن تكون متاحة على الإطلاق في الوقت الحالي. هذا جزء قليل من صورة قاتمة أكبر لم تتضح بعد كل معالمها. وتزامن هذه التطورات مع نشر نتائج مسح أولي (22 فبراير) بشأن زيادة في انكماش الاقتصاد الألماني خلال شهر فبراير لجاري، إذ أن التحسن الطفيف في قطاع الخدمات لم يُمكن من تعويض أو وقف التدهور الحاد الذي يعرفه قطاع الصناعة. وانخفض نشاط الأعمال في قطاع التصنيع إلى 42.3 في فبراير من 45.5 في الشهر السابق. وتراجعت الصادرات لأقوى اقتصاد في أوروبا مع ارتفاع أسعار الطاقة وسط مشاكل معقدة تعترض التحول المناخي، في ظل غياب أي أفق للخروج من الأزمة التي الائتلاف الحاكم في برلين.
وبهذا الشأن أعلنت برلين (21 فبراير) خفض توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي إلى 0.2 %، مقارنة بتوقعات سابقة كانت عند حدود 1.3 %.. وبعد تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 % العام الماضي، يُخشى أن يجد الاقتصاد الألماني نفسه هذا العام متخلفاً عن دول منطقة اليورو. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “هاندلسبلات” الاقتصادية الألمانية (السادس من فبراير) أن “منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECDE) راجعت آفاق النمو في ألمانيا إلى النصف خلال العام الجاري (..) على أن يعود النمو بشكل طفيف في عام 2025 حيث تتوقع المنظمة بعد ذلك نموا بنسبة 1.1 في المئة، فيما سيصل معدل النمو في مجموعة العشرين حوالي ثلاثة بالمئة”.
رابط مختصر.. https://eocr.eu/?p=11583
المرصد الأوروبي لمحاربة التطرف ـ هولندا